العدد 2361 - السبت 21 فبراير 2009م الموافق 25 صفر 1430هـ

واشنطن ولعبة التفاوض مع طهران

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دعوة الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض أمس الأول «الحلفاء» للإسراع و«عدم التأخر» في معالجة الملف النووي الإيراني تشير إلى أن القرار قد حسم في إدارة باراك أوباما لمصلحة الطرف الذي كان يضغط باتجاه عدم إهمال الموضوع بانتظار معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل. فالخلاف بين الطرفين بدأ فور تسلم الرئيس أوباما مقاليد الإدارة. فهناك من دعا إلى التمهل وعدم التسرع وتأجيل الاتصال بالرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد حتى لا يستفيد من الانفتاح الأميركي ويقوم بتوظيفه لتحسين صورته الداخلية وكسب الأصوات لمصلحة التجديد له ولاية ثانية. وهناك من رفض الانتظار بدعوى أن المترشح المنافس الرئيس السابق محمد خاتمي يمثل الطرف «الأسوأ» في معادلة الاختيار باعتبار أن خاتمي يتمتع بسمعة جيدة ويمتلك علاقات دولية محترمة يمكن أن يستخدمها في المفاوضات لتحسين شروط إيران في حال توصل الأطراف إلى التفاهم على اتفاق إطاري لتنظيم العلاقات وتحديد موقع طهران ودورها في المنظومة الإقليمية.

الاختلاف بين الوجهتين أدى إلى تدخل بعض دول الاتحاد الأوروبي الذي نصح أوباما بعدم التأجيل حتى يمكن الاستفادة من ضعف «الخطاب الايديولوجي» للرئيس الحالي من خلال تحويله إلى قوة مضادة للضغط على القيادة السياسية الإيرانية وإجبارها على التنازل والقبول بتلك الإغراءات والحوافز التي سبق وتم عرضها على طهران ورفضتها في وقت كانت إدارة جورج بوش تعاني من عزلة دولية. التدخل الأوروبي دعمته «إسرائيل» التي وافقت على الرأي الذي يشير إلى عدم التأخر في التعامل مع الملف النووي. فتل أبيب ترى أن تصريحات أحمدي نجاد النارية وتهديداته الحامية ساهمتا في تعزيز وجهة نظرها وتسويقها إعلاميا وتوظيفها سياسيا لاقناع الحلفاء بوجود خطر فعلي وليس مختلقا.

التعاون الأوروبي - الإسرائيلي لعب دوره في إقناع إدارة أوباما أن تبدأ بالتحرك سريعا وعدم انتظار موعد الانتخابات الإيرانية بذريعة أن الرئيس المقبل - في حال فاز خاتمي - سيكون أصعب لأنه يمتلك كفاءات وخبرات وعلاقات دولية وسمعة جيدة وشخصية محترمة يمكن أن تسعفه في تسجيل نقاط لمصلحة طهران سواء على مستوى التفاوض بشأن الملف النووي أو على مستوى البحث في الشئون الإقليمية وموقع إيران ودورها في التهدئة أو المساعدة على احتواء ملفات ساخنة.

مسألة الذكاء والغباء شكلت قاعدة اختلاف بين التأجيل بانتظار خاتمي (رجل دولة) وعدم التأخر حتى لا تفوت الفرصة ويغادر أحمدي نجاد (الايديولوجي) مكتبه. وبين الأول والثاني اتجهت واشنطن إلى اختيار الايديولوجي المضطرب والمتوتر وتفضيله على السياسي الهادئ والمحنك. فالرجل الايديولوجي يتصف عادة بالضعف في تقدير المواقف وينفعل وينزلق ويتشنج ويصرخ ويرفع صوته ولكن شخصية الايديولوجي لزجة ورخوة وقابلة للتطويع ما يجعله يتكيف مع قوالب جاهزة يسقط فيها بسرعة من دون إدراك أو انتباه. بينما الرجل السياسي فهو يتميز بالعقلانية وقراءة المعادلات ودراسة موازينها قبل اتخاذ المواقف المحسوبة بدقة ما يجعله صعب المراس وغير سهل للايقاع به وتوريطه في اتفاقات أو تفاهمات تتعارض مع وجهة نظره.

الايديولوجي أفضل من السياسي

بين السياسي والايديولوجي اتجهت واشنطن إلى تفضيل الثاني بعد نصائح إسرائيلية وضغوط أوروبية. فالتفضيل تأسس على ايديولوجيا طاقم أحمدي نجاد الذي ساهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة في تسميم العلاقات الجوارية وإثارة القلق وتعظيم القوة الذاتية وإطلاق تصريحات غير مسئولة.

إدارة أوباما ترى أن هناك فرصة للضغط بالتعاون مع الحلفاء اعتمادا على قراءة واقعية تقدم بها الفريق الذي يطالب بفتح باب الحوار «وجها لوجه» وطرح كل الملفات والأوراق ومعالجتها جديا تحت سقف «الدبلوماسية الذكية». وكلام المتحدث باسم البيت الأبيض وحثه الحلفاء على عدم التأخير جاء بناء على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر الخميس الماضي وأشار إلى أن إيران تواصل عمليات تخصيب اليورانيوم مثيرة علامات استفهام بشأن الجانب العسكري وتعارضه مع قرارات دولية نصحت طهران بعدم المتابعة بهذا الاتجاه.

المناسبة كانت صدور تقرير الوكالة الدولية ولكن التوقيت جاء استجابة للضغوط والنصائح من جانب الحلفاء. فالحلفاء في مجموعهم يطالبون واشنطن بأن تبدأ خطوتها الأولى حتى تتشجع القيادة السياسية في إيران وتوافق على موضوع نقل المفاوضات من السرية (اللقاءات الفنية والتقنية) إلى العلنية (التفاهمات السياسية). والتفاهمات التي يطمح لها الحلفاء لابد أن تقوم على قاعدة مفاوضات «وجها لوجه» وليس في الخفاء وبعيدا عن الأنظار وكاميرات التصوير كما حصل في السنوات الثلاث الماضية.

مسألة التفاوض الأميركي - الإيراني بعد تصريح الناطق باسم البيت الأبيض يرجح أن تكون قريبة وقبل موعد الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل. واستعدادا لهذا الموعد بدأت واشنطن تطلق اشارات متعارضة وغامضة ومتفاوتة في غاياتها. فمن جانب تقول (تقارير المخابرات) إن طهران أوقفت الجانب العسكري من برنامجها النووي في العام 2003 وإنها دخلت في عمليات تنسيق ميدانية مع القوات الأميركية في العراق وافغانستان منذ العام 2005. ومن جانب تصدر تصريحات عن مسئولين في الإدارة الأميركية تتهم طهران بدعم «الإرهاب» وتوزيع أسلحة وتهريب مقاتلين ونشر الفوضى وتخصيص موازنات مالية ومساعدات عينية على مجموعات معادية للولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط».

هذا التعارض الأميركي في التعامل مع الملف الإيراني يقابله أيضا ذاك التعارض الإيراني في التعامل مع الوجود الأميركي في المنطقة. فمن جانب تطلق القيادة السياسية تصريحات نارية وصواريخ ايديولوجية ضد واشنطن ومن جانب آخر ترسل الخطابات وتكلف الوفود القيام بالاتصالات وتنسق ميدانيا مع قيادة الاحتلال في العراق وأفغانستان.

كل هذه التقاطعات يبدو أنها وصلت إلى مرحلة الإشباع في عهد إدارة جورج بوش ويحتمل أنها أصيبت بنكسة بعد مغادرة «تيار المحافظين الجدد» أروقة البيت الأبيض. فإدارة أوباما التي أبدت استعدادها للانفتاح والاتصال مباشرة (وجها لوجه) قطعت الشك باليقين ما يعني أن المفاوضات ستكون واضحة الأهداف ومبرمجة ومجدولة ولا تحتمل التأويل والتفسير والازدواجية بين الكلام والفعل.

بروتوكوليا المفاوضات العلنية أفضل من السرية، والمباشرة أحسن من غير المباشرة... لأنها تضع بوضوح الأوراق على الطاولة وتعالج بشفافية كل النقاط والتقاطعات بناء على تقدير ميزان القوى ودور الموقع الجغرافي وتأثيره الفعلي على المحيط. ومثل هذه المفاوضات المفتوحة على جدول أعمال وأولويات والمكشوفة للرأي العام والمراقبة بالكاميرات والموضوعة تحت الأضواء تزعج عادة «الرجل الايديولوجي» الذي يفضل السرية ويتهرب من الوضوح في قراءة الحسابات الواقعية والرقمية. فهذا النوع من التفاوض يربك «الايديولوجي» ويثير أعصابه على عكس «رجل الدولة» الذي لا يعاني عادة من أزمة عدم الوضوح والتهرب إلى الازدواجية في التعامل اللغوي بالألفاظ والمعاني. وربما لهذا السبب الشخصي وافقت إدارة أوباما وحسمت أمرها باتجاه تبني وجهة نظر «الحلفاء» الذين نصحوها بعدم التأجيل والاقلاع عن سياسة الانتظار. فالايديولوجي أفضل من السياسي لأنه يتغير بسرعة ويمكن تطويعه وإقناعه بالقليل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2361 - السبت 21 فبراير 2009م الموافق 25 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً