في ألمانيا ندم اللص الذي سرق قبل بضعة شهور مجموعة من منازل الفقراء ما جعله يحس بوخز الضمير فأعاد المسروقات عن طريق أحد مراكز الشرطة بالبريد على عناوين المنازل التي سرقها، فقد صحا ضميره ورأى أن هؤلاء البؤساء يكفيهم ما بهم من فقر وبلاوي ليأتي هو ويضيف لهم فقرا على فقر، ما جعله يعيد تلك المسروقات.
وأنا واثق من أن هذا اللص العربي الذي كما ذكرت الصحف كان يتحدث بلهجة عربية فصيحة لن يكون أقل نخوة وإنسانية من الألماني الذي تحرك ضميره ورق قلبه تجاه الفقراء الذين سرق منازلهم، وخصوصا أن التاريخ أثبت أن العرب أمة ذات حس مرهف وقلب رقيق وما يؤكد ذلك ظهور ذلك الكم الكبير من شعراء الغزل عبر التاريخ العربي الطويل، ولأن العرب يحبون العدالة منذ عصر الجاهلية ولديهم إحساس مرهف تجاه البؤساء والضعاف والمساكين أقاموا حلف الفضول الذي أقروا فيه مبدأ الدفاع عن المظلومين. وليس هناك مظلومون أكبر من مؤسسي المصرف الذي كاد يفلس بسبب الكرم الحاتمي لبعض المسئولين فيه ممن أقرضوا بعض الأشخاص عدة ملايين من الدنانير كادت تقارب من رأس مال البنك نفسه وساعتها قيل إن جانبا كبيرا من المسئولية تقع على دماغ مؤسسة النقد ودارت زوبعة وضجيج ثم خفتت الأصوات المحتجة بعد فترة مثلما خفتت الضجة عن الصندوقين الأبيضين (التقاعد والتأمينات).
وفي ظني أن اللص الساطي على المصرف مادامت لهجته عربية فصيحة فلا شك لدي ولو لحظة واحدة أنه لن يكون أقل إحساسا بالندم من اللص الألماني المذكور بحيث لن يتأخر في إعادة المبالغ التي سرقها ليثبت أصالته خصوصا إذا فكر مثل زميله الألماني أنه يكفي البنك المذكور بؤسا وشقاء أن كاد يفلس به بعض القائمين عليه بسبب كرمهم الذي دفعهم إلى رفع كربة ذلك المسلم الذي احتاج ليستدين بضعة ملايين من الدنانير لفك أزمته لعل الله يفك أزمتهم يوم القيامة! ولهذا لا أعتقد أن من الشهامة سرقة بنك كاد يبلغ درجة الإفلاس لولا أن الله سلّم، إذ قام مؤسسوه بعملية دراماتيكية استطاعوا خلالها إعادة الحياة إليه قبل أن تقام عليه صلاة الميت.
أنا أدعو هذا اللص العربي الأصيل أن يحذو حذو اللص الألماني ويعيد المسروقات تعاطفا مع هذا المنكوب سابقا، فالعرب كرام لا يسرقون كما يفعل بعض المسئولين في الوطن العربي
العدد 599 - الإثنين 26 أبريل 2004م الموافق 06 ربيع الاول 1425هـ