قصار ومعناه في العرف الدارج لدى البحارة (صخرة بحرية غير مستوية ذات لون بني ويميل بعضها إلى اللون الأسود، وتختلف القصاصير في أحجامها بحسب موضعها البحري، وتعتبر موضع أمان للبيئة البحرية التي تتكاثر فيها الأسماك), يقع القصار في منطقة الشريط الضحل الممتد للساحل الشمالي الشرقي لجزيرة المحرق (سماهيج التاريخية) ذات الصخور والأعشاب المرجانية وبالتحديد في الشرق من أطراف ساحل سماهيج الشرقية وفي الجهة الشمالية الشرقية من ساحل قلالي ومساحته تقدر من 40 إلى 50 قدما على شكل دائري يشبه الجزيرة الصغيرة ويرى بالعين المجردة من على رمال الساحل كأنه مرتفع جبلي بلونه المائل إلى السواد في حالة الجزر وفي حالة المد يظهر ارتفاعه في حدود القدمين أو أكثر، وفي بعض الأحيان في ماية الشوع في أوائل ومنتصف الشهر القمري يتغطى سطحه بالكامل, وكثيرا ما يشاهد على سطحه من بعيد حلقات من الطيور البحرية (اللوه) وهو يعتبر مأوى لها ومسكنها الدائم, والقصار بحد ذاته يعتبر بيئة صالحة ومحمية للأسماك والحيوانات البحرية للتكاثر, وهو من ضمن أشهر القصاصير الثلاثة المعروفة المحيطة بالجزيرة (خصيفة وأبو شاهين) وفي موقع متوسط بينهم في الساحل الشمال الشرقي, ويلاحظ موقع القصار في الخرائط الجغرافية السابقة والقديمة لأرخبيل البحرين تحت مسمى قصار جردي أو جرذى بحرف (الذال) أما تسميته عند الأهالي كانت معروفة ومقتصرة على كلمة (القصار) بلفظ الكاف وقد جاءت تسميته في بعض المصادر تحت وصف جزيرة, ويصفها الكاتب الإنجليزي لومير على أنها جزيرة صغيرة (جزيرة صغيرة على الشاطئ المرجاني, على بعد ميل واحد عن شمال شرق قلالي) (1) وفي الجهات الشمالية والشرقية والغربية لموقع القصار توجد العديد من المصائد البحرية (الحظور والمساكر) لأهالي قريتي سماهيج وقلالي، ويعتبر السطح المحاذي للقصار غنيا بالحشائش البحرية (محشة) التي تغذي الأسماك والحيوانات البحرية وفي هذه المنطقة في حالة الجزر يأتي الكثير من البحارة لاستحصال هذا الطعم المسمى (الحشيش) وهو يعتبر من أفضل الحشائش في المنطقة ذات النوعية والجودة الجيدة لصيد الأسماك وبالقرب من القصار يوجد مورد مائي من جوف الأرض المسمى كوكب ينبوع ماء (جوجب) شرب منه الأهالي كما يذكر ذلك صاحب التحفة النبهانية «وشربهم من ينبوع في البحر يسمى (جرذي)» (2) وصاحب كتاب عقد الآل (وشرب أهلها من ينبوع البحر يسمى جرذى) (3) ويصف كذلك لوريمر (وبجانبه ينبوعان عذبان في البحر يعلو سطح الجزيرة قدمين عن سطح البحر). (4) إلا أن كبار السن وبحارة المنطقة يرون أن هناك ثلاثة ينابيع شاهدوها رأي العين وشربوا منها وهي أكثر غزارة وتدفقا للماء من الكواكب القريبة من الساحل بحسب ما يذكرون .
لبعد القصار تقريبا عن مساكن الأهالي في الساحل الشمال الشرقي وإحاطته بالماء من كل جانب لابد أن بعد المسافة ووحشة الطريق وظلمة الليل الحالك تجعل إنسان هذه المنطقة يتصور الكثير في مخيلته وتتحول إلى فكره مما يؤدي إلى انعكاس ذلك الشعور إلى حقيقة أو ربما عقيدة يؤمن بها ويمارسها في طقوسه الدينية كما هو الحال في الديانات القديمة التي مرت على أهل البحرين ما قبل الميلاد في حضارة دلمون وخصوصا هذه المنطقة من جزيرة المحرق (سماهيج التاريخية) لذلك ارتبطت بظاهرة المياه الجوفية (الكواكب) وبموقع القصار الكثير من الروايات ذات الطابع الأسطوري لشخصيات خيالية ووهمية مخيفة تسكنها وتحرسها, وإلى وقت قريب كان البعض يخشى الذهاب إليه ليلا تحاشيا لوقوع المحذور.
ويعتقد الكثير من كبار السن بقرية سماهيج نقلا عن آبائهم أن منطقة القصار كانت جزءا من بلدة مأهولة هي امتداد للشريط البحري الضحل لرأس الحد ونهايته عند العين المعروفة عين (جلب) في الشمال وموقعها حاليا جزر أمواج الصناعية, وكذلك يروي البحارة وكبار السن أن القصار بحجمه في السنوات الأخيرة كان أكبر بكثير من حجمه قبل دفنه ويذكرون أن فيه مسجدا في الزمان الماضي قد اندثر وبالإشارة إلى هذه الرواية ربما يكون هو المقصود من الحطام الذي ذكره لومير في وصفه للقصار (فيها حطام منزل) (5)
تعتبر المصائد البحرية (الحظور والمساكر) والمحشات والسطح والشعاب والصخور المرجانية مظهرا من المظاهر الملفتة للنظر من أمام موقع سطح القصار وإذا كانت تلك من أفضل المظاهر للقصار فإن القصار هو أحد أبرز المعالم الساحلية للساحل الشمالي الشرقي للجزيرة, والقصار بوصفه جزيرة وبيئة ومحمية تتكاثر من حولها الأسماك فإن القصار بموقعه كان معلما سياحيا لأهالي المنطقة يرتادونه باستمرار في جولاتهم ورحلاتهم الأسبوعية الساحلية للاستجمام والراحة والتنزه والكشتة فكان الأهالي يذهبون إليه من ساحل سماهيج مشيا على الأقدام وبأيديهم أمتعتهم وطعامهم وهناك من يأتيه قبل فترة من حالة الجزر بالقارب ومعه عدة الرحلة والتنزه فيفرشون أمتعتهم فوق القصار ويجلسون ويأكلون في ذلك الهواء العليل, ويقومون بجولات تفقديه من حوله وبأيديهم الكاميرا الفوتغرافية لأخذ الصور التذكارية, إلا أن الظاهرة الاجتماعية الأبرز والتي تتكرر في كل عام هي الرحلات الجماعية إلى القصار في عيد الأضحى لرمي الأضحيات وهذه الظاهرة قد اعتاد عليها الأهالي منذ زمن بعيد وكذلك النذور والوعود لإقامة الولائم ودعوة الأهل والأصحاب لأكل الوليمة.
وفي الحقيقة إن القصار كان معلما سياحيا ومصيفا يرتاده الأهالي باستمرار لإنعاش النفس والذاكرة والاستمتاع بهواء البحر العليل بالدرجة الأولى وللتنزه واللعب والصيد بالدرجة الثانية، فقد شرب الأهالي من ينابيعه العذبة فكانت لهم أجمل الذكريات التي احتفظوا بها وأروع القصص والحكايات التي صاغوها ونقلوها للأجيال ولهذا فإن التراث الشعبي غني في ذاكرته عن هذا المعلم السياحي والمصيف الجميل, إلا أن الدفان والاستثمار المالي لبناء مشروع الجزر الصناعية كان له أسوأ الأثر في طمر وتغييب أحد أجمل المعالم المشهورة والبارزة في الساحل الشمال الشرقي للجزيرة.
__________
1-كتاب الخليج الجزء الرابع الجغرافي – ص (1605)
2-التحفة النبهانية –ص (44)
3-عقد الآل في تاريخ أوال – ص(44)
4-كتاب الخليج الجزء الرابع الجغرافي – ص (1605)
5-كتاب الخليج الجزء الرابع الجغرافي – ص (1605)
العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ