ما هو الرابط الذي يجمع بين الفوضى الأمنية في العراق ومجموع محاولات الاختراق أو التفجير التي حصلت في الأسبوع الماضي في السعودية والأردن وسورية؟ لا رابط أمنيا يوحد بين هذه الأعمال الشنيعة فكلها تعود إلى أسباب مختلفة وليست هناك معلومات مؤكدة تشير إلى تنظيم واحد يدبر أو يخطط لمثل هذه العمليات. إلا أن هناك روابط سياسية تشير إلى هدف مشترك وهو زعزعة الاستقرار الداخلي لكل دولة وهز الأمن الإقليمي للدول المجاورة للعراق.
زعزعة الاستقرار واثارة حالات من الاضطراب الأمني في المنطقة المحيطة بالعراق يعتبر من الأهداف الرئيسية التي أعلن عنها الاحتلال الأميركي بعد سقوط بغداد في ابريل/ نيسان الماضي. فقادة الاحتلال اشاروا مرارا إلى متغيرات سياسية حصلت في منطقة «الشرق الأوسط» وأن على الدول المجاورة للعراق إعادة التفكير في أوضاعها ومصالحها ومفاهيمها وعلاقاتها.
ما يحصل إذا من زرع قلاقل واثارة مشكلات في الدول المجاورة للعراق ليست بعيدة عن مناخات الفوضى التي دبت في بلاد الرافدين بعد نجاح الولايات المتحدة في كسر نظام صدام وسيطرتها على دولة تعتبر محورية في موقعها الجغرافي وتقع على حدودها سلسلة من البلدان المهمة في استراتيجية واشنطن ونظرتها الخاصة إلى مستقبل «الشرق الأوسط». فما حصل في العراق من تفكك وخراب وفوضى واضطرابات تريد الولايات المتحدة الآن أن تحوّله إلى نموذج جديد لمنطقة «الشرق الأوسط» بعد أن فشلت في تحقيق افكارها الخاصة عن «الديمقراطية» وغيرها من افكار اعدتها سابقا في مطابخ واشنطن ولكنها لم تنجح في تسويقها وترويجها في العراق. فالعراق البديل لم يكن بعد التجربة سوى مجموعة اوهام مجردة تبخرت بسرعة بفعل حرارة الشمس وبعد اصطدامها بعشرات الحواجز من الصعب تجاوزها من دون قراءة ثانية لتعقيدات المنطقة وجغرافية مناطقها وقبائلها ومذاهبها وطوائفها.
والسؤال: هل تخلت إدارة البيت الأبيض بعد أكثر من سنة على الحرب عن خطط تحديث العراق وإصلاح نظامه وتحويله إلى نموذج يحتذى في «الشرق الأوسط»؟
سؤال ثان: هل أخلت أو بدأت الإدارة الأميركية تفكر باخلاء ساحة العراق تاركة الفوضى تعبث بها وتحديدا بعد انسحابها الجزئي والمدروس في نهاية يونيو/ حزيران المقبل؟
سؤال ثالث: هل فعلا كانت إدارة بوش تفكر في إعادة بناء دولة حديثة في عراق جديد أم أنها خططت سلفا ومنذ البداية إلى نشر الفوضى في بلاد الرافدين تمهيدا لتصديرها إلى دول الجوار بوسائل شتى وبعناصر مختلفة الاهواء والمشارب؟
اسئلة كثيرة يمكن إدراجها واحدا بعد الآخر وكلها تشير إلى وجود عبث في الاستراتيجية الأميركية، وكلها تؤكد امتلاك واشنطن الخطة ألف ولكنها لا تملك الخطة باء. فالخطة باء غامضة واذا اتضحت معالمها بعد تجارب عملية ومؤذية ضد الناس تنتقل فورا إلى الخطة تاء حتى تغطي على فشلها في خطة باء.
إنها لعبة خطيرة وأخطر ما فيها أنها تهدد استقرار المنطقة من دون وجود بدائل موضوعية واضحة وقابلة للتحقيق. فالمشروعات الورقية كثيرة ولكن مشكلات المنطقة ليست في الافكار بل في القوة البشرية القادرة على التنفيذ ونقل الخطط من ادارج المكاتب إلى واقع يومي يرفع انقاض الدول ويعيد إلى شرايينها الحياة.
الفوضى في العراق سواء كانت مقصودة أو طبيعية أكدت بالملموس أن الحرب الأميركية كانت فاشلة على مختلف المستويات. والفشل مثل النجاح له في النهاية مقاييس ودرجات وعلامات، وكل المؤشرات تدل على أن واشنطن واضحة في أهدافها من الحرب (اسقاط النظام واحتلال العراق) وغامضة في غاياتها من تداعيات ما بعد الحرب.
الغامض هو: ماذا تريد أميركا من وراء احتلال العراق؟ وما خطتها لما بعد الحرب؟
إنه سؤال «المليون دولار» كما تقول الدعايات الأميركية. من يستطيع أن يعطي «الجواب الشافي» و«النهائي» على سلسلة أسئلة قلقة كلها تثير علامات استفهام وتعجب من وراء القصد من الحرب واسقاط النظام والاحتلال.
الوحيد الذي عرف اللعبة واستفاد منها إلى حدها الاقصى هو رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون. فشارون اعتبر أن معركة بوش معركته وأن معركته هي معركة بوش وبناء على هذه المعادلة ربط «حماس» بتنظيم القاعدة معتبرا أنه يخدم السياسة الأميركية في فلسطين كما يخدمه بوش في سياسته الإسرائيلية في احتلال العراق وزعزعة الاستقرار في «الشرق الأوسط».
الفوضى العامة تناسب شارون لأنها تنسي خطورة «إسرائيل» ودور «الموساد» في عمليات الإرهاب والاغتيالات وتشغل الدول العربية بمخاطر كثيرة «إسرائيل» ليست على رأس جدول أعمالها. فحين تصل الارباكات العربية إلى قلب عواصم الدول يصعب على الحكومات أن تناقش أو تتفق على الموضوع الفلسطيني في وقت تهددها أعمال إرهابية شنيعة لا يعرف من أين تأتي ومن فتح لها باب الدخول وماذا تريد من وراء أفعالها؟ لاشك في أن الرابط الأمني مفقود بين هذه المجموعات ولكن هناك روابط سياسية تجمعها وهي دبُّ الفوضى وزعزعة الاستقرار، وهذا ما كشفت عنه الولايات المتحدة بعد أسابيع من احتلالها العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ