يبدو ان شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي الذي كان احسن الأشهر حتى الآن لادارة بوش سيكون الاسوأ لها ولقواتها في العراق. فبسبب التمكن السريع من اسقاط نظام ديكتاتوري ارتفعت شعبية بوش الى اعلى مستوياتها بعد تمكن قواته من القصاص من نظام صدام الذي طالما شكل هاجسا للادارات الاميركية المتعاقبة منذ سقوط جدار برلين. غير ان أبريل نفسه من العام الحالي حمل أكبر الخسائر للقوات الاميركية، فقد أظهرت احصاءات وزارة الدفاع (البنتاغون) ان حصيلة القتلى في صفوف القوات الاميركية الشهر الجاري ارتفع إلى مئة حتى قبل انقضاء الشهر، وتمثل هذه الحصيلة حتى الآن اعلى حصيلة شهرية منذ احتلال العراق.
وتقول الاحصاءات ذاتها إن 50 جنديا أميركيا وموظفين مدنيين اثنين يعملان بوزارة الدفاع قتلوا بالعراق في مارس/اذار الماضي. ولا يتضمن هذا الاحصاء المقاولين الاميركيين الاربعة الذين قتلوا في الفلوجة. وكانت اعلى حصيلة مسجلة للقتلى الاميركيين هي 82 جنديا في هجمات للمقاومة العراقية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003.
ومثل هذه الاحصاءات تطرح سؤالا عن الشكل الذي ستصير اليه البلاد بعد تسليم السلطة في أقل من 70 يوما، سيما في ظل تصاعد الهجمات من جديد والتي لا تستهدف الاحتلال فقط وانما المتعاونين معه من العراقيين والغربيين. فضلا عما تطرحه من تداعيات سياسية لا فقط لجهة تأثيرها على ادارة وشعبية بوش، وقد تحول الملف العراقي والتورط الاميركي فيه ليصبح واحدة من أربع قضايا رئيسية في سباق الانتخابات الرئاسية بين المرشح الديمقراطي جون كيري والجمهوري بوش، ولكن ايضا لجهة الخسارة السياسية على صعيد حشد الحلفاء.
وقد تجاوز الشهر الحالي في مضاعفاته الشأن العسكري نحو الشأن السياسي، اذ مثل قرار رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ثاباتيرو بسحب قوات بلاده نكسة لجهود ادارة بوش لدعم صورة التحالف، وما أثاره من قلق من تأثير ما يعرف بنظرية «الدومينو»، إذ قد تقدم دول أخرى على سحب قواتها. وهو أمر لم تستبعده مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندليزا رايس عندما توقعت أن تقوم عدد من دول التحالف بإعادة تقييم مشاركاتها في العراق بعد قرار مدريد، إذ قالت: «نعلم أن هناك دولا أخرى ستقيم من جديد مخاطر البقاء في العراق، وأن 34 دولة تشارك حاليا بقواتها في العراق، ومن الواضح أن ذلك سيتغير».
وعلى رغم محاولات التقليل من شأن سحب 1300 جندي اسباني، بالقول انه لا يمثل خسارة عسكرية كبيرة في ظل وجود نحو 180 ألف جندي في اطار تحالف متعدد الجنسيات تقوده الولايات المتحدة في العراق، الا أن سحب القوات الاسبانية سيكون له تأثير ملموس على الأرض، سيما مع إعلان الولايات المتحدة حاجاتها للآلاف من القوات الاضافية في العراق، فضلا عما تلعبه القوات الاسبانية من دور مهم في العراق، وخصوصا في مدينة النجف الاشرف التي تشهد بوادر صدام عسكري واسع بين ميليشيا جيش المهدي التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر وقوات التحالف.
وفي خطوة لا تخلو من بعد نظر سياسي دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنصاره إلى وقف الهجمات على القوات الإسبانية في مدن الجنوب العراقي، داعيا الشعب العراقي إلى «المساهمة في الحفاظ على سلامة هذه القوات حتى عودتها إلى بلدها مادامت ملتزمة بعدم الاعتداء على الشعب العراقي». ويبدو ان هذه الخطوة تستهدف تشجيع نظرية الدومينو لتقوم بدور كرة الثلج الدافعة لسحب دول أخرى لقواتها، خصوصا في ظل تقارير تتحدث عن ان البرتغال قد تحذو حذو إسبانيا قريبا، كما انه من المعروف أن كازاخستان لن تقوم بإحلال قواتها بعد أن تنتهي مدة خدمتها الحالية في العراق.
ويبدو ان الزعيم الديني الشاب ماضي قدما في تحديه للقوات الاميركية، اذ اشتبكت ميليشياته مع القوات الاميركية تحديدا الاثنين الماضي في الشمال من الكوفة، وكانت من نتيجة الاشتباكات صد محاولة 12 آلية أميركية من دخول المدينة واجبارها على الانسحاب، وإحراق آلية وأسر أخرى، فضلا عن جرح 14 جنديا أميركيا، وشوهدت الآلية يركبها عدد من عناصر جيش المهدي وهي تتجول في شوارع المدينة التي تزدحم بالزوار القادمين الى النجف لإحياء ذكرى وفاة الرسول محمد (ص)
العدد 595 - الخميس 22 أبريل 2004م الموافق 02 ربيع الاول 1425هـ