العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ

الجميع يستمعون إلى نصائحه من كلينتون إلى كاسترو

قوة غابرييل ماركيز

نيويورك - جون لي اندرسون 

تحديث: 12 مايو 2017

يقال إن كاسترو نفسه يعيش في مكان قريب من غارسيا في منزل تحجبه أشجار عالية كثيفة وتحرسه شرطة مسلحة تمنع أي شخص من الاقتراب من المكان.

وعندما ذكرت لغز مكان إقامة كاسترو لغارسيا وكم هو غريب أن أحدا لا يعرف أين يعيش جيفي ماكسيمو (كاسترو) هز غارسيا رأسه واعترف بأنه لا يعرف أيضا أي شيء عن مكان إقامة صديقه كاسترو. وقد ذهلت من هذه الإجابة لأنني كنت أعتقد دائما - كما يعتقد معظم الكوبيين - أن غارسيا هو من أكثر الأشخاص المُطلعين على الأمور الداخلية لكاسترو.

ويقول غارسيا إنه لم يسأل كاسترو قط عن مكان إقامته كما أخبرني أنه الشخص الوحيد في العالم الذي يثق به كاسترو، وقال إن كاسترو في الواقع كثير الريبة مع أنه بدأ يتغيَّر قليلا في الآونة الأخيرة ويصبح أقل اهتماما بالأمور الأمنية. وأحيانا يقوم بالاتصال بي ليخبرني بأنه قادم لزيارتي أو شيء من هذا القبيل وهو أمر لم يعتد عليه من قبل. إنه يتصور دائما أن الهواتف مراقبة من قبل وكالة المخابرات المركزية CIA ولربما يكون محقا بالنسبة إلى هذا القلق.

وتتميز حياة كاسترو بالخصوصية إلى أبعد حد، فعلى سبيل المثال لم يقدمني إلى زوجته قط ولم يذكر لي أي شيء عنها البتة. لقد قابلتها مرة واحدة عندما قدمت إليّ نفسها ونحن في الطائرة الخاصة لكاسترو. ولا أعرف مدى صحة هذا الشيء ولكن الناس يقولون إن كاسترو لم يقدم حتى أخيه راؤل إلى زوجته!

إنه إنسان يتسم بالمحافظة على الخصوصية إلى أبعد الحدود. أعتقد أنني أعرف كاسترو جيدا أكثر من جميع الناس وأعتبره صديقا حقيقيا، ولكن من هو كاسترو، الرجل السري؟ ما ماهية هذا الرجل؟ لا أحد يعرف ذلك.

وقد ذكرني غارسيا بصورة فوتوغرافية التقطت أثناء زيارة البابا لكوبا في يناير/ كانون الثاني العام 1998. ولقد تم التقاط الصورة في «ميدان الثورة» يظهر فيها غارسيا وهو يجلس في الصف الأول بجوار كاسترو.

وكان غارسيا موجودا أيضا عندما سمع كاسترو أن أكبر ثلاث شبكات تلفزيونية أميركية بدأت تطلق أبواقها عند ورود انباء عاجلة عن الممرضة تحت التدريب التي تعمل في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي. لقد بدا كاسترو غاضبا وقال إن هؤلاء الأميركيين البغيضين يعملون جميع الأفعال الشنيعة.

وبعد ظهوره الإعلامي الأول قرر غارسيا الاحتفاظ باستقلاليته والابتعاد عن الاحتفالات الرسمية. كان يشاهد كل ما يُعرض على شاشة التلفزيون واستنتج بعد بضعة أيام أنه على رغم مظاهر الاتفاق بينه وبين كاسترو فإنه توجد بعض الخلافات الخاصة بينهما. وقد أخبر كاسترو أنه لن يقوم بكتابة المقال عن زيارة البابا لكوبا حتى يعترف له كاسترو بالأمور التي اختلف فيها مع البابا. وأجاب كاسترو بالطلب مني أن أتوسط له مع الأميركيين وأنه إذا سارت الأمور بشكل جيد سيخبرني عن الأمور التي أردت معرفتها. وقمت بدوري بالوساطة وأرسلت بعض الرسائل التي حققت نجاحا. وعندما قلت له حسنا، ماذا حدث مع البابا؟ لوّح قائلا: سأخبرك في وقت لاحق.

يقول غارسيا إنه انتظر عدة سنوات لكي يقوم كاسترو بإبلاغه عن مجموعة من الأسرار التاريخية ولكنه توصل إلى نتيجة مفادها أن كاسترو سيأخذ هذه الأسرار معه إلى القبر.

إن كاسترو شخصية مختلفة تماما عن بقية الناس ولديه اعتقاد بأنه سيُعمر طويلا في هذا العالم إذ إن الموت لا يدخل في حسبانه.

كان الجنرال عمر توريغوس، الذي استولى على السلطة في بنما العام 1969، أول قائد سياسي يُصبح غارسيا صديقا له ومؤتمنا على أسراره. لم يكن توريغوس ماركسيا ولكنه كان معجبا بتيتو وكاسترو وقام بتأييد التمرد الذي قام به رجال حرب العصابات المدعومين من كوبا في غواتيمالا والسلفادور ونيكاراغوا. وقد انتقده غارسيا في إحدى المقابلات وأراد توريغوس أن يُقنعه بأنه زعيم حسن النية وأنه قومي بنمي فوق كل شيء. يقول غارسيا إنه أصبح صديقا لتوريغوس بعد لقائهما الأول الذي التقاه في حفلة شرب امتدت ثلاثة أيام. وقد استمرت هذه الصداقة حتى وفاة توريغوس في حادث تحطم طائرة العام 1981.

ويصف لي غارسيا كيف كان توريغوس يسهر طيلة الليل وهو يشرب الويسكي ويقوم باستدعاء إحدى النساء الست الموجودات بشكل دائم بالهاتف عندما يريد ممارسة الجنس في الصباح.

ويذكر غارسيا بكل فخر أن توريغوس قرأ وأحب قصة «خريف البطرريك». لقد أخبرني توريغوس أنه من أفضل الكتب التي كتبتها. وعندما سألته عن سبب اعتقاده هذا اتكأ عليّ قائلا: «لأنه يذكر أشياء صحيحة. إننا جميعا مثل ذلك».

كان توريغوس كذلك صديقا للكاتب غراهام غرين، وقد أعطى كلا الكاتبين جوازات سفر دبلوماسية بنمية حتى يتمكنا من حضور مراسم التوقيع الرسمي لمعاهدة قناة بنما في واشنطن العام 1977.

يقول غارسيا إن كلاهما كان مدرجين في القائمة السوداء في الولايات المتحدة آنذاك بسبب ميولهما الماركسية وانهما شعرا بالسرور لتلقي التحية (عندما أطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة) في قاعدة اندورن الجوية الأميركية.

وقد أخبرني غارسيا أنه مازال يحتفظ بصورة له مع توريغوس تم التقاطها ليلة توقيع معاهدة قناة بنما. ويظهر الرجلان في الصورة وهما جالسين على أرضية السفارة البنمية المجصصة.

تميزت علاقة غارسيا مع المسئولين في كولومبيا بالمد والجزر، ففي العام 1981 عندما عاد إلى بوغوتا بعد جولة في كوبا وبنما سمع عن وجود خطة لاعتقاله واتهامه بالقيام باتصالات مع رجال العصابات M91 وهي المجموعة المتخصصة في أعمال العنف في المدن. ولجأ هو وزوجته مرسيدس إلى السفارة المكسيكية إذ تم نقلهما إلى خارج كولومبيا. لقد شكل نفي غارسيا كارثة بالنسبة إلى كولومبيا خصوصا بعد أن تم استدعاؤه إلى باريس ومنحه وسام جوقة الشرف من قبل الرئيس الراحل ميتران وذهابه إلى استوكهولم ومنحه جائزة نوبل في الأدب.

وعندما تولى الرئيس بلساريو بنتنكور السلطة في كولومبيا طلب من غارسيا العودة إلى الوطن تحت حمايته الرسمية. وعرض الرئيس بنتنكور عدة مرات على غارسيا عدة مناصب وزارية رفيعة ومنصب سفير في مدريد أو باريس ولكنه رفض ذلك.

يقول بنتنكور: إن غارسيا يجب أن يكون قريبا من السلطة ولكن لا يريد الاستحواذ عليها لنفسه.

وينفي غارسيا أن يكون مهووسا بالسلطة، قائلا: إن القضية ليست انجذابي نحو السلطة بل انجذاب من هم في السلطة تجاهي. إن المسئولين في السلطة هم الذين يبحثون عني ويثقون بي. كان الكثير من مقالات غارسيا في الصحف والمجلات عبارة عن وصف قصصي لأحاديثه الخصوصية مع المسئولين والتي كانت تبدو في الغالب لطيفة أو تبدو كذلك بالمقارنة مع قصصه المتخيلة بشكل رائع وتحليلاته السياسية البارعة. ولكن كتابات غارسيا الصحافية تُظهر مشكلة على جميع الجبهات بالنسبة إلى معجبيه.

فعلى سبيل المثال كتب غراهام غبرين ذات مرة قائلا: إنه غارسيا لديه ميل إلى إعطاء حقائق خاطئة. وقد ضحك أحد أصدقاء غارسيا وهو صحافي كولومبي عندما تذكر ما كتبه غارسيا ذات مرة من أن الطيارين الأميركيين الذين انتحلوا شخصيات رجال الأعمال الخطرة لسيرك جوي للدخول إلى تشيلي قاموا بقيادة الطائرات التي قصفت مقر لا موندينا أثناء قيام بينوشي بالإطاحة بسلفادور اليندي.

إن هذه الصبغة الروائية التي يتميز بها غارسيا - تعديل الحقيقة بحيث توائم خياله. وبالنظر إلى أن الأسلوب الصحافي لغارسيا متأثرا بشكل كبير بآرائه السياسية فإن صحيفة «كامنبيو» لا تتخذ موقفا صحافيا ثابتا بشكل ملموس بل تسلك منهجا وسطا مقبولا لدى الغالبية مع عدد كبير من التحقيقات الخاصة بأسلوب الحياة. وقد قامت هذه الصحيفة كذلك بنشر مقالات تعبر عن آراء مقيتة بالنسبة إلى غارسيا. فعلى سبيل المثال أيّد مقال افتتاحي نشرته الصحيفة المساعدة الأميركية لمحاربة رجال حرب العصابات.

وأوضحت مديرة تحرير «كامبيو» بلير كالديرون أنها هي وغارسيا وخمسة محررين آخرين يمتلكون الصحيفة يريدون أن يكسبوا مكانة في السوق خصوصا مع الطبقة المتوسطة المدنية.

وتمضي كالديرون قائلة: نريد أيضا العودة إلى عادة سرد القصص ولا نريد فقط سرد الأخبار. إننا سعداء بأن يكون غارسيا معنا لمساعدتنا في ذلك.

وكان أحدث مقال كتبه غارسيا قبل مرضه نبذة عن حياة نجم موسيقى البوب الكولومبي شاكيرا.

وأبلغني الكثير من أصدقاء غارسيا أنه يجد متعة كبيرة في قضاء الوقت مع المراسلين والمحررين من الشباب. إنهم يذكرونه بشبابه ويجد متعة في روح الصداقة والمطالب الملحة في حجرة الأخبار. وعندما سألته بإلحاح عن عدم اتخاذ صحيفة «كامبيو» خطا صحافيا أكثر صرامة، أجاب قائلا: إن الشيء الوحيد الذي نتفق عليه جميعا أننا نسعى إلى تحقيق السلام. إن الهدف الرئيسي هو إنهاء الحرب في كولومبيا وإعادة بناء البلاد ثانية. وإذا ما تم تحقيق هذا الهدف يمكننا فيما بعد أن نقرر الآراء التي سنسير عليها.

وقد حضرت ذات مرة حفلة ميلاد صديق لي يُدعى داريو فيلميراز الذي يعيش هو وزوجته امبارو في بناية على الجانب الأسفل لمونسرات وهو جبل منحدر مخضوضر يرتفع فوق وسط العاصمة بوغوتا. ويعيش الكاتب الهجائي جيمي جارزون في المنطقة نفسها، وكان غالبا يقابل عائلة فيلميراز بالمصادفة في الشارع المؤدي إلى المخبز قبل اغتياله.

ويعمل داريو محللا سياسيا وكاتبا، أما زوجته أمبارو فتعمل في مؤسسة حكومية مسئولة على إعادة دمج رجال حرب العصابات في الحياة الاجتماعية. وقد تم في السنوات الماضية إقناع آلاف الأشخاص الذين ينتمون إلى منظمات رجال حرب العصابات بإلقاء أسلحتهم والعودة إلى الحياة المدنية. كان داريو عضوا في مجموعة حرب العصابات M91 التي تخلت عن عن أسلحتها طوعا العام 1990. واشترك داريو وزوجته أمبارو في محادثات سلام وجهود مصالحة. ويقول داريو إن أول شيء قام بعمله بعد العفو هو شراء «برنس حمام» لأنه وجد أن ذلك أفضل طريقة للعودة إلى الحياة الطبيعية.

«إن شراء هذا البرنس كان بالنسبة إليّ رمزا للهدوء ونهاية لكل الكروب والآلام، ومازلت ألبسه حتى الآن»، يقول داريو.

وحققت M91 مكسبا بعد عملية إلقاء السلاح تمثل في إضفاء الشرعية السياسية عليها، كما اكتسبت شعبية حقيقية كحزب سياسي. لقد أصبح بعض أعضائها السابقين رؤساء بلديات وأعضاء في الكونغرس. ونظرا إلى أنها لم تحقق نفوذا دائما اعتبرت فاشلة من وجهة نظر رجال حرب العصابات الذين لم يلقوا السلاح بعد.

ومع ذلك، فإن انتقال داريو وأصدقائه من حمل السلاح كثائرين إلى مهنيين محبين للسلام من الطبقة الوسطى يعتبر واحدا من قصص النجاح القليلة في تاريخ كولومبيا الحديث.

اتسمت الحفلة بالألفة إذ اجتمع نحو اثني عشر رجلا وامرأة غالبيتهم أعضاء سابقين في M91 في منزل داريو. انحنى داريو وهمس قائلا لي: إن كبار قادة M91 الباقين على قيد الحياة موجودون في هذا الحفل. وتم التعرف على الفور على فيرا غريب، الامرأة الوحيدة بين المجموعة من شعرها المجعد الأشقر المائل إلى الحمرة.

أما أتي باتينو، أحد مؤسسي M91 فقد أصبح أصلع الرأس وأكثر سمنة من ذي قبل. جلس الضيوف في الحجرة الصغيرة يشربون الرّم (شراب مسكر) والبوربون (ويسكي). وبخلاف FARC التي تمثل الفلاحين الريفيين بشكل تقليدي فإن M91 كانت تجلب مجنديها من طلبة الجامعات والطبقة المتوسطة التي تعيش في المدن. وقد تخصصت M91 في عمليات مثيرة مثل سرقة سيف سيمون بوليفار العام 1974 من متحف في بوغوتا كما اكتسبت سمعة عالمية سيئة العام 1980 عندما احتجزت مجموعة من السفراء كرهائن لمدة 61 يوما في سفارة جمهورية الدومنيكان في كولومبيا. وفي العام 1985 عندما وصلت المفاوضات مع حكومة الرئيس بليساريو بنتكور إلى طريق مسدود استولى مقاتلو M91 على قصر العدل واحتجزوا جميع أعضاء المحكمة العليا رهائن. ورد الجيش بتدمير المبنى وقُتل في هذه العملية أكثر من مئة شخص بمن فيهم أحد عشر من رجال القضاء وخمسة وثلاثون من رجال حرب العصابات. وقُتل المئات من أعضاء M91 على يد الجماعات اليمينية في السنوات التالية.

لقد أصبح الموقف الآن أكثر تعقيدا مما كان عليه العام 1990، بحيث ازدادت أعداد المشتركين في القتال وتحسنت نوعية المعدات العسكرية. ويشعر داريو بتفاؤل حذر بالنسبة إلى فرص عملية السلام ويخشى أن تستمر الحرب. أصبح الجيش الكولومبي يشعر بالانتصار لأول مرة من سنوات بسبب المساعدات الأميركية الزائدة ويريد أن يحقق المزيد من الانتصارات بمساعدة الأسلحة الأميركية المتطورة والخبراء العسكريين. ومن ناحية أخرى فإن تعزيز قدرات الجيش الكولومبي قد يجبر الثوار على إعادة حساب خياراتهم ويجعلهم أكثر استعدادا للدخول في مفاوضات مع الحكومة.

إن هذه هي النظرة التفاؤلية أو لربما المفرطة في التفاؤل. وقد تغيب غارسيا عن الحوار بشأن الحرب بعض الوقت إذ غادر كولومبيا إلى بيته في المكسيك ثم ذهب إلى لوس أنجليس إذ يعيش ابنه رودريجو ويعمل هناك.

وعاد إلى مكسيكو ستي الذي يقول أخوه جيمي إنها مناخ عاطفي أفضل للاستجمام بالنسبة إلى غارسيا.

يقول داريو إنه والكثير من الكولومبيين يشعرون بغياب غارسيا بقوة. نحن بحاجة الآن إلى شخص يتمتع بنفوذ روحي وأخلاقي كبير، قال داريو في مكالمة هاتفية أجراها معي من بوغوتا.

إن غارسيا هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يخرج ويقف بين الطرفين الذين يطلقان النار على بعضهما بعضا، ويقول: «أوقفوا إطلاق النار» فيصغي الجميع.

وإذا استطاع غارسيا أن يقوم بهذا الدور فإن ذلك سيكون رائعا بالنسبة إلى كولومبيا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً