من بين الأمور التي أفرزت الكثير من اللغط والجدل على الساحة الوطنية موضوع السياحة التي ارتبطت بأذهان الكثيرين من أبناء الوطن بالناحية «غير النظيفة»، لما يرون ويسمعون عن الممارسات التي تجري في الفنادق والمرافق السياحية والتي تمسّ وترا حساسا جدا عند ابناء هذا الشعب المحافظ. من هنا «نفهم» كل ما كان يجرى بين فترة وأخرى هنا وهناك، من احتجاج على حفلة غنائية لمطربة لا تجيد غير فن «التخلع»، أو احتجاج على برنامج «شبابي» مقلّد إلى درجة السخف في التلفزيون، أو حتى مهاجمة بعض أوكار الدعارة أو بيع الخمور أو المطعم الذي أثير من حوله الشبهات.
نقول ذلك من دون أن نبررّ ما جرى أو ندافع عنه على الإطلاق، وانما نرى في تلك الحوادث حلقات متسلسلة يجمعها سياق واحد، وهو المسّ بذاك الوتر الحسّاس الذي يحرّك مشاعر قطاعات كبيرة من الشارع البحريني. من هنا شاهدنا نوابا في البرلمان يتزعمون الاحتجاج على مثل هذه الأمور، قبل أن تتحوّل القضية إلى حركة في الشارع، فالذي احتج أولا على نانسي عجرم نائب، والذي أسقط «الأخ الاكبر» نائب أيضا.
من لا يفقه حركة المجتمع ونبضه، تراه يضرب يمينا وشمالا كمن مسه طائفٌ من الجن، فيهاجم فئة هنا، ويسبّ جماعة هناك، ويتفنن في عرض مفردات قاموس شتائمه على الناس، ويطالب بإنزال أقصى العقوبات على «المجرمين» و«الخارجين على القانون»، ولا ينفك يذكّرنا بقانون أمن الدولة ومآثره «التي لا تعد ولا تحصى»، مطالبا بضبط الوضع و«الضرب بيد من حديد». وهو ينمّ بموقفه عن نقصٍ شديدٍ في فهم حركة المجتمع وجهلٍ بآليات وطبيعة الحياة الآخذة بالتشكل في مواجهة متغيرات متسارعة تأتي من النوافذ المشرّعة.
إذن ينبغي أن نفهم أن السياحة هي إحدى نقاط التماس الحسّاسة في مجتمعنا، قبل أن «نتطوّع» في توجيه الاتهامات والشتائم إلى الناس. هذا من جانب، ومن جانب آخر، علينا أن ننظر إلى الجانب الآخر من العملة، والكلام هنا موجه إلى قطاعات أخرى من المجتمع التي يهمها وضع البلد، وذلك بالبحث عن البدائل عن تلك السياحة «الهابطة» والمخجلة، فمن أسهل الأمور أن تنتقد الأوضاع الخاطئة أو الفاسدة، ولكن من الصعب أن تقدّم البديل. وما أسهل الهدم، ولكن ما أصعب البناء.
وفي هذه الأيام تستضيف البحرين ملتقى «أصيلة» للثقافة والفنون، وتشمل فعالياته عددا منوعا من الأنشطة، موزعة بين أعمال الرسم والحفر والتصوير الفوتوغرافي والمسرح والفنون والمحاضرات الثقافية والأمسيات الشعرية. برنامج تشمّ منه رائحة التنوع كالبهارات، ولا شك أن الجمهور يجد فيه بعض ما يرضي ميوله على الأقل. مثل هذه المناسبة تدفع إلى السؤال: ألا يشكّل ذلك أحد البدائل «النظيفة» للسياحة الشائهة و«غير النظيفة» التي طالما أثارت النفوس والقلوب والزوابع؟ ألا يحقّ لكل الحريصين على هذا الوطن أن يشجعوا مثل هذه الأنشطة النظيفة ويطالبوا بتوسعة مثل هذه الفعاليات التي لا تشوبها الشوائب؟
وجريا على المنوال ذاته نسأل: أين بعض الأطراف الفاعلة على الساحة من المشاركة؟ أين الجمعيات الفنية والشبابية؟ لماذا لم يشارك المرسم الحسيني تحديدا في هذا النشاط الفني الكبير؟ ما المانع من المشاركة بعد أن أصبح جمعية معترفا بها رسميا؟ وتلك المجاميع الشبابية النشيطة التي أنتجت الأفلام والمسرحيات في موسم عاشوراء، أين هي من هذه المناسبة التي تمثل جسرا للتواصل بين الشعوب؟ المشاركة تعني فيما تعني دعما للمشروعات النظيفة مقابل البرامج الهابطة، فلا يكفي أن تلعن الظلام، بل المطلوب أن تشعل شمعة في هذا الليل البهيم
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 598 - الأحد 25 أبريل 2004م الموافق 05 ربيع الاول 1425هـ