العدد 597 - السبت 24 أبريل 2004م الموافق 04 ربيع الاول 1425هـ

العراق... من «أمن القبور» إلى «ديمقراطية» شعب اللّه المختار!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة قول ايراني معبر يحضرني هذه الايام بقوة وانا اتابع الملف العراقي الشائك والذي يزداد تشابكا وغموضا على قوات الاحتلال الاميركي مع كل يوم جديد يمر على تورطهم في المستنقع العراقي، والذي عادة ما يرد ذكره عندما يكون المرء قد ذهب بعيدا جدا في سوء تقديره للموقف وغرق بل غاص عميقا في سوء الفهم وقراءة الحدث ونص القول هو: «خسن وخُسين ثلاثتهم بنات مغاوية» والعاقل تكفيه الاشارة!

منذ اليوم الأول الذي قرر فيه الاميركيون التعامل مع الملف العراقي بقوة سواء هربا من فشلهم في المواجهة المفتوحة مع «القاعدة» وما سمي بالحرب العالمية على الارهاب، أو من أجل اعتماد العراق «قاعدة» جديدة للانطلاق بمشروع الهيمنة الجديد على العالم، وهم يتخبطون في قراءة المشهد العراقي ولم يحسنوا في اية مرحلة التعامل معه بعقلانية أو منطقية تفيد بفهمهم ولو لعرف واحد أو تقليد واحد أو قانون واحد من قانون حركة المجتمع العراقي ناهيك عن المزاج العام الذي يحكم هذا البلد الغني بحضارته وثقافته وحسه الضارب عميقا في الانسانية.

لقد ظن الاميركيون في البداية خطأ بانهم ذاهبون إلى بلد «ميت» لا يفقه شيئا من عالم «المدنية» الغربي ولا قواعد الحركة والحيوية والتقدم الانساني باعتبار ان الطاغية صدام حسين الذي ظل يحكم البلاد لعقود ثلاثة متتالية قد حول العراق إلى بحيرة راكدة مستقرة لا تتنفس فيها إلا «الاموات» وبأمر من الطاغية وتلبية لحاجاته في كل مرحلة، وهو ما كان بالفعل، لكنهم لم يفقهوا ولن يفقهوا بأن «امن القبور» هذا الذي يشيعه الطغاة والمستبدون عندما ينقشع عن سماء الشعوب الحية والعراقيون منها، انما يفتح افاقا لا يمكن تصورها أو فهمها أو تحليلها لا من قبل العساكر الغزاة ولا أدلائهم «المتعلمون» في الجامعات الغربية النمطية، ولا من قبل «فصائل» الاستدعاء الجاهزة للعمل في خدمة مخابرات هذه الدولة أو تلك ولا من قبل سماسرة الحروب وتجار السياسة بل ويعجز عن فهمها حتى «النوابغ» من الوسطاء الطيبين والسذج الذين يريدون التذاكي على شعوبهم مرة وعلى الاجنبي مرة أخرى ظنا منهم بانهم قادرون على كسب الحسنيين!.

بعد مرور سنة فقط على سقوط الطاغية وانقشاع سحب «أمن القبور» اكتشف الاميركيون وأدلائهم ومستشاروهم الرسميون وغير الرسميين بأن افراد الشعب العراقي في غالبيته العظمى لا يحتمل وجود الاجنبي الغازي والمحتل لبلده حتى لساعة اضافية واحدة، بل هو مستعد «للتمرد» ومقاومة املاءاته ولو بأضعف الايمان ان لم يتسن له اظهار تلك المقاومة بالطريقة المناسبة لظروف قاهرة.

فبالاضافة إلى ما حدث في الفلوجة منذ اليوم الأول وفي مناطق اخرى اتسعت جغرافيتها مع الايام لتشمل كل الطيف العراقي بخريطته القومية والعرقية والمذهبية والدينية والجغرافية، اكتشف المحتل الغازي بأنه غير مرحب به حتى من قبل العناصر الامنية العسكرية التي دربها و«صرف» عليها من اجل اليوم الموعود!

لقد كان رفض عناصر من الفرقة 36 من الجيش العراقي الجديد القتال في الفلوجة ضد اهلهم واخوانهم والتحاق افواج من الشرطة العراقية بالزعيم مقتدى الصدر في البصرة والكوت والنجف وكربلاء والقائم... بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لقوات الاحتلال وعملائه وادلائه من المرتزقة القلائل الذين ظلوا مصرين على «التفاخر» بقتال اخوانهم بحجة مقاتلة «الارهاب» والعنف والدفاع عن المسار الديمقراطي.

المتتبعون للمؤتمرات الصحافية اليومية التي يجريها العسكريون الاميركيون سرعان ما يكتشفون الهوة الموجودة بين فهم وقراءة الصحافي العراقي وبين «فهم» وقراءة المسئول العسكري الاميركي وعمق الهوة بينهما، وابرز مثال على ذلك الاسئلة المحرجة والدقيقة والجريئة التي يطرحها البعض - مثال صحيفة «الزمن الآن» التي ادهشت الجنرال كيميث واخرجته عن طوره - والتي امتدت لتشمل حتى الاجهزة الاعلامية العاملة تحت اشراف قوات «التحالف» أو المحسوبة عليهم وتلفزيون «العراقية» - كأن يظهر احدهم ليقول انهم - اي الاميركيون - لا يفرقون بين عراقي وعراقي و... وذلك بعد مقتل اثنين من العاملين في تلك الفضائية برصاص قوات الاحتلال.

وحدهم السذج والمغفلون أو المنخرطون في «مشروعات» قوات الاحتلال يصدقون لبعض الوقت «الكلام» اللامسئول عن الزعيم العراقي الوطني صاحب التراث الجهادي مقتدى الصدر - اتفقنا معه بالتحليل وتقدير الموقف أو اختلفنا لا فرق - الذي تردده قيادة «التحالف» وكذلك ما يروجونه عن كون مقاومة المدن العراقية وفي طليعتها الفلوجة من خلال نسبها لغير العراقيين او للبطل الكارتوني ابومصعب الزرقاوي!

لقد رددها شاه ايران من قبل وفشل، وكررها صدام حسين ورأينا إلى اين وصل! والاميركيون بإمكانهم العودة باسرع ما يمكن لانهم مغفلون من الاساس والاصل.

يُجمع كل من يعرف العراق عن قرب وبعمق بأن المقاومة العميقة والاساسية لم تبدأ بعد. وينصح هؤلاء الاميركيين بالاذعان لحقائق العراق الجديد الذي يريد صنعه العراقيون. وان يبتعدوا سريعا عن وهم صناعة عراق جديد تقوم قواعده على «ديمقراطية» «شعب الله المختار» أي الخير والخير كله والازدهار للشركات اليهودية والصهيونية المتعددة الجنسية، والمعاناة كل المعاناة للعراقيين كل العراقيين.

لابد للاميركيين ان يذعنوا قبل فوات الاوان بان مرجعية علماء السنة ومرجعية النجف وكربلاء والقيادات الصدرية الجهادية هم من يمثلون الملايين الملايين من الشعب العراقي الحر والشريف الذي لم ولن يرتضي الذل مثله مثل كل الشعوب الحية ومن حقه ان يحظى باستقلاله ويختار هو بنفسه ديمقراطيته المناسبة، اما الذين يريدون تصوير ما يحدث في العراق بانه عمل «مجاميع» مرسلة أو ممولة من الخارج ومن ثم الترويج لدور ايراني مرة وآخر سوري مرة اخرى فقد ثبتت ركاكتها من جهة وقصر نظر مروجيها وخذلان الحقائق العراقية الدامغة لهم من جهة اخرى.

من المفيد هنا الاشارة إلى ان اعدادا متزايدة من العراقيين بدأت تشكك بصدقية الانباء التي كانت ولاتزال تنسب عمليات التفجير والقصف الصاروخي الموجه للمدنيين العراقيين ومراكز الشرطة الى جهات عراقية معينة أو إلى تنظيم القاعدة، فيما بدأت اصابع الاتهام تتجه اكثر فاكثر نحو مجندين مرتبطين بقوات الاحتلال تحركهم بهدف اثارة فتن الحروب الطائفية أو الاهلية، وكلا الفتنتين موءودتين باذن الله كما تؤكد انباء الوحدة الوطنية العراقية المتنامية.

رئيس «منبر الحوار العربي الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 597 - السبت 24 أبريل 2004م الموافق 04 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً