يبدو أن جورج ميتشل، الذي حصل على احترام الجميع، قد حصل على فرصة جيدة في نزاع الشرق الأوسط، تماثل الفرصة التي حصل عليها الرئيس باراك أوباما في الأزمة الاقتصادية الأميركية.
الرهانات مرتفعة، إلا أن اللاعبين على استعداد للاستمرار في اللعبة بالأساليب القديمة الجيدة. وتماما مثلما سيحتاج الرئيس الجديد القوة الذهنية لمساعدته في عبور المنحنيات الصعبة، كذلك الأمر بالنسبة إلى ميتشل.
نجحت «إسرائيل» من خلال حرب غزة في إيجاد شعور باليأس بين الفلسطينيين من جميع الألوان والمسارات الحياتية. يشعر جميع الفلسطينيين بالغضب واليأس وغياب القيادة. الأخبار الجيدة بالنسبة لـ «إسرائيل» هي أن الفلسطينيين لا قيادة لهم تمثل في الواقع تطلعاتهم الوطنية. أما بالنسبة إلى المفكرين الإسرائيليين العقلانيين، يجب النظر إلى هذا على أنه أخبار سيئة كذلك.
قامت «إسرائيل» ولعقود عديدة بتكذيب وإضعاف الثقة بجميع الذين تفاوضت معهم وبشكل منهجي من خلال إتباع سياسات توسّع إقليمي وإذلال منهجي للفلسطينيين. كل ما يستطيع الرئيس محمود عباس إظهاره لشعبه هو أن رئيس وزراء إيهود أولمرت يحب أن يعانقه أمام الكاميرات. يجعل هذا التوجه الدافئ والمتسامح تجاه عباس، من دون أن يتم دعمه بأية إجراءات تترجم إلى وجود جليل للشعب الفلسطيني، يجعل من هذا العناق عناقا مع دب.
لم يُسمَح لعباس وجماعته إيصال أي من الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها للشعب الفلسطيني. أصبح يُنظر إلى قيادة فتح على أنها قوة شرطية هدفها كبح جماح الثورة، ونتيجة لذلك تجري مكافأتها من قبل «إسرائيل» بالتغاضي عن وتيسير ممارساتها الفاسدة واحتكارها لمواد وسلع أساسية متنوعة.
وحماس، التي قامت «إسرائيل» بإيجادها حسب روايات عديدة، مسجونة في قفص مع مليون ونصف من الفلسطينيين الذين تخبرهم «إسرائيل» بكل أسلوب وبتعابير لا لبس فيها أنه لا يوجد سبيل للخروج من الأزمة، باستثناء سبيل واحد هو الخروج. كذلك تقول لهم حماس أن السبيل الوحيد للعيش بكرامة هو الموت بكرامة.
وتقف الأنظمة العربية المجاورة التي بقيت رغم كل ما حدث وفيّة لمعاهدات السلام الموقعة مع «إسرائيل»، مكتوفة الأيدي في وجه المعارضة في بلادها والتي تشير يوميا إلى أحداث لا تلين من الظلم والمعاملة اللا إنسانية الحربية من قبل «إسرائيل» للفلسطينيين.
إذا أرادت «إسرائيل» أن تعيش بسلام في المنطقة فسيتوجب عليها الاستثمار في مستقبل المنطقة بأسلوب مختلف جدا عما فعلته حتى الآن.
يتوجب على «إسرائيل» أن تقرر ما إذا كان شرق أوسط مستقر هو في مصلحتها الوطنية. يتوجب عليها أن تبدأ الحوار الداخلي الضروري حول ما إذا كانت تريد حلا سلميا لنزاعها مع الفلسطينيين. يجب أن يحل ذلك محل الحوار الإسرائيلي القائم حول ما إذا كانت الحرب على غزة قد انتهت قبل أوانها. لا يمكن للحرب أن تحل هذا النزاع. ستنتهي كل حرب قبل أوانها لكلا الطرفين.
يبدو من جميع الجوانب أن الولايات المتحدة قد توصلت إلى نتيجة أن من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون الشرق الأوسط مستقرا، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في غياب الحل السلمي لهذا النزاع وإنشاء دولة فلسطينية قادرة على البقاء.
هذا الاختبار هو بالضبط ما أشار إليه الرئيس أوباما وبحق. إنه مستقبل الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين وحقهم في الحياة بكرامة وأمن، وسعيهم إلى الحصول على السعادة.
سيزيد عدد الفلسطينيين على الإسرائيليين خلال عشر سنوات، بحسب جميع الأساليب التي تستطيع فيها احتساب الأرقام. السؤال الذي يتوجب على الإسرائيليين الإجابة عليه داخليا هو: هل إنهم يبحثون عن سكان مشوهين يائسين لا ينفعون إلا لعمليات جمع القمامة كجيران لهم، أم عن جيران يحترمون أنفسهم وعلى استعداد لمشاركتهم في تحسين مستوى الحياة البشرية؟
ليس هذا طرحا خياليا في المثاليات. لقد بلغ هؤلاء الذين ولدوا في يوم انطلاق الانتفاضة الأولى سن العشرين اليوم. لم يرَ هذا الجيل فوائد السلام أبدا.
ورغم أن بإمكان الطمع أن يكون محفزا إلى درجة معينة، فإن الاستخدام الزائد للقوة والإسراف في القتل والتدمير سيكون لها أثر عكسي فيما بعد. ويشكل إيجاد أحياء مغلقة في غزة والضفة الغربية إسرافا مبالغا به.
أما بالنسبة للفلسطينيين فالوقت اليوم هو وقت الانضباط الوطني واستخدام جميع الموارد الوطنية لتحقيق الوحدة. تتطلب الكرامة الانضباط وليس الشعارات والسعي للحصول على التعاطف.
يتوجب على الفلسطينيين أن يبتعدوا عن الفصائل القديمة التي لم تخدم مصالحهم بشكل جيد في الماضي. وقد تفاوتت هذه الفصائل من الفاسد إلى غير المسئول إلى صانعي الملوك. لم تتصرف أي من قياداتها بأسلوب سياسي يتناسب مع تطلعاتها وطموحات شعبها.
يجب أن يكون هناك علم وطني واحد يكن له كل فلسطيني الولاء إذا أراد الفلسطينيون أن يحترمهم العالم كشعب. يملك الفلسطينيون في وسطهم ثروة كبيرة من المواطنين القادرين الذين يستطيعون تشكيل حكومة وحدة وطنية شفافة تستطيع حماية حكم القانون وحكومة تستطيع من خلال أعمالها أن تزرع مبدأ إمكان تحقيق سلام نبيل.
يجب أن يكون واضحا الآن لكل من له علاقة بأنه إلى أن يتم تحقيق الحرية فإن المفاهيم الديمقراطية للأحزاب السياسية أمور لا معنى لها ولا منطق. لن يكون الخيار حرا قبل ذلك الوقت.
هذا هو السبيل المشرق الوحيد إلى الأمام.
* محامية عربية أميركية وعضوة في فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2360 - الجمعة 20 فبراير 2009م الموافق 24 صفر 1430هـ