الموقف الإيراني من موضوع الطاقة يقوم حتى الآن على ثلاثة أجزاء، الأول له صلة بالمواثيق الدولية ومعاملة كل الأطراف بالمثل من دون تمييز بين دولة «شرق أوسطية» وأخرى، والثاني له صلة بالأمن وحق كل دولة في بناء قوة دفاعية تحميها من المخاطر الخارجية في وقت تخلت دول مجلس الأمن عن دورها في ضبط التوازن وخرجت واشنطن ولندن على الحياد المطلوب لاحتواء مصادر التوتر والاضطراب في العالم، والجزء الثالث له صلة بالاقتصاد وحاجة السوق الإيرانية إلى مزيد من الطاقة لتلبية توسع حاجاتها الداخلية.
المسألة الأخيرة المتعلقة بالاقتصاد تعتبر مهمة في دولة تخطط لمستقبلها وتريد حفظ حقوق الأجيال المقبلة وضمان توازنها الداخلي بين ارتفاع نسبة سكانها وضرورة نمو اقتصادها لمنع حصول الخلل بين الازدياد في تعداد السكان واتساع السوق لسد حاجات الاقتصاد في المستقبل. فإيران فعلا بحاجة إلى مصادر طاقة بديلة لتخفيف اعتمادها على قطاعي الغاز والنفط.
وذهاب طهران الى البحث عن مصادر بديلة توفر عليها استنزاف ثروتها النفطية مسألة شرعية لأنها تمس أمن مستقبلها وتطور اقتصادها بشكل يلبي نمو حاجاتها الداخلية من دون اخلال بالتوازن بين كفة السكان وكفة الثروة وتوزيعها العادل.
وفي حال أعيد قراءة الموقف الايراني من ناحية اضطرارها الى بذل الجهود في مجال الطاقة نجد أن طهران عملت في العقود الأخيرة على خطين الأول انشاء محطات نووية لتوليد الطاقة، والثاني تطوير قطاعها النفطي لرفع احتياطاته حتى يتناسب مع حاجاتها المتزايدة. فهي في الوقت الذي كانت تبحث فيه عن بدائل كانت تعمل على تطوير قطاعها النفطي فنجحت مثلا في رفع تقدير احتياطها في السنوات الأخيرة بنسبة زادت على 36 في المئة. ويقدر الآن الاحتياط الايراني من النفط بنحو 131 مليار برميل.
وبسبب هذا النمو في تقدير نسبة الاحتياط باتت إيران تتمتع بموقع أفضل من السابق، فهي تملك احتياطات أكثر من اجمالي الكميات الموجودة في الولايات المتحدة وأربعة أضعاف احتياط النفط الجزائري مثلاّ. ويعود الارتفاع في تقدير كمية الاحتياط الى تحديث وسائل استخراج النفط من الآبار القديمة أو تلك التي اكتشفت حديثا.
إلا أن ثروات إيران أكثر بكثير من المكتشف وهي تحتاج الى تقنيات حديثة ومساعدات في الخبرات إضافة الى استثمارات خارجية لتطوير بنية قطاع الغاز/ النفط تقدر بنحو 30 و40 مليار دولار لاستكمال دراساتها وتنقيباتها عن الموجودات.
تشجيع الاستثمارات نقطة مهمة في المسألة الاقتصادية وتنمية استخراج الثروات وهذا لايأتي إلا بعد تحقيق الاستقرار السياسي وضمان الأمن الاقتصادي الطويل المدى وأيضا اجراء سلسلة تعديلات قانونية تشجع على الاستثمار وتحمي الرساميل الأجنبية الموظفة في قطاعات الانتاج والتنقيب.
المسألة السياسية مهمة لتحسين الوضع الاقتصادي وهذا بدوره مرتبط بالاستقرار وضمان الأمن ومنع التهديدات الخارجية التي تضر بسمعة البلاد أو تمنع على الدولة الحق في البحث عن وسائل لحماية السيادة والاستقلال.
لاشك في أن إيران على كل الصعوبات السابقة نجحت بنسبة عالية في تحقيق الاستقرار السياسي الداخلي وهذا ما سمح لها بتوسيع دائرة تحالفاتها وساعدها على ربط نموها الاقتصادي بشبكة من العلاقات التي تحصن الأمن الوطني وتحميه من التدخلات الخارجية... وربما يكون هذا النجاح هو وراء إثارة غضب اللوبي الصهيوني في واشنطن الذي يعمل دائما على تحريك الملف النووي والضغط على الادارة الأميركية للتعجيل في حل مشكلة مفتعلة. والقصد في النهاية اضعاف موقع طهران في المعادلة الاقليمية ومنعها من تطوير طموحاتها الرامية الى تحقيق التوازن الاقتصادي والبحث عن بدائل للطاقة النفطية، واجبارها على التخلي عن سياسة تشجيع الاستثمار والتنقيب عن مواقع الثروات الطبيعية.
«إسرائيل» تعلم ان نجاح إيران الاقتصادي يعتمد بشكل أساسي على الاستقرار السياسي وضمان الأمن الوطني وهذا ما لا تريده على الأمدين المنظور والبعيد المدى... ولذلك تلجأ دائما إلى تحريك الملف النووي لدفع الولايات المتحدة الى التحرك الدولي والضغط على طهران من خلال رسائل التهديد والوعيد مباشرة من البيت الأبيض أو مداورة من طريق الاتحاد الأوروبي أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إيران حتى الآن لم تغادر مواقفها الثابتة فهي تربط حقوقها بالمواثيق الدولية ولا تفصلها عن موضوع الأمن (الاستقرار السياسي) ومسألة الاقتصاد.
فالأجزاء الثلاثة مترابطة وهي في النهاية تشكل مجتمعة حصانة للمستقبل وضبط التوازن بين الإرادة والحق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 598 - الأحد 25 أبريل 2004م الموافق 05 ربيع الاول 1425هـ