العدد 2758 - الخميس 25 مارس 2010م الموافق 09 ربيع الثاني 1431هـ

الافتقار إلى الماء يؤدي إلى التراجع الاقتصادي وعدم الاستقرار (1)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

غني عن القول إن المياه تستحق ولا شك الاهتمام الذي تلقاه اليوم. لأنها، وبطرق متعددة، تحدد كوكبنا الأزرق. فالماء عنصر حاسم في كل مسعى تقريبا من المساعي الإنسانية من زراعة وصناعة وطاقة. فهو كالهواء الذي نستنشقه حيوي بالنسبة لصحة الأفراد والمجتمعات. والماء يشكل، حرفيا ومجازيا، ينبوع الحياة على الأرض.

وطبيعي الآن أن يجلب الماء الخراب أيضا. فالفيضانات والجفاف تصيب الناس الآن بالكوارث أكثر مما تصيبهم كل الكوارث الطبيعية الأخرى مجتمعة. ويتسبب عدم الوصول الكافي إلى مصادر المياه والوسائل الصحية والنظافة في وفاة أكثر من 1.5 مليون طفل سنويا. وتبرز مشاكل المياه أكثر ما تبرز في الدول النامية، لكنها تؤثر على كل بلد على وجه الأرض. وهي تتجاوز الحدود السياسية. وقد تصبح المياه مع شحها المتزايد حافزا سياسيا للصراع بين البلدان وفي داخلها.

وإذ أتحدث إليكم اليوم، هناك أسرة شابة في نورث داكوتا مجتمعة تصلي معا داعية أن لا يفيض رد ريفر (النهر الأحمر) عن ضفتيه من جديد ويدمر بيتها. وهناك مزارع في جنوب الصين يدرك أنه لن يكون قادرا في أسوأ جفاف منذ 60 سنة على زراعة محاصيله في هذا الربيع، وأم قاطنة في إثيوبيا تحمل دلوا مملوءه بالماء لعائلتها وهي ترجو أن لا تتعرض لهجوم على الطريق.

إن مشاكل المياه هاجس ملح في كل يوم من أيام كل سنة للأفراد والمجتمعات والبلدان حول العالم.

وبما لمشاكل المياه اليوم من إلحاح، فإنها ستصبح أكثر أهمية في المستقبل القريب. ويتكهن الخبراء – وكثيرون منكم في هذا الجمهور خبراء – بأنه بحلول العام 2025، أي بعد 15 سنة فقط، سيكون نحو ثلثي بلدان العالم يعاني إجهادا مائيا. وستكون كثير من مصادر المياه العذبة معرضة للإجهاد بسبب تغير المناخ والنمو السكاني. وسيواجه 2.4 مليار نسمة شحا مطلقا وندرة في المياه – وهي نقطة يهدد عندها الافتقار إلى الماء التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

غير أن مشاكل المياه ليست سببا من أسباب التأزم التي لا يمكن تفاديها. فبتحديد السياسات السليمة والأولويات، وبالإرادة، استطاعت كثير من البلدان ذات المناخات الجافة إدارة مصادر المياه بشكل فعال. واستطاعت هذه الدول من خلال العمليات أن تحقق لشعوبها نتائج ملموسة وتشجع على التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز الاستقرار في مناطقها.

يعتبر الوصول إلى مصادر المياه النظيفة والحصول عليها مسألة أمن إنساني. ولذا يدرك الرئيس أوباما وأنا، أن قضايا الماء متممة لنجاح الكثير من المبادرات الرئيسية لسياستنا الخارجية.

تستثمر الولايات المتحدة بسخاء في مكافحة الأمراض التي يمكن الوقاية منها وفي تحسين معدل بقاء الأطفال على قيد الحياة من خلال مبادرتنا الصحية العالمية. فزيادة الحصول على ماء الشرب المأمون والوسائل الصحية والنظافة ستساعد في إنقاذ الأرواح التي تفقد الآن بسبب أمراض يمكن تفاديها.

يخصص سبعون في المئة من مياه العالم لأغراض الزراعة، ولذا تعتمد نتيجة عملنا لتعزيز الأمن الغذائي عالميا في جزء منها على وجود سياسة مائية ناجحة وإدارة سليمة للمياه. فالفيضانات والجفاف يمكن أن تقضي على المحاصيل وتدمر الاقتصادات التي تعتمد على الزراعة.

ونحن نعمل أيضا على تمكين النساء حول العالم من حقوقهن لأن النساء، باعتبار القارة التي نتحدث عنها، يشكلن 60 في المئة من المزارعين. وعلاوة على ذلك، فإن النساء اللواتي تتيسر لهن الوسائل الصحية والمتحررات من أعباء المشي على الأقدام ساعات طويلة كل يوم بحثا عن الماء وحمله سيجدن من الأسهل عليهن استثمار أوقاتهن وطاقاتهن في شئون أسرهن ومجتمعاتهن.

ثم أن استقرار الحكومات الفتية في أفغانستان والعراق وفي دول أخرى إنما يعتمد في جزء منه على قدرتها في توفير الوصول والحصول على الماء والوسائل الصحية. ونحن نعلم أن الافتقار إلى الماء ووسائل الحفاظ على الصحة والري يؤدي إلى تراجع اقتصادي وقد يؤدي حتى إلى القلاقل وعدم الاستقرار.

والجدّية في معالجة مشكلة تغير المناخ والتكيف معه جزء من الجدية في معالجة قضية المياه. فمع احترار الجو المحيط بالأرض تتغير أنماط هطول الأمطار جالبة أنماطا جديدة من الجفاف والفيضان. ولذا نحن بحاجة إلى أن نستبق هذه المشكلة.

والتعاطي الناجح مع قضية المياه يمكن أن يؤثر أيضا على نظرة العالم إلينا. فنحن نخصص وقتا طويلا للعمل في معالجة مشاكل كالإرهاب والسيطرة على الأسلحة ومنع الانتشار النووي.

واضح أن هذه مواضيع مهمة تستحق اهتمامنا. لكنها في الواقع ليست مشاكل يتعاطى معها معظم الناس على أساس يومي.

أما المياه فمسألة مختلفة. فعندما ندلل على اهتمامنا بالقضية، نكون قد خاطبنا الأفراد على مستوى مختلف كليا. فكل فرد يعرف بنفسه الشعور بالعطش. وكلنا لنا تجارب شخصية يومية يمكن أن نفكر بعلاقتنا بها حتى وإن اختلفت طبيعة وأحجام تلك التجارب اختلافا كبيرا. وتعتمد قدرتنا على تلبية حاجتنا من الماء على مكان وجودنا وظروفنا. لكن الحصول على مصدر مأمون ومستدام للماء كضرورة بيولوجية أحيائية يشكل أولوية لكل إنسان على هذا الكوكب.

يشكل الماء في الولايات المتحدة إحدى أعظم الفرص الدبلوماسية والتنموية في زماننا. فليس في كل يوم يجد المرء قضية تسمح له فيها الدبلوماسية الفعالة بإنقاذ ملايين الأرواح وإطعام الجياع وتمكين النساء من حقوقهن ودفع عجلة مصالح أمننا الوطني وحماية البيئة والتدليل لملايين الناس على أن الولايات المتحدة تولي اهتماما بهم وبمياههم. فالماء هو القضية.

ندرك الآن أن هذه مشكلة أكبر من أن تواجهها الولايات المتحدة – أو أي دولة أخرى – وحدها. فحتى لو تم توجيه كل مساعدات التنمية العالمية نحو الجهود المائية والصحية، ستكون الموارد المتوفرة غير كافية لتلبية احتياجات البلدان النامية. لذا نحن بحاجة إلى العمل معا لدعم جهود الدول الأخرى والمجتمع الدولي والشركاء في القطاعات غير الربحية والخاصة. واليوم أريد أن أتحدث عن خمس قنوات للعمل تشكل أسلوبنا في التعاطي مع قضايا المياه.

أولا، نحن بحاجة إلى بناء الإمكانيات على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية. وعلى البلدان والمجتمعات أن تقود وتكون في الصدارة بالنسبة لتأمين مستقبلها المائي الخاص. وفي المناطق التي لنا فيها، على وجه الخصوص، شركاء جادون ملتزمون يجب علينا أن نعمل على زيادة قدرتهم على معالجة مشاكل المياه.

فنحن نبحث عن الوسائل التي تمكننا من العمل مع شركائنا الدوليين لدعم التنمية وتنفيذ المشاريع المائية والصحية.

وتعمل مؤسسة التحدي الألفية على دعم البلدان الملتزمة بإجراء الإصلاحات اللازمة وتحسين الحكم الرشيد ومعالجة مشاكل التنمية الصعبة التي تحيط بقضية المياه. وتعمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على المستوى الشعبي الأساسي ومع وزراء الحكومات الوطنية لتحسين الحكم الرشيد وبناء الإمكانيات.

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 2758 - الخميس 25 مارس 2010م الموافق 09 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً