يشكّل كتاب غريغ مورتنسون «ثلاثة فناجين من الشاي» قصة مشروع إنساني لمتسلق جبال فاشل لبناء مدارس في أكثر الأجزاء تخلفا في مناطق باكستان الشمالية.
صدر الآن جزء ثانٍ من الكتاب عنوانه «حجارة في المدارس»، يسرد قصة جهود مورتنسون المستمرة لبناء المدارس في المنطقة.
أثبت سرد مورتنسون نجاحه لدرجة أن نسخا مجانية من الكتاب يجري توزيعها على صانعي القوانين في تلة الكابيتول ضمن جهود لتوجيههم نحو «التركيز الصحيح» على باكستان.
يبدو أن هؤلاء الذين يقفون وراء هذه الجهود يأملون أن توفّر قراءة رواية مورتنسون وتعاونه وصداقته مع القرويين في كورفي بشمال شرق باكستان، والغياب الواضح للنظرة الفوقية أسلوب مواجهته لمعوقات بناء المدارس، وعزيمته لتوفير التعليم لهذه المناطق النائية، أن توفّر لأعضاء الكونغرس الأميركيين منظورا هم في أمسّ الحاجة إليه تجاه المنطقة التي تعاني من الاضطراب.
تُعتبر هذه النوايا مفيدة دونما شك. لا يمكن لأي باكستاني أن يعترض على الطبيعة المنعشة لقصة مورتنسون والشجاعة التي يرفض بها أن تثبط الفروقات الثقافية والدينية واللغوية إضافة إلى مختلف أنواع الرافضين من همته.
الباكستانيون بالطبع ممتنّون لقدرة مورتنسون على تجنّب سرد «طالبان» الدائم وإرهابهم، وقنبلة المسلمين الزمنية المتفجرة التي تحدد بشكل روتيني النقاش حول باكستان، وخاصة على تلة الكابيتول.
من الخطأ اعتبار قصة مورتنسون في المبادرة والإصرار على أنها مجرد مشروع لاسترداد قيمة باكستان في عيون الغرب. لِمَ مُنعت هذه الدعاية والتغطية الإعلامية عن العديد من الطروحات التي كُتبت بأسلوب خلاق مماثل وبهدف مقصود هو تخليص باكستان من عبء سمعتها؟ وبالمثل، فشلت منظمات غير حكومية مبدعة قامت ببناء مدارس في مناطق السند والبنجاب الباكستانية الريفية في أسر الخيال الدولي بنفس مستوى وقوة مشروع مورتنسون.
يستطيع قرويو كورفي رؤية مورتنسون كشخص، والعكس صحيح. تم بناء روابط وعلاقات تتجنب الخلافات السياسية والمضامين التاريخية. يشكّل تواضع المؤلف هزيمة لهيمنة عصر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وتشكل قدرته على التغلب على الحواجز والمعوقات بلطف وتعاطف، ولكن بحزم القصد وإصراره، ابتعادا كبيرا عن فلسفة القنابل والطائرات بدون طيار التي تعرّف التوجه الأميركي الرسمي. يجري هنا وضع راعي البقر من الغرب الأميركي وصاحب الأعمال المبادِر الذي يرتكب المخاطر والمستكشف البحري الشجاع، في حزمة سلمية واحدة هي شخص مورتنسون، الذي نجح وحده بإنشاء ما رفضته حكومتا الولايات ال متحدة وباكستان لكونه مستحيلا.
يمكن للانفتاح الأخير على تعقيدات باكستان التاريخية الغريبة والعداءات الداخلية بين المجموعات السياسية الإسلامية والخلافات العرفية والعلاقات العسكرية المدنية أن يكون أمرا شاقا وأن يستهلك الكثير من الوقت، وخاصة لصانعي القوانين الأميركيين الذين يسعون لصياغة أسماء لطيفة حول قضية أفغانستان وباكستان مشيرة إليها بعبارات مختصرة مثل «AfPak»!
وفي الوقت الذي يشكّل فيه التعليم واحدا من احتياجات باكستان، وتُعتبر فيه جهود مورتنسون مشكورة ومقدّرة، إلا أنها لا تشكّل تقصّيا معمقا لمشاكل باكستان الهيكلية، ويجب عدم أخذها كبديل لتفهّم أعمق لمشاكل البلاد. إضافة إلى ذلك، هناك باكستانيون أمثال صاحب الأعمال الخيرية عبد الستار إدهي ممن لا يملكون سمعة مورتنسون الحسنة وشهرته العالمية، ولكنهم قاموا بموارد أقل بتخليص مجتمعاتهم من الفقر وبناء مدارس أو صناعات صغيرة دون تدخل من مخلّص أجنبي.
لا شك هناك في أن مورتنسون غير مضطر لذكر أناس كهؤلاء في سرده. إلا أنه من الواجب إدراك أن القبول غير المُنتقد لقصته على أنها قصة إنقاذ باكستان يقترح بأنه ليس هناك أي بطل محلي اتخذ المبادرة لتحسين وضع أمته. يمكن لمحو وساطات كهذه، في أمة خرجت منذ فترة وجيزة من تحت نير الاستعمار أن تشكّل لعنة في مضمون تاريخي حيث البطل المحتفل به نادرا ما يكون من بينهم.
ليس القصد من هذا المقال انتقاد شجاعة وصدق رجل اختار تحقيق وعد قطعه على سكان قرية نائية لم تكن تملك سوى القليل من الأمل، أو الاستخفاف بها. الهدف، بدلا من ذلك هو تشجيع هؤلاء الغربيين الذين شربوا ثلاثة فناجين من الشاي في مواجهتهم في باكستان على المشاركة، ربما، في فناجين أخرى. الرسالة بالنسبة للباكستانيين، وبالذات الباكستانيين الأميركيين، هو أن نعلم أنه رغم سعادتنا الغامرة بقدر قليل من التفاهم والتفهم، نستطيع أن نأمل بالمزيد، وأنه يتوجب علينا أن نبجّل أبطالنا الذين لا يتمتعون بشهرة واسعة، تماما كما نبجّل غريغ مورتنسون.
* محامية مركزها الولايات المتحدة تدرّس القانون الدستوري وفلسفة السياسة، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2763 - الثلثاء 30 مارس 2010م الموافق 14 ربيع الثاني 1431هـ