في معرض مع (التحية لحواء في جميع أنحاء العالم) والذي استضافته جمعية الفنون التشكيلية بالقدم، يقف الفنان مهدي البناي بين 41 عملا فنيا لينشد معزوفته بالطين، فقد احتوى المعرض على مزاوجة بين صورة المرأة والإيقاع وذلك عبر مجموعة من الأعمال الفنية الخزفية خصصها نصفها للاحتفاء بحواء ونصفها الآخر جسد فيها مجموعة من الآلات الفنية الموسيقية في لوحات جدارية تشكلت بالخزف.
وفي لقاء الوسط بالفنان مهدي البناي أشار في معرض في رده على تساؤل حول نوعي موضوعات أعماله في المعرض، وسر الجمع بين المرأة والجداريات الموسيقية إلى أن أعماله في هذا المعرض - بالخصوص - ابتدأت بالمرأة وانتهت بالموسيقى لما بينها في نظره من تواصل وتكامل حيث أشار إلى أن هذين الموضوعين استحوذا على ذائقته فاستقى من الإحساس من قلب المرأة وعاطفتها الحنونة، وتلك الانسيابية الآخاذة ولمحة الأنوثة في مقابل خشونة الحياة وحتى خشونة الرجل، ولعل هذه اللمسة هي نفسها متأصلة في الإيقاع والموسيقى الجميلة حيث تجسد الأعمال كلها تلك اللمسة السحرية والجمالية الإيقاعية الانسيابية في الموضوعين كليهما وكأنها موضوع واحد، حيث جسد المرأة من خلال مجموعة من الشخوص المتعددة في حالات وأوضاع مختلفة، فيما كانت الأعمال الأخرى ترصد مجموعة من الآلات الفنية في جدارايات تقف ماثلة من خلف اليد الحرفية التي تمسك بها.
وحول المواد التي استخدمها في أعماله أشار البناي إلى أنه أراد أن يعكس عنصر التعتيق، فقد شكل أعماله في هذا المعرض من ثلاثة أنواع من الطين هي الطينة الحمراء والطينة البيضاء الإنجليزيتان، وكذلك من الطينة السعودية، وإلى أنه لجأ إلى عنصر تقنية التعتيق ليحاكي لون الجلد والملابس، فقد وظّف الملمس الخشن وألوان الترابية التي هي من جنس ولون الطينة نفسها لتتواءم معها في النظر، وكذلك الألوان المطفية غير اللامعة ليصنع جوّا آخر غير معتاد في الخزفية، وليحاكي بها الألبسة البسيطة التي لا انعكاس لها حين يشاهدها الناس أو يرتدونها بكل بساطة وتلقائية في يومياتهم الاعتيادية، مع المحافظة على عنصر الجمالية ولكن من غير بهرجة وبشكل طبيعي وبسيط، حيث تقع الأضواء على الأعمال فلا تثير لمعة أو انعكاسا بما يجعل الأعمال تتحدث بنفسها عن نفسها من غير تلميع.
وعن حجم الأعمال في هذا المعرض والتي تراوحت بين حجم اليد في الخزفيات الثابتة وحجم اللوحة المتوسطة في الجداريات، أشار البناي إلى أنه لجأ إلى هذا الحجم بسبب حجم الفرن لديه وضعف الإمكانيات «فالفرن يحدني لأنتج هذه الأعمال الصغيرة من حيث التكلفة والتخزين وكذلك الأمر راجع لإمكانية السيطرة على الموضوع والتحكم في شكل الأعمال الحزفية، وأن ذلك راجع أيضا لإمكانية التداول والاقتناء من قبل المتلقي».
وعن تحويل اللوحة إلى خزفية جدارية أشار البناي إلى أن هذا هو الجديد بالنسبة إليه في هذا المعرض من حيث توقيف الخزفيات الجدارية على خلفية صندوق ( بوكس ) معدني ليقدم الخزفية كلوحة جدارية ثابتة وبارزة تحكي عن نفسها في مواجهة المتلقي وجها لوجه.
وحول عدم وضع عناوين ثابتة لأعماله في المعرض ذكر البناي بأنه عادة لا يحبذ وضع عناوين لأعماله ويترك الأعمال لوحدها تنطق بعناوينها ومحتواها للمتلقي، فكل عمل من الأعمال في المعرض يعكس المعنى الخاص به بما يمكن للمتلقي أن يرصده لوحده من غير تدخل أحد حتى الفنان نفسه، مع الإشارة إلى أن العناوين تكون أحيانا نوعا من الشرح الذي لا يريده الفنان أو لا يعرفه، بل يترك الفنان للمتلقي أو الناقد أن يضع عنوانه هو على اللوحة أو الخزفية كما يراها.
الفنان مهدي البناي من مواليد البحرين منطقة رأس الرمان العام 1963 ينحدر من عائلة اشتهرت بالبناء والعمارة فقد كان والده واحدا من أشهر البنائين في المنطقة الشرقية والبحرين وقد تأثر به كثيرا وتعلم منه الإخلاص في العمل وحب الناس.
فتن بالفن منذ صغره فقد كانت مشاهداته الأولى لمجموعة من الرجال في مطلع السبعينيات وهم يرسمون أزقة رأس الرمان هي الشرارة الأولى التي جعلته يتعرف على عالم الفن وفضاءاته الواسعة ودهاليزه، وفي مطلع الثمانينيات انضم إلى نادي الفنون الجميلة التابع لوزارة التربية والتعليم مع الفنانين أنس الشيخ وعقيل حسين وقد كانت عضويته في هذا النادي هي المدخل الحقيقي للفن بالنسبة له فقد تعرف على ذاته الفنية ومدى حبه للتعامل مع مختلف الأدوات الفنية وخاصة الطين الذي انطلق من خلاله إلى عالم فني رحب.
مع بدء عمله الفني لمس الفنانون المحيطين به مدى شغفه وولعه بالفن فحرصوا على تشجيعه للاستمرار وصقل موهبته أكاديميا الأمر الذي دفعه لدراسة الفن بالعراق بعد تخرجه من الثانوية العامة وذلك رغم المعاناة التي تعيشها العراق آنذاك في ظل الحرب العراقية الإيرانية إلا أنه رغم كل ذلك لم تقف الحرب حائلا أمامه لاقتناص فرص التعلم الأكاديمي وقد نال شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة تخصص خزف العام 1986 ويجد الفنان أن أيام دراسته في أروقة أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد من أجمل أيام حياته.
تتلمذ على أيدي كبار أساتذة الخزف في العراق وخصوصا الفنان الخزاف الكبير فلنتينوس كارلمبوس القبرصي الجنسية حيث كان له دور كبير في عشقه لمادة الطين وذلك كونه عمل في ورشته الفنية أثناء فترة دراسته الأكاديمية.
وبعد عودته إلى أرض الوطن انضم إلى جمعية البحرين للفنون التشكيلية وقد كان للشيخ راشد بن خليفة آل خليفة الرئيس الفخري للجمعية الدور الأكبر في تشجيعه للاستمرار في الفن فقد جعل الفنان مهدي البناي الفن حياته منذ صباه وحتى يومنا الحالي.
شارك الفنان في العديد من المعارض الداخلية والخارجية وأهمها المعرض السنوي للفنون التشكيلية الذي تقيمه وزارة الثقافة والإعلام ويحظى برعاية من لدن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر والذي قد نال خلال مشاركته فيها على خمس جوائز دانه وأربع جوائز تقديرية.
كما شارك في دورات بينالي الخزف الستة بجمهورية مصر وكذلك البينالي الأول بدولة الكويت والذي قد حصل خلال مشاركته فيه على الجائزة الثانية كما شارك مع زميله فواز الدويش من دولة الكويت بورشة عمل بجمهورية مصر العربية نتج عنها تنظيم معرض ثنائي للفنانين في القاهرة الذي قد افتتحه الفنان محسن شعلان.
طوال فترة عمله الفني حرص على الغوص في أعماق الفن حيث بحث وأعد دراسات مستفيضة في الفن وبشكل خاص في فن الخزف وتعرف من خلالها على خبايا وأسرار كثيرة عن هذا الفن ولا يزال حسب وجهة نظره بأن هناك الكثير الذي يمكن معرفته وتعلمه عن هذا الفن فللخزف أسرار كثيرة ومفاجآت لا يتوقعها الخزاف رغم حساباته الدقيقة كما الحياة لها مفاجأتها هي أيضا.
نظرا لشدة حبه للخزف فقد عمل الفنان وبجهد ذاتي على تنفيذ وبناء أول فرن خزف في البحرين بنهاية الثمانينات ذو درجات حرارة عالية ويعمل بالكهرباء ناهيك عن أفران الغاز لفن الراكو وقد كانت أجمل إبداعات الفنان من عطاء هذه الأفران وقد عمل على تحضير تركيباته الزجاجية الخاصة والبحث في أسبار الطين وتركيباته والأشكال الواقية والتجريدية الإنسانية.
العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ
هايل يافنان
يعنى ما شفناش الاعمال ياريت نتفرج على الاعمال وتبعتهملى علشان يوضعو فى موسوعة الفنانين العرب