العدد 2761 - الأحد 28 مارس 2010م الموافق 12 ربيع الثاني 1431هـ

الدول العربية بين الجامعة والاتحاد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اقتراح اليمن بإقامة اتحاد عربي يحتاج إلى قراءة إيجابية من جانب دول الجامعة العربية. فالمشروع الذي تقدمت به صنعاء قبل سنوات لابد أن يأخذ مكانه في مجال الدرس حتى تتبلور الفكرة في صيغة دستورية جاهزة للتنفيذ على مراحل.

فكرة الاتحاد العربي ليست قفزا في المجهول ولا خطوة ناقصة تتخطى الوقائع باتجاه مغامرة تحرق العقبات الزمنية، وإنما هي مشروع حل موضوعي يأخذ تجربة الجامعة في الاعتبار ويبني عليها لتأسيس هيكلية تعيد إنتاج العلاقات العربية وتطويرها على قاعدة المصلحة.

فكرة الجامعة بدأت في أربعينات القرن الماضي بسيطة وعفوية، وهي جاءت ردة فعل على فشل مشروع إحياء «الجامعة الإسلامية» بعد قرار كمال أتاتورك إلغاء الخلافة. فالجامعة العربية كانت بمثابة ذلك التعويض عن الحلم الكبير والضائع، وهي تشكلت في إطار زمني كانت خلاله معظم البلدان العربية تعيش في ظل الانتداب البريطاني - الفرنسي أو تخضع للاستعمار المباشر أو الهيمنة العسكرية والسياسية والثقافية الأوروبية.

لم تكن خطة الجامعة ناضجة دستوريا لأنها تأسست على مجموعة معطيات متواضعة فرضتها ظروف المنطقة والشروط العامة التي انتجتها بيئات دول كانت خارجة حديثا من تحت مظلة الانتداب أو الاستعمار ولا تمتلك تلك التجربة الغنية التي تساعد في تكوين رؤية قادرة على التكيف مع متغيرات الزمن.

ردة الفعل الأولى كانت إيجابية في توقيتها لأنها خففت من وقع الفشل ونجحت في نقل فكرة الجامعة من إطارها الديني إلى إطار سياسي اعتمد اللغة أساسا للاجتماع واللقاء. إلا أن التطور الذي حصل خلال العقود الستة الماضية ساهم في توليد حاجات أخذت تضغط على المجموعة العربية نتيجة نمو تطلعات بدأت تتجاوز منطق وحدة اللغة أو الرابطة الأخوية.

هذا التقدم الذاتي - الموضوعي يحتاج الآن إلى ردة فعل إيجابية ثانية تنقل فكرة الجامعة من طورها العفوي والبسيط إلى طور أعلى يستجيب للتحول في منظومة العلاقات العربية وما تقتضيه المتغيرات من برنامج يرفع درجة التضامن من المستوى الأفقي - الأخوي إلى المستوى العمودي - المصلحي.

تحديث العلاقات ونقلها من طور القبيلة - الخيمة إلى طور المصلحة - الاتحاد لا يعطل القواعد الأولى التي نهضت على أساسها فكرة الجامعة. فالمصلحة لا تلغي الأخوة، ومنظومة الاتحاد لا تكسر منطق اللغة ولا تحطم خريطة التعايش الجواري بين الدول العربية.

فكرة الاتحاد الهرمية ليست بالضرورة قهرية تخضع الصغير للكبير والضعيف للقوي والفقير للغني، وإنما هي خطوة هيكلية تلبي حاجة موضعية ناتجة أصلا عن نمو اقتصادات الدول وتطور طموحاتها باتجاه التوسع الإقليمي وما يتطلبه سوق الإقليم من هيئات قادرة على استيعاب المتغيرات الدولية.

المجموعة العربية على رغم الثغرات والمشكلات والهفوات والمشاحنات فرضت وجودها على الخريطة الإقليمية ولم تعد ذاك الرقم البسيط الذي يمكن للدول الكبرى أن تتجاوزه. والجامعة العربية التي تعاني من ضعف وخلل وتفاوت في قدرات الدول التي تتشكل منها، لاتزال تلعب دورها المعنوي في تكوين قاعدة الحد الأدنى للتلاقي والتخاطب. وهذه القاعدة البسيطة والعفوية يمكن الإفادة من تجربتها والبناء عليها للدخول في طور حضاري متقدم في منظومة علاقاته.

المنظومة الاتحادية قد تكون خطوة صعبة ولكنها باتت حاجة تلبي نمو المجموعة العربية وانتقالها من درجة متدنية في دائرة علاقاتها الاقتصادية إلى درجة أعلى تشرف على إدارة تداخل الأسواق وتعارضها. وهذا التداخل والتعارض يتطلب إعادة هندسة لمنظومة العلاقات الأخوية حتى تستطيع الأسواق الانتقال من الفوضى والتكرار والاستنساخ والتعايش إلى التنسيق والتبادل والتكامل.

فكرة التضامن العربي باتت بحاجة إلى تحديث وضخ مقترحات تجدد آليات الجامعة وقنواتها التي أخذت تتعرض للتآكل أو الصدأ. وتحديث الفكرة يتطلب قراءة التجربة الغنية في معطياتها لكشف ثغراتها والحد من نمطيتها التي لم تعد جاذبة في شكليتها للشعوب العربية الباحثة عن بديل يلبي مشاعرها ورغباتها.

اقتراح اليمن بإقامة اتحاد عربي يستحق المراجعة ويحتاج فعلا إلى نقاش جاد حتى لو اقتضى الأمر تخصيص دورة كاملة لبحث المشروع من كل جوانبه التقنية والفنية والهيكلية. إهمال الاقتراح أو تجاوزه أو تأجيله مسألة غير مفهومة ولا منطق لها لأنها ببساطة غير مقنعة. فالاتحاد العربي لا يعني إطلاقا تخطي حدود الدول التي ارتسمت معالمها في الخرائط الجغرافية والسياسية، وإنما خطوة تحديثية تمهد الطريق لإنتاج هيكلية دستورية متقدمة ترفع منظومة العلاقات العربية من المستوى الأفقي إلى العمودي... وبالتالي البدء في الانتقال من طور الرابطة الأخوية والتضامن اللغوي والتجاور أو التعايش القبلي إلى طور التكامل الاتحادي المؤسس على منطق الدولة وسياسة المصالح.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2761 - الأحد 28 مارس 2010م الموافق 12 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:15 م

      عبد علي عباس البصري

      كتب علي جبين القمه العربيه الفشل قبل انعقادها وذلك لاسباب/ اولا: عدم حضور اغلبيه الاعضاء .ثانيا : العجز التام عن اصدار قانون محكمه عربيه تقضي في الخلافات الحدوديه والسياسيه.ثالثا: افساح المجال للمعارضه العربيه للحضور في مؤتمرات الجامعه العربيه لكونهم عرب خير من انشاء الرابطه العربيه تضم ايران وتركيا وتشاد وهم دول غير عربيه والمثل البحراني يقول (عاجز عن نخيله راح انبت نخيل جاره)رابعا:تثقيف الشعوب العربيه علي الاهتمام بالديموقراطيه في المناهج التعليميه والصحف والمجلات وأن يقاتلو من اجل الديموقراط

اقرأ ايضاً