العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ

تكوين المعلمين: مقاربة خارج الطقوس

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«تكوين المعلمين في العالم العربي» هو الكتاب الصادر عن «دار الفكر اللبنانية - 2010» للتربوي «نخله وهبه»، والذي يشير فيه إلى أن مقاربته للتكوين جاءت خارج الطقوس السائدة ومظاهرها. فهل حقا جاءت المقاربة خارجة عن الطقوس؟

«تكوين المعلمين في العالم العربي» هو الكتاب الصادر عن «دار الفكر اللبنانية - 2010» للتربوي «نخله وهبه»، والذي يشير فيه إلى أن مقاربته للتكوين جاءت خارج الطقوس السائدة ومظاهرها. فهل حقا جاءت المقاربة خارجة عن الطقوس؟

يبدو الأمر كذلك، من خلال ما يكشفه عن مستور «مؤسسات التكوين» وما طرأ عليها من متغيرات واقتحمها من مفاهيم تأرجحت بين مضامينها وبين الواقع المتحرك الذي تعمل فيه. ففي المتن أربعة فصول ازدحمت بمناقشة مسهبة وتحليل لمفهوم التكوين ومقاربته لأزمات ما قبل تكوين المعلّمين وقضايا تكوينهم وحالتهم الذهنية بعد التخرج. لا شك أن التوطئة حاذت عن الطقوسية، إذ تضمنت دعوة صريحة إلى قراءة النص قراءة بلا عقد، لِمَ لا والبحث اتكأ على انطباعات المؤلف الذاتيّة المتسمة بالفضول الناقد حين يعاين الحالات المتكرّرة الحدوث، إضافة إلى خبرته الممتدة داخل النظام التعليميّ العربي، مشيرا إلى أن هذه الانطباعات، ربما تكون مثار جدل عند المتمسكين بتقاليد المنهجيّة الجامعيّة الكلاسيكية الجامدة كأداة لقراءة الواقع، مشددا على أن تلك المنهجيّة قد تبدو علميّة في ظاهرها لكنها في الواقع غير ذلك تماما، لماذا؟ لأنها كما وضح طبقت على معطيات غير صحيحة وهدفت إلى تلميع صورة المؤسّسة أو النظام أو تقديم خدمة مفصلة تحت الطلب فأعطت في ضوء ذلك نتائج مغلوطة.


مهارة القراءة

يسعى المؤلف إلى إقناع القارئ، بأهمية مهارة القراءة في «تكوين المعلّمين»، إذ يجد أنه من الصعب مباشرة أفعال التكوين قبل ضمانة أهليّة المكوَّن والطالب - المعلم للقراءة المرنة، فالقراءة برأيه ليست مهارة نفس حركيّة، بقدر ما هي استعداد فكري ومرونة ذهنيّة، إذ لن يجيد القراءة من يكون انتقائيا يقبل ببعض أشكال الكتابة ويرفض بعضها الآخر، أو من لا يتحمّل إلا الفكر المصاغ بقوالب محدّدة مسبقا.

بمعنى القراءة تتطلب فضاء من الحرية والانفتاح على الآخر، كما لا يمكن تفتيتها وعزل أنماطها «المعرفيّة والتذوقيّة والترفيهيّة» عن بعضها البعض، ومنه يقول: «لا يجب إيهام المتعلمين التربويين بحصر قراءة النصوص التي تتعامل المدرسة بها وعزلها عن النصوص الحاملة للفكر على أنواعه».

يستطرد المجادلة في الفصل الأول حول نوع القراءة التي تنطلق من مقاييس البحث الأكاديمي، فيجد قارئها ينصب نفسه ممثلا للسلطة الأكاديميّة وحارسا للبحث العلمي أثناء قراءته للنّص ومحاكمته، استنادا إلى ما يمتلك من معارف مدرسيّة أو جامعيّة نظريّة تجّمدت، وعليه يفند مزاعم نسب الإجماع كضمانة «الصحّة بالأكثرية»، وخصوصا عند غياب مرونة التفسير والميل إلى اصطياد الانحرافات، بيد أنه لا يجرم البحوث الإحصائية ومؤشرات أكثريتها إنما يجد أن مؤشر نسب الأقلية أهل هو الآخر بالتفكير به والتوقف عنده، لاسيما وبعض البيانات الإحصائية التربوية العربية تعرض كأداة تلميع للواقع في عيون المواطنين أو في منشورات المنظمات الدوليّة، بهدف تحسين مواقع هذا البلد أو ذاك في حين أنها - أي البيانات - غالبا ما تكون غير متسقة ولا متطابقة، لذا فهو يدعو إلى تجاوز هاجس الدقة الرقمية حين التركيز على حركة عناصر «تكوين المعلمين».

يلفت المؤلف إلى أن القارئ في العالم الثالث ينتشي بقراءة النصّوص الحرّة المستقلة بقدر ما تحمل هذه النصوص فكرا لا يقرأ إلا سرا، لكنه يرتبك ويتعامل بحذر وريبة أمام المضمون البازغ من العدم غير معروف الأصل والمصدر، ذلك لأنه لم يُعوَّد منذ كان تلميذا على القراءة من أجل اكتشاف الجديد لأنه مختلف، والمختلف يعني الخروج عن المألوف، والأخير يثير الأسئلة والأسئلة تثير الشكوك فالخوف والحذر الذي يؤدي إلى الصمت، وعليه تتشوه وظيفة القراءة وتنمو بذور ظاهرة «الاستعراضية المعرفيّة» المتسللة عبر أيديولوجيا النقد المنهجي، إلى جانب ترسيخ النمط القرائي «ثقافة الاقتباس» التي تفضي باستعارة قول أو أقوال أحد المشاهير أو المؤلفين للبرهنة أنّ الفكرة التي يطرحها الكاتب تلتقي مع أفكارهم.


ماهية التكوين

أما مفهوم «التكوين» عنده فيعني تمليك الطالب (تجهيزه) بالمعارف النظريّة والمهارات وقواعد التفكير اللازمة للقيام بمهمّة محدّدة البدايات والخطوات والنهايات وحتى النتائج، و»التكوين» يستهدف إنتاج سلوك موصوف عند المتكوّنين تؤطّره معايير مهنيّة عامّة ومتّفق عليها، حيث تختلف صعوبته باختلاف طبيعة الكيان أو المادة التي يمارس عليها المتكوّن معرفته وتقنياّته بعد التخرج. و»تكوين المعلم» شمولي ومختلف وأكثر تعقيدا من التكوين عن سائر المهن، ذلك لأن سلوك المعلّمين المزمع إنتاجه غير قابل للوصف أو التحديد المسبق.

في إطار التفكير، يفيد نخله أنه لم يعد ممكنا اليوم التفكير والبحث في المواضيع التربوية بعامّة، وموضوع المعلّم وملامحه وكفاياته وأدائه وتكوينه بخاصة، دون أخذ الاعتبار للسياق السياسي والتربوي الذي تندرج فيه وضعية المعلّم، علاوة عن الضغوط الخفية للموروث الثقافي ومشاريع الإصلاح والتغيير التربوية التي جاءت مع متطلبات النظام العالمي الجديد ومعايير السوق التربوي الدولي والاستسلام التام إلى هجمة التكنولوجيا و»خصخصة التعليم»، أما كيف تتشكل أنماط «تكوين المعلّمين»، لديه؟ فهي تتحدد باختلاف العوامل الخارجية الضاغطة ومنها، توقعات أولياء الأمور وتأثير المال والميوعة التربوية التي تتجلى بإنتاج ممارسات تربوية ظرفية تناسب المزاد الشعبي أو الحكومي وتدليل المتعلم وشرعنة أساليب إرضاء الأهل على حساب أصالة التعليم وجدّية التقويم وصرامة شروط النجاح والتفوق والتميز، وتكليف المعلم للقيام بأدوار بعيدة عن مهمات التعليم أو إحداث التعلّم، وإحلال المدرسة مكان العائلة والمعلّم محل الأب والأم، فيكون القائد، الزعيم، الأخصائي النفسي والمرشد التربوي والموجه المهني والمشرف الاجتماعي والمستشار والصديق والأب والأخ والشريك... وأخيرا المعلّم في غرف المدرسة.

استنادا إلى المعطيات السابقة، ينطلق مجددا في مناقشة أزمات ما قبل التكوين المتمثلة في قناعات المعلّمين وخلفيتهم المكتسبة عبر التشريب من خلال المؤسسات النظامية وغير النظامية بصورة مباشرة أو خفية، إلى حالة «التباس الهوية في داخل النظام التعليمي» لدى مؤسسات تكوين المعلمين لكون الأخيرة ليست جزءا من التعلم العام ولا تتبع التعليم المهني، كما أن قطاع التكوين لا يقود خريجيه إلى المزيد من الدراسة الأكاديمية وإلى سوق العمل وهو لا ينتمي إلى قطاع التدريب، وبالتالي لم ينجح إلى الآن في فرض نفسه كاختصاص جامعي، كذلك عدم اتساق المعارف والمهارات التي يزود بها المعلمين - الطلبة مع متطلبات البيئة التي ستطبق فيها، إضافة إلى إعدادهم ليكونوا أداة لغسل الأدمغة، وهذا بالطبع غير مفصح عنه. حتما مقاربة خارجة عن المألوف والسائد!


ما هي قضايا التكوين؟

المؤلف شذ عن التقليد من ناحية متصلة، حين عرض «قضايا التكوين» وأهمها، اهتزاز صورة المعلّم في المجتمع بسبب تحويل قوة عمله إلى سلعة في سوق الخدمات الشعبية «الدروس الخصوصية»، يحملها «كبائع متجول» بالمفرق أو يؤمن خدمة توصيلها إلى المنازل خلال الإجازات وفترات ما بعد الدوام وأثناء موسم الامتحانات فيرتهن بذلك «لولي الأمر»، لذا تلطخت سمعته وسحبت منه أدنى مكوّنات الاحترافية. يضاف إلى تلك القضايا غياب المشروع الوطني «لتكوين المعلّمين في العالم العربي»، الذي يحمل رؤية شاملة متكاملة تصلح لتكون مرجعية أساسية لكافة صيغ تكوين المعلمين وتغطية كافة جوانب التكوين ومستلزماته المختلفة من تشريعات تربوية وإدارية ومالية، إلى جانب تحميل المدرسة أعباء العائلة وتسطيح دور المعلم وتفتيته وتشتيته بين التعليم والحراسة والمراقبة والإرشاد والعناية والرعاية والتوجيه والدعم والتشجيع والعقاب وإدارة الصف وإنجاز الأنشطة المجتمعية والصفية وخدمة المجتمع وتنظيم المعارض المدرسية وما إلى ذلك، وعليه طالب بتحرر المشروع الوطني من عقدة مسؤولية «قطاع التعليم» عن بطالة الخريجين، والنظر إلى مستجدات الساحة التربوية العالمية فيما يتعلق بالتدريس والتقويم وأثر التعليم بالمدارس الدولية الخاصة، على أن يصمم المشروع على مقاس ثقافة البلد والاتساق مع قدراته والانسجام مع سياساته والاستجابة لتطلعات وحاجات القطاع التعليمي فيه.

من القضايا أيضا، قضية توظيف المعلمين في المعارض «الدولية» التي وجدها تشييء المعلم وتحوله إلى مادّة «عرض» في سوق التوظيف، وفيها تسليع علني له وللتعامل معه وكأنه بضاعة معروضة للبيع، ومنه يخلص إلى أن العامل الاقتصادي لايزال حاسما في تأمين الشروط الأفضل لتحقيق جودة أعلى في حقلي التعلّم والتعليم، أما المفارقة فيجدها لكون مؤسسات التكوين العربية لاتزال تعمل على إعداد «المعلّم» كموظف حكومي غير معني بالمنافسة وبحاجات السوق ومتطلباته أو برغبات المؤسّسات التربويّة، فبعد دخوله فردوس الوظيفة الحكومية لا يحتاج إلى تطوير نفسه لأنّه أمن التسريح من الوظيفة، فلا تهتم بتدريب الطلبة على تحديث معارفهم ومقارباتهم وفكرهم بما يستجيب لحاجات السوق، ولا على تغيير العمل والمبادرة وعدم التسلح بالفكر الناقد وكفايات التفاوض والإقناع والتخطيط المهني وكيفية العمل كفريق، والتخطيط لرحلة دراسية وما إلى ذلك مما يرسم ملامح معلّم المستقبل القادر على البحث عن وظيفة كريمة له في مجال التعليم.

لا ريب أن ما يتناوله الكتاب استفزازي يهز القناعات ويحفز الدافعية لإعادة النظر إلى وضع «المعلّم» في مجتمعنا، المعلم الذي وصفه أمير الشعراء شوقي: «كاد المعلّم أن يكون رسولا». فهل شبيه الرسول أداة لغسل الأدمغة، جامد الفكر، محدود المعرفة وغير متجدد، يتجول ببضاعة «الدروس الخصوصية» ليؤمن توصيلها إلى المنازل ويرتهن لأولياء الأمور؟ الإجابة متروكة للمعلّمين بل لمؤسسات تكوينهم وللقائمين على النظام التعليمي برمته!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:32 ص

      برامج التمهين

      هذه البرامج هدر إن لم تكن سرقة للمال العام, مدرس عادي يدرس مدرس آخر , مجرد باب ميزانية يسمح بال....وبالوقت نفسه يتيح للوزارة إدعاء التطوير.

اقرأ ايضاً