العدد 2361 - السبت 21 فبراير 2009م الموافق 25 صفر 1430هـ

قراءة غير منفعلة للتصريحات الإيرانية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثارت التصريحات الإيرانية التي أدلى بها ناطق نوري في مدينة مشهد بالإدعاء بأن البحرين «إيرانية»، وبأنها كانت أصلا «المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، وكان يمثلها نائب فى مجلس الشورى»، استياءات عربية رسمية وشعبية عبرت عنها زيارات مسئولين عرب للعاصمة البحرينية «المنامة»، وما تناقلته وسائل الإعلام العربية من مواقف عربية منددة بالتصريحات الإيرانية تلك.

ليست هذه هي المرة الأولى، حتى بعد إسقاط نظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، التي تنطلق من طهران مثل تلك التصريحات التي تؤدي إلى تأزيم العلاقة بين البلدين. لعل آخرها، قبل هذه الأخيرة تلك التي اندلعت في منتصف العام 2007 إثر نشر مقالة كتبها حسين شريعتمداري، ادعى فيها هو الآخر أن «البحرين تابعة لإيران».

لا يمكن لأحد أن لا يقف مع ردة الفعل الرسمية والشعبية البحرينية إزاء التصريحات الإيرانية تلك. فعندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية، تتلاشى كل الخلافات، كما جرى في البحرين، وتتراجع كل أشكال المطالب إلى الخلف، كي يتصدرها موقف واضح لا غبار عليه، هو الذود عن الوطن وحياضه، بغض النظر عن أي شكل من أشكال الروابط الأخرى التي تحكم العلاقة بين الوطن ومن يمس سيادته.

لكن بعد أن ينجلي غبار «الحروب الإعلامية» وتصفوا المياه في أعقاب «العاصفة السياسية»، على أهل العقد والربط، الرسميين منهم والشعبيين، على حد سواء، أن يجلسوا على طاولة واحدة كي يفهموا حقيقة وجوهر الموقف الإيراني والدوافع التي جعلت «بعض القوى» في الساحة الإيرانية إلى القيام بما قامت به. نأمل أن لا تقود هذه الدعوة إلى ما يفهم منه أنه دفاع عن الموقف الإيراني أو حتى التعاطف معه. فالقرائن التاريخية والحضارية كلها تدحض بما لا يقبل الشك، كل الادعاءات التي تمس عروبة البحرين، ناهيك عن استقلالها.

لكن بالمقابل، من يقرأ جيدا، وبهدوء، الموقف الإيراني سيجد أن الدوافع وراءه مصدرها أسباب عدة، تكاملت فيما بينها كي تبرز على السطح تلك التصريحات، وهي:

1 - التعبير عن إيديولوجية بعض العناصر الفارسية المتعصبة، إذ على رغم انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتشديدها على المقومات الإسلامية، بدلا من العرقية، لكن المجتمع الإيراني، وبعد مرور ثلاثين سنة على انتصار تلك الثورة، لا يمكن أن يخلو من جيوب عرقية فارسية متعصبة، لا تستطيع أن تتخلص من تلك الجذور الفارسية، التي تتمظهر في أشكال شتى داخل المجتمع الإيراني ذاته، ومن بين تلك المظاهر، الادعاءات الباطلة التي تشكك في عروبة البحرين واستقلالها.

2 - تلبية متطلبات سياسية داخلية، فاليوم، تموج الساحة الإيرانية بالصراعات الداخلية، النابعة من أسباب داخلية وخارجية، على حد سواء، فالصراع بين المحافظين والإصلاحيين، والخلاف في صفوف كل منهما على حدة، والموقف من فلسطين ومعه العلاقات مع «إسرائيل»، وقائمة أخرى من القضايا التي، من الطبيعي جدا، أن تدفع هذا الطرف أو ذاك، وانطلاقا من مصالح فئوية ضيقة إلى إطلاق مثل هذه التصريحات، التي من الطبيعي أيضا أن لا يمكن للبحرين السكوت عنها أو تجاهلها.

3 - تحديد الحصة الإيرانية في خريطة الشرق الأوسط الكبير الجديدة، فمع نتائج الانتخابات في واشنطن، وفي ضوء نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وبناء على ما أفرزته معارك غزة من عناصر جديدة، تدرك إيران أن الوقت أصبح ملائما لرسم معالم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، والتي إيران في القلب منها.

وتدرك أيضا أن المرحلة لا تستحمل تأجيل وضع الأوراق على طاولة المساومات بين الأطراف المعنية، ولذك فمن الطبيعي، سعيا من إيران لانتزاع ما تستطيع انتزاعه عند توزيع الأدوار والحقوق والحصص، أن نوسع من دائرة نفوذها، كي تبعد عن نفسها أية معارك داخلية تصل إلى الحدود الإيرانية المتعارف عليها دوليا، من جهة، ولكي تنال أكبر قطعة من الكعكة عند تقسيمها من جهة ثانية.

4 - الحاجة إلى تماسك أكبر عدد ممكن من عناصر القوة التي تضاعف من حجمها السياسي في الصراعات التي تدور على أرض خارطة الشرق الأوسط من جهة، وفي الجمهوريات الآسيوية من جهة ثانية.

5 - رفع العصا، من دون تهديد أو عنف، في وجه الإدارة الأميركية الجديدة، من خلال التلويح ببعض الأوراق التي تعتقد إيران أن في وسعها استخدامها، عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأن مجموعة من المسائل: المشروع النووي الإيراني، العلاقات الإيرانية - الآسيوية غير الخليجية، وخصوصا مع الصين، وباكستان، الحضور الإيراني في آسيا الوسطى.

في ضوء فهمنا للموقف الإيراني، لابد لنا من الإشارة إلى ردة الفعل البحرينية، وعلى وجه الخصوص الرسمية. كما ذكرنا، ليس هناك من يجرؤ على تخطئة الحشد الذي قامت به البحرين للرد على تلك التصريحات، لكن من الضروري التحذير من مسألتين:

1 - تحاشي وضع موقف أي طائفة أو فئة في البحرين في خانة الموقف الإيراني الأخير، فهنا من الضرورة بمكان التأكيد على عروبةالبحرين، والموقف الوطني من قضية سيادة البحرين واستقلالها، وعروبتها. على المسئولين ألاّ ينزلقوا وهم في اندفاعهم لدحض المزاعم الإيرانية وأن يرتكبوا خطأ الوقوع في فخ الطائفية. على الجهات الرسمية، أن يكون دفاعها عن السيادة البحرينية، مرتبط بجبهة داخلية متماسكة ركيزتها الطائفتان السنية والشيعية، فكلتاهما، وعلى قدم المساواة، ومن خلال تضحياتهما المشتركة، انتزعت البحرين استقلالها، وحققت فيما بعد ذلك مسيرتها الإصلاحية التي قادها جلالة الملك.

2 - تطويق الأزمة واحتواء ذيولها، وعدم تصعيدها إلى ما هو أبعد مما ذهبت إليه، فليس ذلك من مصلحة البحرين، وعلى وجه الخصوص أهلها وتجارها الذين تربطهم روابط حميمة مع إيران وأهلها وتجارها، انعكست إيجابيا في علاقات اجتماعية وتجارية متينة، من الخطأ التفريط بها، كما حصل في مناسبات سابقة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2361 - السبت 21 فبراير 2009م الموافق 25 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً