بعيدا عن حسابات الحرب وايديولوجيا «الحروب الدائمة» التي تقودها كتلة الشر في «البنتاغون» بدأت تتكشف أمام الرئيس الأميركي حسابات من نوع آخر تتعلق بالاقتصاد والمال والقدرة على إنفاق الثروات من أجل حروب تبدو أنها لن تنتهي. فموازنة الحرب على أفغانستان (40 مليارا) أنفقت وتحتاج الإدارة إلى مزيد منها لاستكمال برنامج السيطرة. فالرئيس الأفغاني المعيّن (حميد قرضاي) يطالب القوات الأميركية بالبقاء لمدة عشر سنوات لتحقيق الأمن والاستقرار في بلاده. وموازنة الحرب على العراق (80 مليارا) أنفقت وتحتاج الإدارة الآن إلى أكثر من 4 مليارات دولار شهريا (36 مليارا في السنة) لتغطية نفقات الاحتلال في وقت تظهر نتائج الاستطلاعات فشل القوات الأميركية في استكمال سيطرتها.
الحرب اقتصاد في النهاية. فهي تدمر من جهة وتنفق من جهة أخرى على قطاع الصناعات العسكرية لتلبية طموحات كتلة ايديولوجية عنصرية تقود العالم إلى المزيد من الكراهية والإرهاب في وقت تشير تقارير منظمة «الفاو» التابعة إلى الأمم المتحدة إلى حاجتها الملحة إلى مبلغ لا يتجاوز 4,5 مليارات دولار فقط لإنقاذ حياة 110 ملايين إنسان يعانون من الفقر والجوع في العالم.
إنه طمع الأغنياء والجشع في حب تكديس الثروة وحرمان معظم شعوب العالم من حق الحياة بشرف وكرامة وضمن الحد الأدنى المطلوب للإنسان.
إنه طمع الحروب وجشع تكديس الثروات حتى لو كان الهدف يتحقق بواسطة الحروب والقتل العشوائي ونشر الأحقاد وظلم الأبرياء. فأميركا الغنية طامعة في أن تزيد ثروتها على حساب الاقتصاد العالمي. وأغنياء العالم يطمعون في زيادة ثرواتهم في وقت يهدد الجوع والمرض حياة أكثر من 110 ملايين إنسان في العالم.
وبحسب تقرير منظمة «الفاو» هناك 200 رجل في العالم تفوق ثروتهم ألف مليار دولار. ووفق التقرير نفسه هناك 500 ملياردير في العالم تساوي ثرواتهم دخل 50 في المئة من سكان الأرض. أي ان استقطاب الثروات لم يعد يقتصر على الدول الغنية على حساب الدول الفقيرة بل وصلت الأزمة إلى الدول الغنية نفسها من حيث استقطاب الأغنياء الثروات في الدول الغنية أيضا.
قبل ثلاثة أيام جرت في واشنطن تظاهرات ضخمة ضد «حروب بوش» في العالم وطالبت إدارة البيت الأبيض بالاهتمام بظروف البلاد الصعبة وتصاعد معدل العاطلين عن العمل والتمييز الفاضح ضد النساء وإهمال القطاعات التربوية والصحية.
التظاهرة قادها الحزب الديمقراطي وضمت مئات آلاف النساء من كل أنحاء الولايات الأميركية وتركزت في معظمها على قضايا داخلية إلا أنها في النهاية تشكل نقطة في بحر من المشكلات التي بدأت تظهر على الاقتصاد العاجز بعد تورط إدارة الحزب الجمهوري في حروب مفتعلة كان بالإمكان الاستغناء عنها.
الحرب اقتصاد في النهاية. فهناك فئة مستفيدة منها (الصناعات العسكرية ومافيات شركات الطاقة) وهناك فئات متضررة منها وهي الأكثرية الساحقة من العالم. المتضررون كثر ولكن هناك شريحة كبرى من الأميركيين مستفيدة من طموحات «كتلة الشر» ورغبتها في السيطرة على العالم بأي ثمن. والثمن في النهاية يتركز على الاقتصاد وهو الموضوع الأهم بالنسبة إلى دافع الضرائب الأميركي.
إدارة بوش في أميركا أقدمت على اتباع سياسات تدميرية لفئات واسعة من الناس مستفيدة من مشاعر الغضب التي انفجرت بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فالإدارة مثلا في خطوة منها لكسب الأغنياء إلى صف سياستها الدفاعية أقدمت على خفض الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع (الملياردارية) فانتهى الأمر إلى حرمان الخزانة من موارد مالية تقدر بـ 1700 مليار دولار سنويا. فالإدارة خفضت دخل الخزينة في وقت هي تحتاج إلى المزيد من الأموال لضخها في آلات الحرب وجيوشها المنتشرة في العالم.
أدى خفض الضرائب على دخل الأغنياء وزيادة الإنفاق على الحروب إلى ارتفاع معدل العجز في الموازنة الأميركية من 375 مليارا في العام 2003 إلى 500 مليار دولار في العام الجاري. وهذا العجز الهائل يرجح أن يرتفع في حال تواصلت «حروب بوش» وتوسع الانفاق على القطاع العسكري. وهذا بدوره سيشكل ضغطا على القطاعات التربوية والصحية والبرامج الاجتماعية بسبب اضطرار واشنطن إلى الاقتطاع من جانب والتوظيف في الجانب العسكري.
«حروب بوش» يبدو أنها لن تنتهي إذا استمرت كتلة الشر في السيطرة على «البنتاغون». وهذا يعني المزيد من التورط وتوسيع جبهة الأعداء والعمل على نشر الكراهية لتبرير سياسة الإرهاب الأعمى الذي يضرب في كل الاتجاهات.
الحرب اقتصاد في النهاية. وحسابات بوش تبدو أنها بدأت تلاقي الصعوبات ليس في ميادين القتال فقط وانما في ساحات أميركا نفسها. وما شهدته واشنطن من مظاهرات تذكر بتظاهرات «الجوع» في العالم الثالث إلا البداية. والبقية تأتي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 599 - الإثنين 26 أبريل 2004م الموافق 06 ربيع الاول 1425هـ