المشكلات التي تواجه البحرينيين يرتبط كثير منها بواقعهم المعاش، وهو واقع تحدثت عنه شركة «ماكينري» في دراستها عن سوق العمل وكيف أن معدل الدخل للمواطن الاعتيادي انخفض (بدلا من أن يزداد) خلال السنوات العشر الماضية. والأخطر من ذلك هو أن الدراسة أشارت إلى أن الانخفاض يبدو أنه سيستمر والبطالة ستزداد ما لم تتحرك السياسات الاقتصادية في اتجاه آخر.
صحيح أن الغلاء - بحسب المؤشر الرسمي - يكاد لا يوجد في البحرين، ولكن هناك غلاء في أمور حياتية يغفلها المؤشر. فالسكن أصبح من الغلاء بحيث إن الهمَّ الأكبر للناس أصبح كيفية الحصول على قطعة أرض صغيرة لشرائها وكيفية بنائها. فأسعار الأراضي ازدادت وغلاؤها يصل إلى مئة في المئة او اكثر، وأسعار مواد البناء ازدادت بمعدل قرابة 30 في المئة بصورة إجمالية، هذا في الوقت الذي انخفض فيه دخل المواطن الاعتيادي.
القرى الجميلة سابقا أصبحت تعيش في منطقة صغيرة من أراضيها بعد أن باع أهلها الفقراء أراضيهم الزراعية بأسعار زهيدة في السنوات العجاف (التسعينات)، وأصبح هؤلاء القرويون متكدسين في غرف صغيرة بعضها آيل إلى السقوط. وفي حال جنوسان، مثلا، كانت هناك وحدات إسكان، ولكن عندما حان وقت التوزيع لم يحصل أهالي القرية منها على شيء. فجنوسان، وهي واحدة من أجمل قرى البحرين أصبحت الآن مجمعات للفيلل الراقية التي لا يحلم أبناء القرية العيش في واحدة منها أبدا، واختفت مزارعها، بينما بقي الفقراء فقراء كما هو وضعهم. وسار مازالت القرية الفقيرة، ولكن تحيط بها «مدينة سار» الكبيرة والجميلة والثرية التي لا يقطن فيها أهالي سار ولايحلمون بها. القرى، واحدة بعد الأخرى، هي نفسها القرى التي كانت، لم تتغير حالها، بل إن وضع بعضها ازداد سوءا... أزقة ضيقة غير مرصوفة، مشاهد لمزارع مدمرة أو أنها في طريقها إلى التدمير ومبانٍ يسكنها بعض الأهالي أشبه بمساكن الأشباح في أفلام الرعب.
الاهتمام الأول لبعض الهيئات الرسمية هو في حل جزء من مشكلة الإسكان، ولكن التنفيذ يبدو بطيئا؛ فلقد سمع الناس كثيرا عن ترميم البيوت الآيلة إلى السقوط وعن الوعود وعن الاجتماعات، ولكن السؤال: متى سيبدأ الترميم؟ ومتى سيكتمل؟ فترميم عدة مئات من هذه البيوت سيكون له أفضل الأثر على الفقراء - الذين ازدادوا - وليس لهم ناصر أو معين غير الصناديق الخيرية التي تركز على «سد الرمق»، لأن هذه هي إمكاناتها، و«لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، (البقرة: 286).
بعض الأثرياء - وهذا البعض قليل جدا وربما سينقرض قريبا - يرمم بعض المنازل ضمن برامج صغيرة وصامتة ويحتسبها جزءا من الزكاة الواجب عليه دفعها. ونحن بحاجة إلى برامج حثيثة من الصناديق الخيرية. بإمكان كل صندوق - مثلا - أن يصور عدة منازل في منطقته وأن يعرضها على بعض الأثرياء لترميم المنزل، على أن يتم توثيق ذلك وإثبات أن المال ذهب لأناس يستحقون وأن الترميم تم فعلا.
«المدينة الشمالية» أمل لأهالي القرى الشمالية، ووزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر قال إن ردم المنطقة سيبدأ في يونيو/ حزيران المقبل وإن البناء سيبدأ مطلع العام 2005 وسينتهي بنهاية العام نفسه، وإن قرابة 21 ألف وحدة سكنية ستوزع في العام 2006. وهذا يعني أن قرابة مئة ألف مواطن سيجدون لهم منزلا يحفظ كرامتهم في بلادهم، وسيشعرون أن الجهات الرسمية لديها برامج حقيقية لحل جزء من المشكلة المتفاقمة. البعض يتحدث (ناشرا إشاعات سلبية) أن المنازل لن توزع على أهالي المنطقة المحتاجين، ولكن لحد الآن فإن الجهات الرسمية تحدثت عن أن أصحاب الطلبات المقدمة منذ العام 1992 ومن المنطقة ذاتها ستكون لهم الأولوية. أملنا أن تسير الأمور كذلك، وأن تتسارع الحلول، لأن السكن أصبح ألما مستمرا للمواطن وانعدام الحل يعني انتشار الإحباط ... وبعد الإحباط ينتشر التطرف
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 599 - الإثنين 26 أبريل 2004م الموافق 06 ربيع الاول 1425هـ