في الآونة الأخيرة ارتفع صوت بعض المرجعيات الدينية للتنديد ببعض المظاهر الدخيلة على مجتمعنا العربي، ففي السعودية قامت مؤسسة الإفتاء فيها بتحريم مشاهدة برنامج ستار أكاديمي والمشاركة فيه، وهو ما سارت عليه بعض الأصوات في الكويت، وقبل ذلك كانت فعاليات دينية وراء منع برنامج «الرئيس الأخ الأكبر» في البحرين، وقبل كل هؤلاء أصدر علماء المغرب قبل أشهر فتوى تحرم على الصغار من المغاربة مشاهدة كارتون البوكيمون.
ولسنا هنا للحديث عن صواب هذه المواقف وخطئها، وإن كنا متفقين على أن الكثير من هذه البرامج وخصوصا تلك المصنفة فيما يصطلح عليه بتلفزيون الواقع «ريال تي في» المتنافية مع خصوصيتنا الشرقية، بل للحديث عن هذه المرجعيات وخصوصا الرسمية منها والمحسوبة على نظم الحكم والتي بات همها الوحيد انتقاد البرامج التلفزيونية من دون سواها.
فعالمنا العربي يعيش اليوم أزمات وملمات تفوق بكثير أهميتها مدى شرعية هذا البرنامج أو ذاك، أو مدى خرقه للشرع والدين، فالاستعمار عاد من جديد ليجثم على صدر أمتنا، ولم نسمع أية هيئة دينية أو إفتائية تحرم التعاون مع بلدان الاحتلال أو تندد به وبالمتعاملين معه من الأنظمة والمؤسسات الاقتصادية، إلا ما رأينا من تلك الأصوات التي ارتفعت لتحرم التمثيل بجثث جنود الاحتلال الأميركي في مدينة الفلّوجة.
وعلى رغم الأعمال الوحشية التي تتعرض لها مقدسات الأمة ومساجدها سواء في الفلوجة التي نقلت مختلف القنوات العربية طائرات الأباتشي تقصف صوامعها، أو الحصار الذي تتعرض له العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف والكوفة، فإننا لم نر أي عالم من علماء أمتنا يندد بهذه الأعمال الوحشية ربما لانصرافهم لمشاهدة برامج تلفزيون الواقع وهو ما يذكرنا بتلك القومة التي قادها بعض علماء ديننا وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي قبل سنوات من الآن بعد تهديدات نظام طالبان الرجعي في أفغانستان بتدمير تماثيل باميان إذ شدوا الرحال إلى كابول في محاولة منهم لثني نظام الملا عمر عن تنفيذ تهديداته.
وعوض أن يلتفت علماؤنا الأجلاء إلى التحديات الحقيقية التي تواجه الأمة نراهم يقضون كل أوقاتهم مبحلقين في «ستار أكاديمي» و«سوبر ستار» و«الأخ الأكبر» لتبيان مدى موافقة هذه المصنفات للشرع والدين... ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وإذا كانت الخرجات الإعلامية لرجال ديننا وأئمتنا وفقهائنا تضر بديننا الحنيف لاقتصارها على الفتاوى الخاصة بالبرامج التلفزيونية ومدى شرعيتها فإن قنواتنا التلفزيونية باتت في الآونة الأخيرة تحبل بمصنفات لا تتوافق وقيم مجتمعاتنا، كما أن ظهورها في هذا الوقت بالذات يطرح أكثر من علامة استفهام، وخصوصا أن معظم هذه القنوات ظهرت مباشرة بعد سقوط بغداد، وازدياد حدة العدوان الإسرائيلي على شعبنا العربي في فلسطين.
ففي الوقت الذي تنقل فيه القنوات الإخبارية، وهي على كل حال قليلة ولا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، صور الدم والتقتيل وهدم المنازل على رؤوس أهلها في رفح وخان يونس وغزة ورام الله، وفي الفلوجة والرمادي وبعقوبة والقائم وبعض مدن المحور الشيعي (كربلاء النجف، الكوفة) فإن قنوات (سترايك تي في وميلودي 1و2 و نجوم وميوزيك ومزيكا وزين ونغم وروتانا وروتانا كليب، وقريبا روتانا الخليجية والنيل للمنوعات) لا تتوانى عن تقديم الأجساد العارية والملتصقة، والرقصات التي تتجاوز الرقص المتعارف عليه، لتقدم صورا حقيقية للجنس الساقط والرخيص.
وفي الوقت الذي تمتلئ به سجون الاحتلال الإسرائيلي والأميركي بالآلاف من خيرة شبابنا فإن قنوات أو نوافذ تلفزيونية كـ (على الهوى سوا وستار أكاديمي). تظهر لنا شبابا عربيا تائها أمله احتراف الرقص والغناء وارتداء الملابس التي تفضح أكثر ما تستر، وهمّه وهمّ هذه القنوات سلب ألباب المشاهدين العرب وثنيها عن الالتفات لمصائب الأمة وحروبها، وتوجيهها لخوض معارك وهمية وبينية تجسدت في الحروب الشعبية التي ظهرت أخيرا ومحورها «من هو الجدير بالتصويت عليه بشار الخليجي أم عطية المصري» في تجسيد واضح لتلك المقولة «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»
العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ