في مقال مشترك بقلمي أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ونائب الرئيس الأميركي السابق آل غور نشر في جريدة الفاننشيل تايمز وتم نشر ترجمتها في جريدة «الوسط» يوم الخميس الماضي حاول الكاتبان التأثير على الخيارات الاستراتيجية للحكومات الكبرى في خضم الأزمة المالية العالمية وتوجيهها نحو الاستثمار في القطاعات الخضراء والمعزز للبيئة المستدامة.
بالإمكان اعتبار هذا الموقف الجاد من هذين الشخصيتين الهامتين نابعا من قلقهما من أن ينخفض الاهتمام بالبيئة - بصورة عامة - وقضية المناخ - بصورة خاصة - بسبب الظروف الاقتصادية غير الصحية حاليا في الدول الكبرى وتأثيراتها المباشرة على دول العالم النامي خاصة أن الجميع جزء من منظومة عصر العولمة.
يبدو أن العقبة الرئيسة للمشاريع البيئية والاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة نابع من خسائر هائلة للمستثمرين بعد انخفاض قيمة محافظ الأسهم بسبب هبوط متسارع للمؤشرات الرئيسية في البورصات المحلية والعالمية وانخفاض أسعار العقارات بنسب متفاوتة في معظم دول العالم وغرق بنوك استثمارية معروفة كانت تضخ سابقا سيولة عالية في المشاريع البيئية الجديدة ونفاذ الائتمان وإفلاس بنوك عالمية معروفة.
هذه المشاكل الاقتصادية سببت قلقا للمهتمين بالسياسة العامة لطريقة توجيه واستثمار الأموال الحكومية في هذه الظروف العصيبة عالميا حيث تلاشت ثروات ضخمة وفقد ملايين من البشر وظائفهم.
لكن يبدو من التصريحات الرسمية لكل من الحكومة الأميركية والصينية أن هناك نوعا من التحول الفعلي في السياسة العامة نحو بناء مستقبل مستدام والتركيز على خلق الوظائف الخضراء والاستثمار في الطاقات المتجددة والطاقة النووية وتحسين شبكات نقل الطاقة الكهربية وزيادة كفاءة الطاقة خاصة في المباني العالية والمنازل الخاصة وتحسين خدمات المواصلات العامة كالترام والقطار بل الاعتماد على السيارة أو الطائرة كوسيلة نقل. فحسب الأرقام المتداولة تقدر الميزانيات المطروحة بمئات المليارات من العملة الأميركية من القروض الميسرة لقطاع الطاقات غير الكربونية وزيادة ميزانيات البحوث في قطاعات التعليم العالي والتكنولوجيا والعلوم وخلق وظائف جديدة في مجالات حديثة.
هذه الاستثمارات الضخمة لا يتوقع منها نجاحات سريعة بل هي خطط بعيدة المدى لتجهيز البنية التحتية المعتمدة على الطاقات المتجددة وتقليل الاعتماد على الطاقات الإحفورية كالنفط والغاز. يعتبر تأمين أمن الطاقة المستقبلي هو هاجس صناع السياسة في الدول المستوردة لاحتياجاتها المتزايدة من الطاقة لذلك فإن جماعات الضغط البيئية والمراكز البحثية مستمرة في محاولاتها لدعم ضخ مزيد من الأموال في قطاع الاستثمار في الطاقات المتجددة والنووية.
ما الذي سيحدث خلال العشر سنوات المقبلة بالنسبة لمستقبل الطاقات المتجددة والبيئة نتيجة الأزمة المالية الحالية؟
سؤال ستحدده السياسات العامة للحكومات بعيدة النظر وستكون حجم استثماراتها علامة على زيادة اهتمامها بمستقبل الأجيال القادمة. بالنسبة للدول المعتمدة على الطاقات الإحفورية فسيكون العقد المقبل امتحانا فإذا فشل العالم في إيجاد حلول رئيسة فإن سعر النفط سيرتفع إلى مستويات قياسية أما إذا توصل العالم المتقدم إلى إحراز تقدم تكنولوجي لإبدال النفط فإن أفول عصر خام البترول على الأبواب.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2360 - الجمعة 20 فبراير 2009م الموافق 24 صفر 1430هـ