العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ

خالة لم تنجبها جدتي

الوسط - فاطمة الحجري 

تحديث: 12 مايو 2017

مقدر أن يباغتنا الموت الذي خُط على الجبين، وعلى رغم ذلك يبقى عقلنا رهين اللهث وراء جدلية الثنائية بين الحياة والموت، عبثا نحاول التفسير، ونخفق دوما، فثمة بشر حقيقيون يؤثرون في النفس عميقا ويترك فقدهم جرحا من الوهم أن يقال انه سيلتئم يوما ما.

أراكِ الآن، ألمح شفتيك التي لم تفارقهما الابتسامة حتى في أكثر الظروف حلكة، أسمع بقايا الدفء في صوتك، أحدق بقوة، بقوة أكثر، فأرى في عينيك نظرة أعجز عن فهمها.

قيل ان الغربة تعني العيش في وطن بلا قمر، عشتِ غريبة، لم تلحّي في تعليل غياب القمر، لم تكترثي بذلك، فروحكِ كانت تنبئكِ أن تكريس الوقت لتربية أربعة أبناء تفخرين بهم ويزهون بك هو القمر والوطن في آن واحد.

رحلت خلسة عنا، لم تنذرينا لندرب قلوبنا على الفقد، آه يا حر الفقد... كيف يمكن أن تعاد عاشوراء المقبلة من دونك، وكيف تقام الأعراس الآن وأنتِ بعيدة كل هذا البعد الموجع... عاهدت أمي قبل شهرين فقط أن تباتي الليل معنا ليلة عرس أخي علي، لم تف بالوعد يا خالة، ثمة أفراح كثيرة لم نتقاسمها بعد، ثمة حكايات لم تحكها بعد، أشعر بحرقة قلب أمي كلما زفرت، أسمع عينيها تحكي هذه المرة، كعادتها ترفض الجهر ولا تعلمنا إلا دروس القوة، تهذي في الخفاء لتقول إنها فجعت بأخت أخرى... هكذا أنتم، تجمعتم في هذه الرقعة من الأرض لتكونوا إخوة، لا تملكون خيارا آخر، ليس أمامكم إلا أن تكونوا كذلك، فلا مفر.

في مجلس العزاء ارتمت أجساد أنحلها خبر رحيل من دون مقدمات، عبثا ترسلن النظرات إلى الأرجاء، يعج المكان بصديقات الدنيا و بأصوات ترتل الآيات والأدعية، نكتفي جميعا بمحاولة استيعاب ما حدث.

كيف لك أ ن لا تفي بالوعد الذي قطعته لأمي، ثمة كلام لم أقله لك بعد، ثمة رائحة لم أكتف منها بعد، ثمة دروس لم أتعلمها منك بعد، ولم تتعلمها حفيداتك اللواتي يشبهنك في جزئية الروح...ظللتِ تكررين أنك لا تريدين أن تشهدي حرقة رحيل ابنك البكر الذي هاجمه المرض الشرس من دون رحمة، ولأن الله يحبك حقق ما ظللت تطلبين، فحرقه رحيلك قبل أن يحرقك رحيله... أية ابتهالات تلك التي رددتها، ليتك رددتِ أن لا يحملني الله ما لا طاقة لي به، ليتك رددتي أن لا يري أيامنا ذلك الانكسار الذي خلفه رحيلك في أعمق نقطة في قلبي ابنتيك ، لم تجزعا، اطمئني لم تجزعا، لكنني فعلت، علما الأخريات فنون الصبر والثبات على الإيمان، لكنني أخفق في ذلك دوما، لما لم يمهلك القدر أكثر؟ يوما آخر، يوما واحدا فقط، لدي حديث مثقل لم أبح به بعد، لم أخبرك كم أحبك.

خالتي، الخالة التي لم تنجبها جدتي، لا أعرف أين أنت الآن، لكنني أرى روح عزيزة البسام قريبة منك، هي من علمتني «ألف» الصحافة، ولم يمهلها الموت لتعلمني «الباء»، تزورني في الحلم كلما أفزعتني كوابيس الواقع، أراها تجلس في حديقة مخضرة، رأيتها يوما تمسح على رأسي وتقول لي أنها بخير، لم يخفت الحلم شوقي إليها، ولم يطفئ حر فقدها إلى الأبد، لكن روحي عرفت أشلاء هدوء... أطلب منك أن ترحميني في حلم ما، علك تهبيني السكينة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً