تمثل دول مجلس التعاون الخليجي والصين قوتين صاعدتين ويعتمد صعود كل منهما على أسس مختلفة، ولكنه يمثل ركائز ثابتة. فصعود الصين قائم على التنمية الاقتصادية المعتمدة على مواردها البشرية والطبيعية وعلى تطورها العلمي والتكنولوجي، أما صعود دول مجلس التعاون الخليجي فيعتمد على مصادر الثروة الطبيعية، وخاصة النفط والغاز وخليط من العمالة الأجنبية والوطنية. ولكن في جميع الحالات فإن القوتين، مجلس التعاون الخليجي والصين، في صعود مع اختلاف الدرجة وبعض المظاهر. ولكن الملفت للنظر أن القوتين تشتركان في ثلاثة أمور: أولها، احتياج كل من الطرفين للآخر، فدول الخليج تحتاج لتصريف النفط والغاز، والصين تحتاج لشراء هذه المواد الضرورية للطاقة. والصين تحتاج للأسواق ودول الخليج لديها السوق. الثاني إن كلا من دول الخليج والصين لديها عامل مشترك وهو توافر رؤوس الأموال، وأن كان أسلوب الاستثمار مختلف بين دولها وبين قطاعاتها، وكذلك الصين لديها رؤوس أموال ضخمة متوافرة لا يتم استثمارها بالكامل في الصين، وهناك تفاوت بين مناطق وأقاليم الصين في مستوى النمو، ولعل ذلك يعكس طبيعة الاقتصادي الدولي المعولم والمتداخل بين الدول كافة. ومن هنا تبرز حاجة دول الخليج أو بعضها في استقطاب رؤوس الأموال الصينية للاستثمار لديها، وحاجة بعض مناطق الصين في اجتذاب رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار في مناطق الصين الداخلية، وبخاصة إقليم ننغشيا، وهو إقليم على بداية طريق الحرير في الداخل الصيني وبه أغلبية مسلمة، ويشارك الكثير من رجال الأعمال في هذا الإقليم في منتدى الأعمال الصيني الخليجي، وحرصوا في مداخلاتهم على إبراز كونهم مسلمين، وكونهم في حاجة لأموال للاستثمار في إقليمهم، وكونهم لديهم جميع مقومات النمو والتنمية، وأنهم يتطلعون لاستثمارات خليجية في إقليمهم.
والعامل الثالث إن كلا من الصين ودول الخليج ترتبطان ارتباطا وثيقا مع الولايات المتحدة في علاقة من المودة والقلق والتوتر. المودة نابعة من تداخل المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية، والقلق وبعض التوتر من اختلاف المواقف بالنسبة لبعض القضايا فدول الخليج مثل الدول العربية الأخرى لا تتفق مع السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل، والصين لا تتفق مع أميركا في سياستها تجاه تايوان والتبت. ودول الخليج والصين تجمعها، إلى حد ما، عناصر مشتركة بالنسبة لضرورة الحل السلمي للملف النووي الإيراني، والأخذ في الاعتبار مراحل التطور، واحتياجات المجتمعات لاستخدام الطاقة الأحفورية، والحد الحذر من الانبعاثات الحرارية، وإن المسئولية الأولى في هذا الصدد على الدول المتقدمة وليس الدول النامية، التي هي في حاجة للوفاء بالحد الأدنى من احتياجات شعوبها، وكذلك تتفق الصين والدول الخليجية في رفض المفهوم الغربي لحقوق الإنسان، واتخاذ الدول الغربية ذلك ذريعة في التدخل في الشئون الداخلية للدول.
وفي هذا السياق الاستراتيجي لعلاقات الطرفين أي الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، يأتي انعقاد منتدى الأعمال الخليجي الصيني في المنامة، عاصمة البحرين، ليعبر عن ثلاث حقائق:
أولها: الرغبة المشتركة للصين ودول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز وتطوير علاقاتهما. ثانيها: وجود نقص في المعلومات لدى كل طرف عن الطرف الأخر. وثالثها عدم الإدراك الكافي لدى كل طرف لمقومات التعامل، والتفاوض مع الطرف الآخر، بعبارة أخرى عدم فهم قواعد التفاوض العربي لدى الصين، وعدم فهم قواعد التفاوض الصيني لدى العرب.
وبناء على ذلك فإن هذا المنتدى سوف يسد فراغا علميا وسياسيا وعمليا في علاقات المجتمعات ورجال الأعمال، بل والمثقفين والسياسيين بعضهم بعضا، ولعل اختيار البحرين لتكون هي مكان انعقاد الملتقى يبشر بخير لتوجهات البحرين نحو تنويع مصادر نشاطها الاقتصادي ودخلها، وفي تعزيز دورها كدولة خليجية لديها انفتاحا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وفي تعزيز توجهاتها نحو اقتصاد الخدمات، والتي منها عقد المؤتمرات الدولية، وخاصة في ظل اتجاه البحرين لتعويض النقص في إمكانياتها النفطية بمصادر نشاط أخر أهمها في تقديري قطاع الخدمات المتمثل في السياحة والمصارف بما فيها المصارف الإسلامية.
ولقد برز في مداخلات الوفود من الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في هذا المنتدى ثلاثة أمور: أولها: إن كل طرف يسعى لتسويق سلعته لدى الطرف الآخر، وهذا موقف إيجابي ويعبر عن حقيقة المؤتمر، كمؤتمر لرجال الأعمال ومن ثم ابتعدت كلمات الوفود عن العبارات والمواقف العامة كما ابتعدت عن المداخلات السياسية والإنشائية. ثانيها: إن بعض الوفود عرضت لأطر عامة للتعاون بالقول إننا في حاجة للاستثمار، ويمكن تقديم التسهيلات أو أننا نسعى لزيادة حجم التجارة إلى أكثر من مئة مليار دولار وهو الرقم الحالي لحجم تجارة الطرفين العام 2009 رغم وجود تضارب في الأرقام بين المتداخلين ومعظمها، لم يشر سوى لإحصاءات العام 2008. وثالثها: اهتمام القيادة الرشيدة باستقبال رؤساء الوفود من الصين ودول الخليج، وقد استقبلهم صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بل إن المؤتمر بأسره برعاية كريمة من سموه، وهذا يدل على حرص البحرين على تطوير علاقاتها الدولية بالاتجاه نحو الشرق وخاصة نحو الصين القوة الصاعدة الرئيسة في العالم المعاصر.
بقى أن نشير إلى أمرين، الأول أن إقليم ننغشيا Ningtia كما سبق الإشارة إقليم به أغلبية مسلمة، والمسلمون في ننغشيا يختلفون عن المسلمين في إقليم سينكيانج، فالمسلمون في ننغشيا هم مسلمون صينيون في ملامحهم وسلوكهم، لأنهم إما من أصول صينية اعتنقت الإسلام، أو من الزواج المختلط بين مسلمين عرب وإيرانيين عبر العصور وبين صينيين، ويطلق عليهم اسم «خوى» وهم يمثلون أغلبية المسلمين في الصين في المناطق الأخرى، وهم أكثر اندماجا في المجتمع الصيني، وتغلغلا في الحضارة الصينية، وفي أجهزة الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي والثقافي، وليست لديهم اتجاهات متطرفة أو متشددة. ولكنهم في حاجة للتعاون الاقتصادي والثقافي مع الدول العربية، وبخاصة دول الخليج التي لديها رؤوس أموال تبحث عن منافذ للاستثمار، وهو استثمار مجز اقتصاديا وسياسيا. الصين بدورها تهتم بتطوير مناطقها الداخلية في إطار خطتها التي بدأت منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وهذه تشمل مناطق ننغشيا وغيرها من الأقاليم الغربية لأن التقدم الصيني قام في البداية على المناطق الشرقية والجنوبية المواجهة جغرافيا لهونج كونج وتايوان وكوريا واليابان، وهي موانئ التصدير لسهولة تصدير إنتاجها، ولكن الآن تتجه الصين لتنمية مناطق الدخل، وهذا يجعل المجال مفتوحا لمزيد من الاستثمارات العربية، ولكن لتحقيق ذلك فلابد أن تأخذ الصين في حسبانها ثلاث حقائق:
أولها: التراث الفكري والحضاري العربي وأثره في رغبة العرب في تحقيق عائد إيجابي وسريع، بمعنى سرعة عقد الصفقات، وأسلوب الصين القائم على الصبر الطويل، والتفاوض أربعة عشر عاما من أجل إنشاء مصفاة سعودية للنفط ليس مناسبا للعقلية العربية.
الثاني: الأخذ في الحسبان أن الأعمال والتجارة والاستثمارات، وباختصار كافة التعاملات الاقتصادية تقوم على الأخذ والعطاء أو الكسب لجميع الأطراف، أما الكسب لطرف واحد فليس معقولا ولا مقبولا. والصين تجيد ذلك في تعاملاتها مع الغرب، والمفاوض الصيني معروف بأنه صعب المراس، ولكن هذا المنطق ينبغي أن يتلاءم مع الطبيعة العربية.
الثالث: أهمية مراعاة الصين للحساسيات العربية بالنسبة لبعض الموضوعات السياسية الخاصة بمنطقة الخليج العربي أو القضية الفلسطينية وبخاصة القدس، كما ينبغي على العرب مراعاة حساسيات الصين بالنسبة لتايوان والتبت وسينكيانج، وهكذا يمكن أن يحرص كل طرف على مراعاة مصالح الطرف الآخر، واهتماماته وأولوياته السياسية. فليس هناك تجارة بلا سياسة ولا أعمال بلا سياسة، والفصل بين الاثنين أمر صعب رغم أن الصين ترفع شعار الفصل بين السياسة والاقتصاد فأنها تطبقه انتقائيا وبمرونة، وربما يحتاج الطرفان لمكاتب استشارية سياسية من مواطني الطرفين على غرار المكاتب الاستشارية السياسية في الدول الغربية ولكن ليس مكاتب استشارية سياسية غربية، فكل يعرف مصالحه وأدرى بشعابه، كما يقول المثل العربي «أهل مكة أدى بشعابها».
تلك تأملات وملاحظات حول منتدى الأعمال الصيني الخليجي الذي هو المنتدى الثاني، إذ سبق وعقد المنتدى الأول في مدينة سينيا في إقليم هاينان في بحر الصين الجنوبي، وهي من أوائل مناطق الصين التي تعاملت مع الإسلام عبر التجارة، وبها كثرة من المسلمين المتمسكين بأمور دينهم والذين يجيدون اللغة العربية. فهل تتحقق تطلعات رجال أعمال ننغشيا في استثمارات خليجية، نأمل ذلك.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ