لا يمكن للإنسان إلا أن يعشق الحرية، فهي طريقه إلى التغيير والابداع. قد تأتي الحرية لحظة من اللحظات وتكون فرصة ذهبية كي تعرض على العالم من أنت وكيف تكون، وفرصة تمكنك من عرض معتقدك على العالم لتخرجه إلى حيث الاممية. وبإمكاننا هنا في البحرين أن ننبت ثمرة الحرية على رغم نسبيتها لصالح مجتمعنا فهي قد اتاحت لنا كبحرينيين ان نعبر عن ذواتنا... كنا بالأمس لا نسمع إلا تلك الاسطوانة المشروخة من معزوفة أمن الدولة، كان الهمس ممنوعا في الصباح فضلا عن الليل، وكان الرقيب يخرج علينا حتى من فنجان قهوتنا، النوم ممنوع، والسهر ممنوع... وكانت كل كلمة تحسب ذبذباتها. تلك الصورة القاتمة تغيرت، وبإمكاننا ان نفتح هوامش أخرى اذا أتقنا فن الخطاب وفن ممارسة لعبة التوازنات باتقان ووعي، وبسياسة الخطوة الخطوة لا بسياسة حرق المراحل، فالوسطية في الأمور والاتزان في الطرح تكسبانا الكثير وبذلك نحقق ولو شيئا لقواعدنا الفقيرة التي تنتظر منا ان نترافع عن ملفاتها، وان ندفع باتجاه تغيير واقعها المر من فقر وبطالة.
أنا لا اقول اننا نعيش مناخا أفلاطونيا واننا نعيش على وسادة معيشية صنعت من ريش النعام واننا ننعم في بلاد تقترب من مرافئ مدينة الشمس - كما يحلو لبعض الكتاب ان يقول - ولكن ما أريد قوله واركز عليه هو مفهوم أؤمن به. دعونا نأخذ ما هو موجود ونطالب بالمزيد؛ لأن التجارب علمتنا ان نكون وقود المحارق نرفض ما هو موجود لتمر السنون وتزداد التراكمات ثم لا نحصل على شيء. واليوم هناك فرصة ذهبية لترطيب العلاقة والوصول إلى المواقع التي اذا استثمرناها يمكننا من خلال ذلك الحصول على مكتسبات لقواعدنا الشعبية. فهل كتب الله علينا ان نكون المغامرين وغيرنا يحصد الثمار؟! دعونا نعمل عبر فريق عمل متكامل، عبر قبة البرلمان وعبر المجالس البلدية وعبر الصحافة وعبر مؤسسات المجتمع المدني لتأهيل ابنائنا الفقراء. نبحث لهم عن أعمال، عن مساكن، عن تأهيل للدراسة والتعليم. قد يأتي يوم وتكفر بنا القواعد الشعبية لاننا اخطأنا تقدير موقف من المواقف إذ ترانا لم نطعمها إلا الكلام الجميل. على أقل التقادير دعونا نقسّم العمل إلى شقين عمل سياسي وآخر اقتصادي ومعيشي وتعليمي. فالشق الثاني أصبح مهملا على حساب الأول. إن الزمن لا ينتظر أحدا وليس ذلك مستحيلا فالسياسة عبارة عن توازن قوى ولعبة توازنات. حقيقة أكْبِرُ أداء وخطاب نزار البحارنة فهو صوت مخلص يرتفع من ضمن الأصوات الغيورة للوصول إلى المنطقة الوسطى لحفظ ماء الوجه للجميع، لا أحد يشكك في النوايا فكلنا نحب هذه الأرض، نختلف في الأسلوب وفي قراءة الواقع ولا عصمة في السياسة وكلنا اخوان نعمل لأجل صالح هذا البلد.
ما أريد قوله: دعونا نناقش قضايانا بموضوعية، ولنؤمن بأن التعددية تعني ان لكل واحد منا حق ابداء الرأي دون ان يخاف من أحد مادام هدفه خدمة المجتمع والوطن. يقول ميخائيل نعيمة: «ما اضيق فكري مادام لا يتسع لكل فكر». وقديما قال افلاطون كلمة رائعة: «نحن مجانين اذا لم نستطع ان نفكر، ومتعصبين اذا لم نُرد ان نفكر، وعبيد اذا لم نجرؤ أن نفكر»... بنضالنا الشعبي امتلكنا جرأة التفكير فاستطعنا ان نفكر، ولكن ما نحتاج اليه هو ارادة التفكير. ليس هنالك شيء مستحيل وبإمكاننا ان ندخل في مشروعات اقتصادية أهلية يكون ريعها لصالح المساهمين وتصب أيضا في خدمة المجتمع، بإمكاننا إنشاء بنك أهلي وليساهم فيه كل مقتدر في المدينة أو القرية بألف دينار، بإمكاننا ان نستثمر بعض مواردنا المالية لخلق فرص لتعليم قواعدنا الشعبية، ولتأهيل من تضرر منهم في السنوات السابقة... حتى الصناديق الخيرية بإمكانها ان تستثمر بعض الأموال وتدخل في مشروعات تُدخل فيها الفقراء ليكونوا منتجين حتى لا يكون البعض منهم رهين الاتكال. صحيفة واحدة في البحرين استطاعت ان ترفع من سقف الحريات، وخلقت مناخا للحرية ليس موجودا حتى في دول أكثر ديمقراطية... هناك مشروعات للإسكان دعونا نستثمرها لصالح الفقراء، هناك مساحات أخرى نستطيع ان نعمل فيها ثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا، فليس ذلك مستحيلا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ