العدد 2755 - الإثنين 22 مارس 2010م الموافق 06 ربيع الثاني 1431هـ

الإرهاب... لغز القانون وأحجية السياسة (5)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن «الإرهاب» أقل إثارة للجدل على المستوى السياسي، منه على الصعيد القانوني، وإن كان قد أخذ تسميات مختلفة مثل»التطرف» و»العنف»، سوية مع «الإرهاب». على امتداد التسعين سنة الماضية، التي لم تهدأ خلالها النقاشات الفكرية والسياسية والعقيدية، حول أي من القوى السياسية تندرج تحت لوائح الاتهام بممارسة «الإرهاب»، وما هي ألأشكال التي يتمظهر فيها.

فعلى المستوى العالمي، وإذا تجاوزنا النقاشات التي سادت دهاليز عصبة الأمم، ومن بعد الحرب العالمية الثانية، أروقة الأمم المتحدة، يمكننا أن نقرأ موضوع «الإرهاب» عبر الصور المختلفة لأشكال النزاع، وخصوصا في فترة السبعينيات من القرن الماضي، إبان اشتداد الصراع بين الاستعمار الغربي بأشكاله المختلفة وحركات التحرر في دول العالم الثالث، وفي المقدمة منها الثورة الفيتنامية، والبؤر الثورية في أميركا اللاتينية. سنجد العالم منقسما حول تصنيف الحركات السياسية «العنيفة» التي تنامت حينها، متخذة من النموذجين «الفيتنامي» و»الغيفاري» نسبة إلى تشي غيفارا نموذجا يحتذى به، إلى أكثر من فريق.

فإلى جانب الانقسام الرئيسي الذي بين المعسكر المعادي للولايات المتحدة والمعسكر الموالي لها، إن جاز لنا مثل هذا التقسيم الفضفاض، سنجد أنه بينما كان الأول يضع الثورة الفيتنامية في مصاف حركة التحرر الوطني، كان يعتبرها الثاني نوعا من الإرهاب. لكن التباين في المواقف لم يقف عند هذا الحد فحسب، بل امتد الاختلاف بشأن الموقف من الإرهاب كي يتغلغل في صفوف الكتلة الدولية المعادية للاستعمار ذاتها، فشهدت هي الأخرى انقسامات حادة حول مسألة «العنف»، والذي تطور لاحقا كي يصل إلى ما هو متعارف عليه اليوم بالإرهاب. فشهدنا الاختلاف حول نظرية «البؤرة الثورية» التي قادتها المجموعات الغيفارية، واستراتيجية «الزحف على المدن من الأرياف» التي تبنتها التيارات الموالية للكتلة الصينية، يصل إلى حد تحوله من تعارض ثانوي إلى تناقض رئيسي بين أطراف تلك الكتل. ولا يخرج الموقف من الإرهاب اليوم، عن ذلك الذي ساد الموقف من العنف أو ما عرف بالتطرف حينها. فالخلاف في كل تلك الحالات كان يتمحور حول شكل التعبير عن الأفكار، أو أسلوب الممارسة من أجل تحقيق أهداف سياسية معينة.

وفي السياق نفسه، يمكننا أن نقرأ ما جرى في أفغنستان خلال الأربعين سنة الماضية، فقد كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، يضعون الحركات الإسلامية المناهضة للوجود العسكري السوفياتي هناك في مصاف حركات التحرر، ويمدونها بالدعم المالي والعسكري والإعلامي، مبررين كل أشكال العنف التي كانت تلجأ لها لطرد السوفيات من أفغنستان. مقابل ذلك ، كانت الكتلة السوفياتية تقود معسكرا دوليا كاملا يضع تلك الحركات في فئة «القوى الظلامية» الإرهابية. انقلبت المقاييس بعد خروج السوفيات من أفغانستان، ووجد الأميركان انفسهم في جبهة معادية لحلفاء الأمس، ووصل الأمر بأن تضع الولايات المتحدة محاربة ما أطلقت عليه «الإرهاب الإسلامي» في أعلى درجات سلم أولويات سياستها الخارجية. وإن كان لمؤرخ أن يصنف فترة حكم الرئيس الأميركي جورج بوش سياسيا، فلن يكون هناك أصدق من وصفها بالحرب الأميركية على كل ما اعبترته الإدارة الأميركية شكلا من أشكال الإرهاب. وتحول « الإرهاب» إلى ما يشبه «الفوبيا» التي سيطرت على سياسة الرئيس الأميركي، ومست، إلى حد بعيد، سلوكه الشخصي.

نصل إلى الوضع العربي، وأكثر قضية مثيرة للجدل هنا، وفي إطار الحديث عن «الإرهاب» هي الأوضاع الفلسطينية. وتبدأ الحكاية لحظة إعلان الدولة العبرية، حيث بررت الأوساط الغربية كل ما قامت العصابات الصهيونية من جرائم، وأدانت كلما لجأ له العرب للدفاع عن انفسهم وحماية ممتلكاتهم. حتى الكتلة السوفياتية، لم تبادر حينها إلى اتخاذ موقف صريح وجريء من مسألة ذلك الصراع. وظل الإرهاب الصهيوني مقبولا والنضال العربي مستنكرا، حتى أواخر القرن الماضي، عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية، ووجد العالم نفسه مرة أخرى امام ظاهرة «عنف» جديدة، مطالب باختيار الفئة التي تنتمي إليها: «الإرهابية»، أم «التحررية الوطنية». وتعمق الخلاف ليس على الصعيد العالمي فحسب، وإنما على المستوى العربي أيضا، وفي صفوف المعارضة العربية التي اختلفت هي الأخرى حول الموقف من العنف.

وتسلط المقالة المكثفة التي كتبها أيمن حاج أسد، بعنوان «الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن « الضوء على الكثير من الأسباب التي ولدت عوامل الاختلاف حول مسألة «الإرهاب»، حيث يشير الكاتب إلى أن «هنالك شكوى عامة ممن انكب حتى الآن على دراسة هذه الظاهرة مفادها أن مصطلحات مثل (الإرهاب) و (الإرهابي) تعاني من الغموض كما تفتقر إلى درجة من اليقين، فالقول بأن مصطلح الإرهاب ليس له مضمون قانوني محقق أو دقيق أو أنه لا يوجد له تعريف قانوني أو حتى سياسي مقبول بوجه عام هو إقرارٌ بالواقع .... وهكذا فإن غياب اتفاق دولي على الحد الأدنى وقف حائلا حتى الآن دون تبني تعريف مقبول لمصطلح الإرهاب . وإن مكافحة الإرهاب إنما تستعمل كصيغة سياسية أداة من أدوات السياسة الخارجية فحسب ولا تستعمل أبدا جزءا من مذهب قانوني».

ولاشك أنه في عالم اليوم بوتيرته السياسية السريعة التغير، تصبح الأمور أكثر تعقيدا والغموض أشد حضورا. ومن هنا فمن غير المتوقع أن يصل العالم إلى، حتى الشكل الأدنى من الاتفاق حول مفهوم «الإرهاب». وفي غياب ذلك تصبح مسألة تشخيص أسبابه قضية معقدة، واحتمال اجتثاث جذوره أمر شبه مستحيل. وهذا ما يجعل «الإرهاب» أقرب إلى اللغز القانوني والأحجية السياسية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2755 - الإثنين 22 مارس 2010م الموافق 06 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:52 م

      عبد علي عباس البصري

      الى متى الشعب الباكستاني يعاني من ويلات الارهاب وانتهاك حقوق الناس بأسم الدين ومحاربه الارهاب .فمن جهه مصادره عقول الناس بأسم الدين وأرتكاب الجرائم بأسم تطبيق الشريعه ، الالعن من ذالك القتل والارهاب من قبل الامريكان والبريطانيين ، اين الامم المتحده ؟؟ اين المسلمين؟؟ اين الانسانيه ؟؟ وادي سوات مثال والا الامر اكثر في الكثير من البلدان الاسلاميه.

اقرأ ايضاً