العدد 600 - الثلثاء 27 أبريل 2004م الموافق 07 ربيع الاول 1425هـ

توقيع العريضة الشعبية... ماذا بعد؟!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

ثمة استقراء للمشهد السياسي البحريني بحيثياته المختلفة قبل وأثناء تدشين العريضة التي تحشد لها الجمعيات الأربع الآن - خصوصا بعد الموقف العقلاني الذي اتسمت به الرموز الدينية ذات التأثير - لعلها تكفي في الوصول الى نتاج سريع ومن دون عناء الى أن المعارضة أثبتت قدرتها على ممارسة اللعبة السياسية بشكل مرن ومتزن الى حد بعيد على رغم الشد والجذب الذي حكم علاقة المعارضة بالسلطة قبل أيام معدودات من تدشينها لتلك العريضة الشعبية.

والتفسير الذي طرحته الرموز عن أسباب الرسو نحو هذا القرار كان موضوعيا الى حد بعيد، فالعلماء راجعوا 5 خيارات متباينة طرحتها «الوفاق»، ثلاثة منها كانت ستفتح الباب أمام توتر كبير وتأجيج غير مسبوق للساحة، وخلص العلماء بعد دراسة مستفيضة - كما قال السيدعبدالله الغريفي - الى أن أفضل تلك الخيارات هو اقتصار الموقعين على العريضة من الجمعيات الأربع مع فتح باب العضوية بمصراعيه لدخول من يشاء تحت مظلة هذه الجمعيات.

لكن بالتأكيد أن ذلك لا يكفي لاستشراف المستقبل السياسي ولو على المدى المنظور، فالرؤية لهذا الواقع الجديد لم تتبلور بعد، مثلها مثل التداعيات السلبية وغير المحسوبة العواقب التي سيتركها قرار فتح باب العضوية أمام عشرات الآلاف للانضمام الى الجمعيات الأربع المتبنية للعريضة، وأبرز تلك النتائج أن هذه الجمعيات ستضطر ولو بعد حين الى تسريح هذه الآلاف المؤلفة الى حيث أتت مرة أخرى! وهذا ما صرح به من دون مواربة أحد كبار الرموز الدينية في الساحة، وهذه الحقيقة - حتى مدشنو العريضة - يدركون ألا مناص منها. وخطورة هذه الخطوة قد تكون أكثر من آنية بحيث قد تشكل علامة فاصلة في اهتزاز ثقة تلك الجمعيات أمام التيار العريض المؤيد لها، وما قد يعزز من هذه الفرضية هو قدرة السلطة التي يشهد لها الجميع من مؤيدين ومعارضين على شدة مراسها السياسي، وعندها ستكون القوى المعارضة أمام موقف حرج لا تحسد عليه، ومضاف الى ذلك كله وهي مسألة بالغة الحساسية على مستقبل هذه القوى، وهي دخول عشرات وربما مئات المتطفلين واختراقهم بشكل غير مسبوق الى هذه الجمعيات.

الزخم الإعلامي الذي منحه تضاعف عدد منتسبي الجمعيات السياسية الأربع الى عشرات المرات عما هو عليه في السابق قد يخدم تيار المقاطعة إعلاميا، لكنه لن يحقق مكاسب لهذه الجمعيات على المدى البعيد وحتى المتوسط، وهذا لن يكون بمنأى عن الأمور التنظيمية التي تتطلبها الجمعية باعتبارها خاضعة لمنظومة قانون الجمعيات. والسلطة قد تستغل هذه الثغرة، وترى فيها منفذا مناسبا لتعطيل الكثير من أنشطة هذه الجمعيات.

وعلاوة على كل ذلك، فان الحكومة قد تحضّر وبحسب مقربين لها مفاجأة من العيار الثقيل للطعن في شرعية هذا الكم الهائل من الأعضاء الذين انضموا تحت لواء هذه الجمعيات بين عشية وضحاها، وربما المح الوزير مجيد العلوي الى ذلك في تصريحه الأخير الذي دعا فيه المعارضة الى التقيد بالشروط والمعايير في شأن قبول العضويات. كما أن دخول هؤلاء قد يعزز من نفوذ تيار على حساب تيار آخر في هذه الجمعيات، بحيث تكون فيه الغلبة دائما للتيار المحافظ في هذه الجمعيات والمدعوم - بعد اليوم - بقاعدة شعبية عريضة دخلت للتو مدفوعة في معترك العمل السياسي، الأمر الذي يعني أن الكثير من التوازنات السياسية التي حافظت عليها تلك الجمعيات منذ تأسيسها لن تشق طريقها الى الاستمرار مادامت تغيرت شروط اللعبة.

السيناريو الأكثر ترجيحا الآن - كما يراه مراقبون كثر - أن الحكومة بفطنتها وذكائها قد تعمد الى الالتفاف على هذا العريضة إذا ما قدّر لها الاستمرار، وتجعلها تعاود أدراجها مرة أخرى بجواب معتاد وهو أن «الحكومة تثمن هذه الجهود الشعبية، وهي محل تقدير لديها، ولكن العملية السياسية في أية بقعة من بقاع العالم لا تتأتى عبر حرق المراحل وإنما الديمقراطية الحقيقية هي الآتية عبر التدرج الواقعي».

وهنا قد لا يكون أمام الجمعيات الأربع من خيار سوى من الدخول في لعبة القط والفأر مع المجلس النيابي الذي يتجاهله المقاطعون في خلق تنسيق غير معلن معه للخروج من هذا المأزق، وبوادر هذه الفرضية بدت واضحة خلال هذا الأسبوع، فليس عبطا ولا مصادفة التزامن بين تحريك بعض النواب لملف التعديلات الدستورية من تحت قبة المجلس النيابي مع تحرك مواز للجمعيات الأربع المتثمل في العريضة الشعبية. وبحسب متابعين للشأن السياسي البحريني فإن السلطة قد تقبل الشروع في تعديلات دستورية محتملة تسبقها مرحلة من التفاوض المباشر وغير المباشر مع مختلف الأطراف الذين أخذوا على عاتقهم هذا الملف.

فصحيح أن تلك التعديلات التي ستتداولها الحكومة قد لا ترتقي الى مطالب المقاطعين، لكنها تبدو وفق الظروف الموضوعية وبالنظر الى المحيط المتأزم في المنطقة، تبدو حلا وسطا ومقبولا من الكثيرين للخروج من عنق الزجاجة الذي يعيشه الحراك السياسي في البحرين.

لا غبار في أن العريضة التي يتم تدشينها الآن هي عمل سلمي مشروع للتعبير عن الرأي، وتعد من إحدى حقوق المواطن في مخاطبة السلطات العامة، وهذا حق كفله الدستور والميثاق وقبلته كل الأعراف السياسية التي اهتدت إليها البشرية.

ولكن على مسار مواز، فإن شريحة كبرى يعتد بوزنها من المجتمع لا ترى أن الإشكالية الدستورية - على رغم أهميتها ومحوريتها - لا تبدو الوحيدة، وليست بمفردها المسئولة عما وصلنا إليه الآن من تأزم أو عدم توافق على أقل تقدير، بل هناك عشرات الأسباب والتي تفسر في مجملها هذه الحال «غير المرضية»، وعلى رأسها الملف الاقتصادي، فلا يمكن لاية حركة سياسية أن تشق طريقها الى النجاح مادامت لا تضع الشأن الاقتصادي على رأس أولوياتها، فالشعب لن يرضى بديمقراطية البطون الجائعة، والمواطن لن يروق له دستور لا يمنحه لقمة خبز وعمل وسكن كريمين يليقان به مهما كانت الحاجة الى توافق دستوري مطلوبه.

هناك أكثر من علامة استفهام :ماذا بعد العريضة؟

خيارات عدة تبرز إذا ما أردنا الحديث عن جواب شاف لهذا السؤال الكبير، هل يا ترى ستؤطر العريضة الى توافق وطني يخرجنا من هذا المأزق؟ وهل أن مرحلة ما بعد العريضة ستكون ذاتها ما قبل تدشين هذه العريضة؟ ما الذي ستحدثه العريضة من آثار على الوضع الاقتصادي في البلاد؟ والفرضية الأكثر تشاؤما وهي هل ستقودنا العريضة في حال فشلت - لا سمح الله - الى احتقان أمني وسياسي قد يعودنا الى مرحلة اللاقانون، وهنا مكمن الخطورة الحقيقية على رغم أن تعهدات كثيرة من السلطة تنفي ذلك مرارا.

إن سلمية العريضة هي خط لا يجب أن نتجاوزه، وأن العمل السلمي والحوار الهادئ والموضوعي - الذي ينتهجه الحكم والمعارضة - والرموز الدينية بحنكتها وعقلانيتها، وجميع شركاء هذا الوطن معقود عليهم الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات وطنية بفضل نضالات شعبية كبيرة ورؤية شجاعة من السلطة. وعلى رغم تعدد الآراء على «العريضة» فإن الشارع السياسي البحريني بأطيافه المشاركة والمقاطعة ينتظر بشغف حدوث مبادرات شجاعة تحمي حركة التنمية في مشروعنا السياسي. ومازلت أزعم أن ثمة ضوء ينتظرنا

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 600 - الثلثاء 27 أبريل 2004م الموافق 07 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً