أثارت القمة العربية الثانية والعشرين في سرت عدة تساؤلات قبل أن تعقد. وقد ارتبطت تلك التساؤلات بجدواها لغياب عدد من القادة العرب بلغ عددهم 8 قادة من بين 22 دولة أي أكثر من الثلث، ولأنهم يمثلون كتلة مهمة في المجموعة العربية وشملت مصر والسعودية والمغرب ودولا خليجية، هي سلطنة عمان ومملكة البحرين فضلا عن العراق ولبنان، أي أنه من حيث الكثافة السكانية والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والثقل السياسي، فإن أكثر من نصف القوة العربية لم تشارك على مستوى رؤساء الدول، وإن المجموعة التي شاركت هي مجموعة مهمة وذات ثقل ولكنها لا تستطيع أن تقرر بمفردها التوجه الاستراتيجي العربي. وإن تردد وجود محور في إطار المجموعة التي شاركت سعت للدفع بالعمل العربي نحو توجه معين يخدم مصالح معينة ليست بالضرورة تعطي أولوية للمصلحة العربية المشتركة. هذا ويلاحظ أن بعض الدول التي لم تشارك على مستوى القادة لديها خلافات في الأسلوب أو المضمون مع بعض الدول التي شاركت على مستوى القادة مما يعني أن المصالحة العربية والاتفاق العربي لم يتحقق وأن غياب الرؤية المشتركة ظل قائما.
لقد طرح بعض القادة من بينهم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إنشاء اتحاد عربي بينما طرح الرئيس الليبي معمر القذافي إنشاء اتحاد للدول العربية، وهذه طروحات تكررت مرات عديدة من قبل، وتشكلت لها لجان ومن ذلك الإصلاحات التي سبق وأن طرحها الأمين العام عمرو موسى وأقرت بعضها في قمة تونس ولكن دون تفعيل حقيقي لها.
وبعيدا عن تفصيلات الأحداث في القمة وبعض مفاجآتها مثل الانتهاء المفاجئ والسريع في اللحظة الأخيرة والخلافات الشديدة في الجلسة المغلقة، والتي تسربت بعض المعلومات عنها، فإننا نسوق بعض الملاحظات العامة التالية حول قمة سرت ونتائجها:
الأولى: مشاركة جميع الدول بغض النظر عن مستوى المشاركة أي عدم تغيب أية دولة، كما أن بعض الدول التي لم يشارك قادتها شاركت بمستوى رفيع كما هو شأن مصر التي ترأس وفدها رئيس الوزراء لمرض الرئيس حسني مبارك.
الثانية: إن أهم بندين على جدول أعمال القمة وهما عملية السلام بما في ذلك قضية القدس والمصالحة العربية لم يتحقق فيهما الكثير رغم أن موضوع القدس حظي باهتمام كبير سياسي وإعلامي سواء بطرح مساعدة تبلغ 500 مليون دولار لصندوقي القدس والأقصى اللذين تم إنشاؤهما منذ العام 2001 أو بطرح فكرة إنشاء مفوضية للقدس. ولكن الجلسة المغلقة أظهرت أن الخلاف بين المشاركين كان واضحا وعميقا، فالرئيس السوري مثلا لم يلتق مع الرئيس الفلسطيني، وتأجل اتخاذ قرار بشأن فكرة التجمع الذي يضم دول الجوار العربي التي طرحها أمين عام الجامعة وأيدتها بعض الدول ونحو ذلك.
الثالثة: إن بعض الطروحات التي عرضت على القمة كانت شكلية وإعلامية أكثر منها تعبيرا عن سياسة واقعية مدروسة، ولعل في مقدمة ذلك الدعوة لإنشاء تجمع يضم دول الجوار العربي والدعوة لإنشاء مفوضية القدس. والأمران يحتاجان لدراسة متعمقة وجادة لبحث مدى إمكانية قيامهما وكيفية التطبيق العملي لذلك. ولو نظرنا لفكرة تجمع من دول الجوار العربي فإننا نجد أن الخلافات بين دول الجوار العربي مع الدول العربية ذاتها وبخاصة الدول الرئيسة متعددة، فلكل دولة من هذه الدول أولوياتها وسياساتها التي تتصادم مع السياسات والمصالح العربية من الناحية العملية، رغم الأطروحات والشعارات العامة، فالحقائق على أرض الواقع بخلاف ذلك. ولعل التساؤل الثاني إذا كانت دول الجوار العربي لإسرائيل لم تستطع تنسيق مواقفها، وبينها تعارضات كثيرة، فكيف سوف ينسق العرب بأسرهم مع دول الجوار العربية، بافتراض أن مثل هذا التجمع أمكن إنشاؤه، وسياسات إيران وتركيا وإثيوبيا وهي أهم دول الجوار العربي تتعارض مع سياسات دول عربية رئيسية في جوهرها، بغض النظر عن الجوانب الإعلامية والدعائية، فبعض تلك الدول لها ارتباطات وثيقة مع إسرائيل بل علاقات استراتيجية معها، وبعضها الآخر له ركائزه في المنطقة العربية وهي ركائز تسير في ركابه ويستخدمها لاستراتيجيته ومصالحه الدولية أكثر من المصالح العربية. كما أن بعضها يهتم بفكره المذهبي ونشره مما يثير خلافات عميقة مع بعض الدول العربية، وبعضها يتخذ علاقاته مع الدول العربية كأداة للضغط في علاقاته مع قوى دولية أخرى لمصلحته الخاصة، بعبارة أخرى إن طرح إنشاء تجمع لدول الجوار العربي هو طرح دعائي أكثر منه عملي، ولعل التنسيق والتحاور مع هذه الدول في إطار الأمم المتحدة والمنظمات والمؤتمرات الدولية هو الأيسر والأسهل فيكون ذلك بمثابة سياسة واقعية.
أما بالنسبة لمفوضية القدس فهناك لجنة القدس يترأسها الملك محمد السادس وهي لجنة برئاسة المغرب منذ عهد الملك الحسن الثاني، وماذا ستكون علاقة المفوضية مع اللجنة؟ وكيف سيتم تنظيم عملها؟ ومن سيتولاها؟ وكيف تتعامل هذه مع إسرائيل المسيطرة والمحتلة للقدس في ظل رفض بعض الدول والقوى الاعتراف الواقعي بإسرائيل؟ وكيف ستتعامل مع القوى الدولية الأخرى، ولهذا نقول إن هذا الطرح دعائي وإعلامي أكثر منه سياسة حقيقية ذات فاعلية.
الرابعة: إن خطب الرئيسين السابق والحالي للقمة وبعض الرؤساء الآخرين، فضلا عن خطاب الأمين العام لجامعة الدول العربية وجهت النقد للنظام الرسمي العربي، ومن يستمع إلى هذه الكلمات من القادة يتصور أنهم ليسوا جزءا من هذا النظام العربي، إنه خطاب أقرب لخطب المثقفين ومنظمات المجتمع المدني، ونبض الشارع السياسي العربي، ومن ثم فيمكن القول إنه يتماهى مع التوجهات الشعبية، ولكن المشكلة أن هؤلاء جميعا وكذلك القادة الآخرون هم جزء أساسي من النظام الرسمي العربي، والمتصور أنهم يضعون لنا خطة عملية مدروسة حول كيفية تفعيل هذا النظام، بدلا من نقدهم إياه، بأسلوب نقد المثقفين العرب الذين ليس لديهم سلطة اتخاذ القرار. على سبيل المثال القيام بتحرك رئيس لرأب الصدع بين مصر وسورية، أو بين لبنان وليبيا، أو لتعزيز الوحدة العراقية، أو لرأب الصدع بين المغرب والجزائر حول الصحراء، أو بين السعودية والإمارات حول البنك المركزي الخليجي أو القيام بجهد حول أسباب غياب قادة عرب عن القمة أكثر من مرة، ونحو ذلك، فيتحول الأمر لموقف إيجابي عملي أكثر من مجرد توجيه اللوم للنظام الرسمي العربي، بينما هم جزء منه ويقع عليهم جزء من مسئولية هذا الإخفاق والفشل فهم أصحاب قرار ولهم دورهم.
الخامسة: بالنسبة لقضية فلسطين وعملية السلام فإنه للأسف بعض الدول التي شاركت في قمة سرت لم تقم بالدور المناسب لرأب الصدع بين الفلسطينيين، بل ربما قامت بعكس ذلك، باحتضان فصائل معينة ضد أخرى، ومن ثم فهي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل. كما أن بعضهم لم يضع موارده وإمكانياته للضغط على القوى الدولية المؤيدة والمساندة لإسرائيل حتى تضغط عليها لاتباع سياسة عقلانية تؤدي إلى تسوية بدلا من سياسة القمع الإسرائيلي للفلسطينيين، واقتطاع أراضيهم، وممارسة لعبة إضاعة الوقت، وهذه اللعبة للأسف أصبح يمارسها بعض الفصائل الفلسطينية فيما بينهم مما أدى لعدم تحقق المصالحة الفلسطينية، وهذا كله يصب في النهاية لمصلحة إسرائيل.
السادسة: إن بعض الدول شارك قادتها تأكيدا لدور هؤلاء القادة، وطرحت شعارات تعكس ظروفها المحلية وصراعاتها أو معاناتها تجاه قوى دولية معينة، ومن ثم فإن دورها الحقيقي في العمل العربي المشترك والمؤثر محدود لانهماكها في مشاكلها الداخلية، وأجدر بهذه الدول أن تعمل على رأب الصدع الداخلي لديها حتى يكون لدعواتها في الإطار العربي والدولي مصداقية.
السابعة: إن الإطلاع على الوثائق التي صدرت من القمة يظهر على ثلاث حقائق:
1. إضافة بعض العناصر والأفكار الجديدة مثل: مؤتمر دولي حول الدفاع عن القدس، وإن لم يشر إلى ضرورة المشاركة الدولية بأن يكون تحت مظلة أو بمشاركة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي أو الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وغيرها ولو كمدعوين.
2. تكرار المواقف التقليدية حول العراق والسودان والصومال وجزر القمر ونزع السلاح والتغير المناخي والتضامن العربي والحوار مع الدول الأخرى والتعاون العربي والإفريقي.
3. إضافة اجتماعات جديدة دائمة وإن وصفت بأنها استثنائية على مستوى القمة وهذا يشبه ما يحدث في مجلس التعاون الخليجي.
الثامنة: إن الوثائق لم تشر لإيران سوى في إطار الخلافات أي مشكلة الجزر وإسناد مهمة المساعي الحميدة بين الإمارات وإيران إلى العقيد القذافي رئيس القمة العربية الثانية والعشرين.
التاسعة: إن أهم ثلاثة تحركات تم تأجيل القرار بشأنها أو الالتجاء للصياغات العامة وهي فكرة رابطة مع دول الجوار، وفي هذا الصدد صرح الأمير سعود الفيصل أن الفكرة في غير أوانها لأنه لابد أن تغير إيران سياستها تجاه الدول العربية. وتطوير العمل العربي الذي أحيل إلى لجنة خماسية من رؤساء ليبيا ومصر واليمن وقطر والعراق بمشاركة الأمين العام.
العاشرة: كانت كلمة رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا إنشائية وبلاغية وعاطفية واستخدمت عبارة قوية مثل كلمة «الجنون» ولكن لوحظ أن نص الخطاب على موقع المؤتمر لم يتضمن هذه الكلمة.
وباختصار نتساءل ما هو الجديد حقيقة الذي قدمته القمة العربية الثانية والعشرين؟ وهذا التساؤل طرحه العديد من الكتاب والمثقفين وجماهير الشعب العربي الذين دأبوا على نقد الموقف الرسمي للنظام العربي والآن انضم لهذا النقد مسئولون عرب على مستوى رؤساء الدول فأية مفارقة هذه؟
ونقول إننا في حاجة إلى شجاعة وإرادة عربية من نوع مختلف، فالشجاعة ليست في نقد الآخر حاضرا أو غائبا أو في نقد جهة مجهولة الهوية أو في نقد العدو، وإنما الشجاعة الحقيقية في نقد الذات ومطالبتها بتصحيح أولوياتها وسياساتها وتصوراتها. أما الإرادة فهي ترتبط بإمكانيات الدول العربية جميعا، وهي إمكانيات هائلة وضخمة ولو توافرت الإرادة الحقيقية في استخدام هذه الموارد كأدوات للضغط العربي على المستوى الدولي بالنسبة للدول المساندة لإسرائيل على غرار ما حدث بعد حرب 1973 وحظر النفط جزئيا ولفترة محدودة فإن مواقف هذه الدول الداعمة لإسرائيل سوف تتغير. أما ضعف الإرادة فهو أدى بنا كعرب لفقدان الدول الصديقة في آسيا وإفريقيا مثل الصين والهند اللتين توثقت علاقاتهما بإسرائيل بما فاق أية تصورات في الماضي مع استمرار تمسكهما بمبادئ عامة حول مساندة قضية فلسطين لا يختلف عليها كثيرون، فضلا عن تراجع التأييد الأوروبي الحقيقي للقضية الفلسطينية. هذا كله ونظل في انتظار ما تسفر عنه الضغوط الأميركية على إسرائيل أو كما في المسرحية المشهورة في انتظار جودو.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2764 - الأربعاء 31 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الثاني 1431هـ