تسلم الكاتب والمترجم السوري نبيل الحفار (الجمعة (19 مارس/ آذار الجاري) جائزة الترجمة من الألمانية إلى العربية، التي يمنحها معهد غوته للمرة الأولى على هامش معرض لايبزيغ للكتاب. وكان الحفار فاز بهذه الجائزة من خلال ترجمة أحد فصول رواية الكاتبة الألمانية الشابة جيني إيربنبيك. ووقع اختياره على هذه الرواية بمحض الصدفة. وكان التقى بالكاتبة خلال أمسية نظمها لها معهد غوته بدمشق، إذ أهدته نسخة من روايتها الجديدة التي أعلن عنها في وسائل الإعلام العربية تحت عنوان «ضربة القدر». اللقاء بالكاتبة الشابة، ابنة المترجمة الراحلة دوريس كيلياس، لم يكن السبب الوحيد الذي دفع نبيل الحفار إلى اختيار روايتها الجديدة ليخوض بها مسابقة الترجمة؛ إذ وجد الحفار أن رواية إيربنبيك «ذات أهمية كبيرة على صعيد تقنية الكتابة الروائية» وأنها «تتمتع بلغة فريدة من نوعها».
لكن الحفار يجد عنوان «ضربة القدر» ليس مناسبا لأن الكاتبة، كما يقول، تتحدث بصورة مجازية عما جرى لألمانيا خلال قرن من الزمان من خلال قطعة أرض على بحيرة، تتناوب عليها مجموعة كبيرة من السكان، يأتون ويسعدون، لكن السعادة لا تدوم نتيجة الظروف المحيطة بألمانيا منذ مطلع القرن وحتى أواخره. انطلاقا من هذا المحتوى اقترح نبيل الحفار للترجمة العربية عنوان «النكبة»، معللا ذلك بأن الكاتبة لا تتحدث عن قوى غيبية تتحكم في مصائر البشر «إنما تبين أن البشر هم المسئولون عما يفعلونه بأيديهم». والنكبة التي تصورها الكاتبة تتمثل في «أن يكون لك وطن، أو تظن أن عندك وطن، ومن ثم تفقده فجأة».
ومن أسباب ذلك كما يقول نبيل الحفار هو أن «مردود الترجمة في البلدان العربية ضئيل جدا ولا يقيم الأود». وعلى الرغم من بعض المشاريع المدعومة من قبل معهد غوته فإن شروط اختيار الكتب التي يراد ترجمتها تكبل يد المترجم. ويضيف الحفار قائلا «إنهم يضعون لنا شروطا تعجيزية، إذ لا يجوز أن نترجم إلا ما هو حديث جدا في الأدب الألماني».
وكان من شروط الاشتراك في المسابقة التي أطلقها معهد غوته في مصر ألاّ يتجاوز عمر الرواية المختارة للترجمة الخمس سنوات، وأن يكون موضوعها مهما بالنسبة إلى القارئ العربي. وموضوع رواية جيني إيربنبيك، التي اختارها نبيل الحفار، يهم القارئ العربي لأنه، كما يقول، يعالج مفهوم الوطن.
إضافة إلى الشروط التي توضع على ترجمة كتب معينة، تسود في سوق الكتب العربية أوضاع غير مشجعة، فالروايات التي تلاقي رواجا كبيرا في السوق العربية لا يعاد طبعها كما يقول الحفار فـ «الطلب كبير والعرض قليل». ويذكر مثالا على ذلك رواية «لعبة الكريات الزجاجية» التي ترجمها مصطفى ماهر قبل 25 سنة ونفذت من السوق وليس هناك طبعة جديدة لها. هذا على الرغم من أن معظم ما ترجم من الألمانية إلى العربية كان له أصداء جيدة جدا؛ فرواية العطر لباتريك سوزكند مثلا، والتي قام نبيل الحفار بنقلها إلى العربية، مازالت تلقى حتى الآن أصداء كبيرة. وكان لها، كما يقول الحفار، تأثير على الكتابة الروائية العربية وخاصة في العراق ولبنان.
وتبذل المؤسسات الثقافية الألمانية جهودا متزايدة لتنشيط حركة ترجمة المؤلفات الألمانية إلى العربية. فإلى جانب جائزة الترجمة، التي أطلقها معهد غوته في مصر، ينفذ المعهد حاليا برنامجا لترجمة كتب الأطفال من الألمانية إلى العربية، كما تقول المسئولة عن الإعلام في معهد غوته بالقاهرة أوته رايمر، في حديث لدويتشه فيله. وتضيف «لقد ترجمنا 16 كتابا إلى العربية ونحن بصدد ترجمة تسعة كتب أخرى».
وقد أطلق معهد غوته في القاهرة مبادرة جديدة تحت عنوان «كتبنا» توزع في إطارها كتيبات على ناشرين في العالم العربي فيها ملخص عن محتوى الكتب. وتضيف أوته رايمر بأنه تم اختيار هذه العناوين «بعد أن استعان معهد غوته بخبراء ألمان مطلعين على تطورات العالم العربي».
وساهم معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في تنشيط حركة الترجمة إلى العربية كما يقول مدير دار ميريت للنشر في القاهرة محمد هاشم. ويضيف هاشم، في حديث لدويتشه فيله، بأن المعرض «لعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر والمساعدة في شراء الحقوق». أما اختيار الكتب فيتم، حسب هاشم، بالتشاور بين دور النشر والجهات التي تساعد على شراء الحقوق وبين المترجمين العرب الذين يقيم معظمهم في ألمانيا. ويعبر صاحب ميريت عن رضاه عن أرقام مبيعات الأدب الألماني المترجم، فـ «الأعمال التي نشرناها حققت مبيعات عالية». ويذكر هاشم منها رواية «عازفة البيانو» للكاتبة النمساوية الحاصلة على جائزة نوبل للأدب 2004 إلفريده يلينيك، ترجمة سمير جريس، و»اثنا عشر غرام سعادة» للكاتب الألماني التركي الأصل فيريدون زايموغلو، ترجمة أحمد فاروق.
لكن تسويق الكتب مايزال يصطدم ببعض الصعوبات. فحسب محمد هاشم لا تصل الكتب التي تترجم إلى كل قارئ في العالم العربي «لأن التسويق سيئ جدا». ويوضح الناشر المصري ذلك من خلال الإشارة إلى صعوبة شراء كتب في أبو ظبي صدرت في القاهرة، أو شراء كتب في القاهرة صدرت في بيروت. لهذا تبقى المعارض التي تقام في شتى الأماكن المهمة الأسواق الرئيسية لبيع الكتب.
أما منشورات الجمل فكانت لها تجربة أخرى أوسع نطاقا مع نقل الأعمال الأدبية الألمانية إلى العربية. فالدار تأسست في مدينة كولونيا الألمانية العام 1983 وكانت على اتصال مباشر بالحركة الأدبية الألمانية. وكما يقول صاحب دار الجمل الشاعر خالد المعالي، في حديث لدويتشه فيله، فإن الدار «نشرت وترجمت أكثر من مئة عنوان أدبي وفلسفي واجتماعي من الألمانية إلى العربية، كتبها كتاب أحياء وأموات ومتخصصون بالثقافة الشرقية والفلاسفة من أمثال فريدريك نيتشه وغونتر غراس».
ويتحدث خالد المعالي عن ازدياد الاهتمام بترجمة الأعمال الفكرية والأدبية الألمانية، لكن اهتمام القارئ العربي بهذه الأعمال متفاوت ومثير للمفاجأة حسب الناشر العراقي. ويضيف المعالي بأن «كتب غونتر غراس أو كريستا فولف، مثلا، لا تحظى بالاهتمام الذي حظيت به أعمال ألمانية كلاسيكية وأخرى غير كلاسيكية مثل أعمال سوسكند». وفي الوقت نفسه يشير المعالي إلى أن الأعمال الفكرية الألمانية سواء كتبها فلاسفة وعلماء اجتماع أو مستشرقون ألمان تحظى باهتمام كبير قياسا بالأعمال الأدبية.
العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ