العدد 600 - الثلثاء 27 أبريل 2004م الموافق 07 ربيع الاول 1425هـ

الرئاسة بين بوش وكيري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد حرب الخليج الثانية ارتفعت شعبية جورج بوش (الأب) إلى أعلى المستويات وبدأت إدارة الحزب الجمهوري تتصرف وكأن التجديد للرئيس ولاية ثانية مسألة محسومة ولانقاش عليها. وصلت شعبية بوش الأب إلى درجات غير مسبوقة وبات منافسه التقليدي الحزب الديمقراطي في حال يرثى لها بعد تمنع كل قادة الحزب الكبار على ترشيح أنفسهم خوفا من الإهانة السياسية.

وبسبب تراجع معظم قادة الحزب الديمقراطي على خوض المغامرة تقدم الشاب نسبيا بيل كلينتون وقرر اخذ المبادرة ومواجهة اخطر رئيس أميركي. ونجح الشاب المغمور في كسر شعبية بوش الاب مستفيدا من تراجع الأداء الاقتصادي. وتحت شعار «انه الاقتصاد يا غبي» ارتفعت شعبية كلينتون وانفضحت «انتصارات» بوش الوهمية وانتهى السباق بعودة الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض.

هذا كان في العام 1992 فهل يتكرر الأمر نفسه في العام 2004؟ نتائج الاستطلاعات تشير إلى تأرجح المزاج الشعبي بين الشعار الأمني المدعوم بالمخاوف والمخاطر المفتعلة على حياة الناس وبين المنافع الاقتصادية من «حروب بوش» وهي حتى الآن لم تؤتِ ثمارها.

من يتغلب على الآخر: الأمن أم الاقتصاد؟ هذا هو السؤال الذي يبحث عن جواب ثابت. وحتى الآن لم يتبلور بسبب نجاح الإدارة الأميركية في وضع الأمن على درجة مرتفعة من التوتر والانفعال وبالتالي ربطها بين الرفاهية والاستقرار ومستوى الحمايات التي توفرها الأجهزة في أميركا والعالم.

المرشح المنافس (جون كيري) يبدو أنه لم يحسم خياراته السياسية لمعركة الانتخابات. فهو يحاول تمييز نفسه عن بوش الابن بقليل من الحياء. وهذا التردد اذا استمر فإنه لاشك سيلعب لمصلحة المرشح الجمهوري. حتى الآن لم يوضح كيري خطواته السياسية في أفغانستان والعراق كذلك لم يكشف أوراقه المتعلقة بخطط «البنتاغون» وطموحات كتلة الشر في استكمال حلقات «الحروب الدائمة» ومواصلة تكتيكات «الضربات الاستباقية». المكان الوحيد الذي ادلى كيري دلوه بوضوح هو الموضوع الفلسطيني وكما هو متوقع لن يكون أفضل من منافسه.

لاشك في أن برنامج كيري يختلف عن بوش وهو على الأقل ليس على السوية نفسها من الحدة والتوتر والانفعال. فهو يميل إلى التفاهم مع الاتحاد الأوروبي وتنظيف سجل العلاقات مع الاتحاد الروسي من الاوساخ التي علقت خلال فترة بوش الابن. وبالتأكيد يميل كيري إلى نوع من الاتجاه نحو تبريد الملفات الحارة في أفغانستان والعراق أو تلك الملفات السلبية المستحدثة في العلاقات مع الدول الواقعة على الحدود العراقية. وعلى رغم اختلاف الرؤى بين المتنافسين فشل كيري حتى الآن في توضيح خطوط استراتيجيته بالالوان التي تسهل على الناخب الأميركي التمييز بينه وبين بوش الابن.

الغموض إذا لايزال يسيطر على سياسة كيري وهذا ما سيزيد من ارتباك خطواته في المستقبل القريب إذا لم يبادر على تحديد الاتجاهات وتلوين سياسته حتى يمكن التمييز بينها وبين منافسه.

بوش حتى الآن هو الأوضح فهو لا يخجل، ويكشف ببساطة (وسذاجة احيانا) عن سياسته العدوانية من أفغانستان إلى العراق وفلسطين وصولا إلى توجيه رسائل قاسية إلى دول الجوار متهما اياها بعرقلة مشروعاته في العراق.

وفي الاقتصاد تبدو سياسة بوش أكثر وضوحا من كيري. فهو مثلا لا يتردد في تحميل الإرهاب والدول المنتجة للنفط (الاوبيك) مسئولية العجز في موازنته، علما بأن دول الاوبيك اتبعت سياسة متوازنة ودقيقة للتوفيق بين الإنتاج والاستهلاك العالمي. فالاوبيك لم تلعب لعبة الاحتكار والمقاطعة بل خضعت لنظرية «اقتصاد السوق» ولم تتجاوزها.

المشكلة ان الناخب الأميركي لا يعلم المصدر الفعلي للصعوبات الاقتصادية التي يلاقيها وليست عنده فكرة عن مدى الضغوط التي يمارسها الانفاق على القطاع العسكري (الدفاعي) على الموازنة وميزان المدفوعات.

ولهذا السبب تلجأ إدارة بوش إلى التشويش على خيارات الناخب الأميركي متبعة أساليب تصدير الأزمة إلى الخارج وتعليقها على «مشجب» الإرهاب ودول الاوبيك.

كيري غير واضح في افكاره الاقتصادية أيضا، بينما بوش يتجه الآن إلى التفكير برفع نسبة الفائدة على الدولار لاستقطاب الرساميل من الخارج وتشجيعها على الاستثمار أو شراء سندات الخزينة (ديون أميركا) لسد العجز في الموازنة الذي فاق الـ 500 مليار دولار في السنة الجارية.

لاشك في ان رفع الفائدة سيطلق سباقا بين العملات القوية (الأوروبية واليابانية) وسيكون له انعكاسه السلبي على نمو الاقتصاد العالمي لانه سيؤثر على حركة التجارة الدولية بسبب تراجع التصدير والاستيراد بين الدول. وهذا موضوع خطير سيواجه كيري في الشهور المتبقية من انتخابات الرئاسة.

معركة المرشح الديمقراطي ستكون صعبة وربما خاسرة إذا لم يسارع إلى توضيح مواقفه ويحدد أولوياته بين الإرهاب والاقتصاد. كلينتون حدد خطواته ضد الاب بإعلانه «انه الاقتصاد يا غبي» فماذا سيقول كيري للابن؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 600 - الثلثاء 27 أبريل 2004م الموافق 07 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً