ابتكرت حكومة أقصى التطرف الإسرائيلي لغة جديدة لتعريف معنى التطرف. فاللغة لجأت إلى الاحتيال اللفظي واعتمدت سياسة تدوير الحقائق للخروج من المأزق وطرد مسئولية التطرف إلى الطرف المقابل.
التصريحات الرسمية والتعليقات الصحافية والتسريبات الإعلامية أشارت في مجموعها إلى مخاوف من نمو نزعة العداء لحكومة تل أبيب تأسيسا على مواقف الرئيس باراك أوباما «المتطرفة» ضد نهج الثنائي نتنياهو – ليبرمان.
برأي تل أبيب أن واشنطن في إدارتها الحالية «متطرفة» وهي تشجع مواربة «التطرف» العربي – الفلسطيني وتدفعه إلى رفض التفاوض والدخول في العملية السلمية. فالتطرف في لغة حكومة «إسرائيل» المبتكرة هو نتاج مواقف الرئيس الأميركي وتمسكه برفض الاستيطان وتوسيع الوحدات السكنية عموديا وأفقيا في القدس والضفة. وهذه المواقف «المتطرفة» تتحمل مسئولية تعطيل المفاوضات لأنها عززت اتجاه التطرف العربي – الفلسطيني وأعطته تغطية دولية للتمسك بموضوع ربط السلام بالمستوطنات.
التعريف الجديد لمعنى «التطرف» يعطي صورة عن متغيرات بدأت تشهدها الساحة الإقليمية على أكثر من صعيد. فالجانب الإسرائيلي الذي يحتل القدس والضفة والجولان ويحاصر غزة ويهدد لبنان بالدمار وينشر بؤر الاستيطان ويبني جدار الفصل العنصري ويصادر الأراضي وينهب المياه ويطرد السكان من منازلهم وقراهم يعتبر هذه الخطوات تصرفات مسالمة تتكيف مع حقوق ووعود تلمودية. بينما الاحتجاج الأميركي الخجول على السياسة الإسرائيلية ومطالبة الرئيس أوباما بوقف الاستيطان وتجميده مؤقتا حتى تنفتح قنوات التفاوض فهي تدل على نزعة عداء تشجع «التطرف» وتعطي شرعية قانونية للرفض العربي – الفلسطيني لمشروعات قضم الأراضي وتفكيك مناطق السلطة.
تدوير الحقائق ليست سياسة جديدة على «إسرائيل». فهذه الدولة تأسست أصلا على فكرة المخالفة للقرارات الدولية ورفض التعامل مع الهيئات والكيانات إلا إذا وافقت على تبني رؤيتها وما تنتجه من قراءات تزوّر الوقائع التاريخية والمعالم الجغرافية.
الجديد في الموضوع هو مبالغة حكومة التطرف الإسرائيلي في تدوير المعلومات وإعادة إخراجها بلغة لا تخلو من الغباء. والغريب أن هذه اللغة الغبية في تعريف «التطرف» تجد من يصدقها ويسير في ظلالها سواء في مؤسسات الكونغرس الأميركي ومجموعات اللوبي في واشنطن أو على مستوى الأحزاب والهيئات العاملة على أكثر من صعيد في دول الاتحاد الأوروبي. فهذه التجمعات بدأت تضغط وتطالب أوباما بوقف حملته على «الطفل» حتى لا يضعف أمام خصومه العرب والسلطة الفلسطينية، ويعطي فرصة لقوى «التطرف» بالنمو السياسي والعودة إلى لعب دورها في المشهد الإقليمي.
يبقى السؤال. هل تنجح «إسرائيل» في لعبة تدوير الحقائق ويبدأ أوباما بالتراجع ويسحب اعتراضاته الخجولة على توسيع الاستيطان أم تفشل حكومة الثنائي المتطرف في خطتها ويستمر الضغط عليها للقبول بما نصت عليه مواثيق الأمم المتحدة والقرارات الدولية؟
محطات كثيرة يمكن أن تشكل درجات متفاوتة لمراقبة مدى جدية إدارة واشنطن في سياستها المتقلبة بين جانب وآخر. فهناك دعوة دول مجلس الأمن للاجتماع بخصوص الاستيطان وإصدار قرار دولي بشأنه. وهناك مطالبة الدول العربية بتشكيل لجنة تقصٍّ للحقائق ورفع موضوع التوسع الاستيطاني إلى المحكمة الدولية حتى تلاحقه رسميا وتضع حدا له. وهناك أخيرا تفعيل الرغبة الفلسطينية في استقدام قوات أممية (القبعات الزرق) ونشرها على الحدود الفاصلة بين السلطة وجنود الاحتلال على غرار ما هو حاصل في جنوب لبنان والجولان.
هذه المحطات الثلاث تشكل في مجموعها نقاط اختبار لمدى استعداد إدارة أوباما على التعامل مع التطرف الإسرائيلي. فالمطالب الثلاثة بسيطة وعادلة ولا تتعارض مع المظلة الدولية ولا تعرّض أمن «إسرائيل» للمخاطر المتوهمة، وهي أيضا لا تتجاوز الخطوط الحمر لأنها تتحرك في إطار مشروع تضمنه المواثيق والاتفاقات الموقعة من مختلف دول العالم. فهل تدعم واشنطن السلطة الفلسطينية وتمرّر بيان مجلس الأمن بشأن خطط الاستيطان؟ وهل تتفهم مسألة رفع ملف دعوى قضائية إلى محكمة العدل الدولية؟ وهل توافق على إرسال قوات مراقبة دولية للإشراف على تنظيم خطوط الفصل وفك الاشتباك بين السلطة الوطنية الفلسطينية والاحتلال؟
ثلاثة أسئلة تنتظر أجوبة ميدانية. والأجوبة الثلاثة اختبارية لأنها تشكل في مجموعها ذلك الرد الذي يوضح فعلا صورة المتغيرات ومدى جديتها ونجاعتها. فالتغيير الذي تتحدث عنه حكومة أقصى التطرف مجرد تدوير للحقائق ومحاولة لغوية للتهرب من المسئولية وقذف الكرة إلى ملعب أوباما، بينما المطلوب من الولايات المتحدة خطوات بسيطة ولكنها على تواضعها ترسل إشارة مهمة باتجاه تأكيد العزم على السير في الطريق الشاق والطويل والصحيح.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2763 - الثلثاء 30 مارس 2010م الموافق 14 ربيع الثاني 1431هـ
عبد علي عباس البصري
المتتبع للعلاقات الاسرائيليه الامريكيه والعربيه ايضا نراها في تناسب عكسي على كل الطرفين . فمنذ نشوء الكيان الصهيوني وبعد عام 67 والى اليوم نرى هذا التناسب،زياده في العطاء والسخاء ومنصاره الكيان الصهيوني وتزايد في التعنت الاسرائيلي يقابله ايضا تذلل وتنازل من قبل الطرفا لعربي . فكيف نغير هذه المعادله يا سعاد الكاتب العزيز وليد نويهض جعلك الله من الناهضين من اجل مناصره الاخوه في فلسطين .