حذر آية الله السيد محمد حسين فضل الله من أن الولايات المتحدة و«إسرائيل» تنسقان للإطاحة بالبقية الباقية من قواعد القانون الدولي. وأشار إلى أن ملاحقة «إسرائيل» لقادة حماس خارج فلسطين سيشعر الفلسطينيين بأن لهم الحق في ملاحقة الإسرائيليين في العالم، مبديا خشيته من فوضى جنونية قد تتطاير شظاياها بعيدا عن ساحة الشرق الأوسط بفعل التغطية الأميركية المطلقة لجرائم «إسرائيل». ودعا دول الاتحاد الأوروبي إلى التحرك ميدانيا بعد اعتراضها على المواقف الأميركية؛ لأن العالم قد يصبح من دون مظلة قانونية ودولية.
وسئل في ندوته الأسبوعية عمن يحمي القانون الدولي من الانتهاكات بعد المواقف الأميركية الأخيرة الداعمة لإسرائيل؛ فأجاب: على رغم الكم الكبير للمفردات والمصطلحات التي أدخلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة على من تصنفهم كخارجين على القانون الدولي فإنهم رفضوا الخضوع للسياسة الأميركية، كالدول التي صنفها الخطاب السياسي الأميركي بأنها «مارقة»، أو كتلك التي وضعها في خانة الدول الداعمة للإرهاب، أو التي صنفها في دائرة «محور الشر»، فإن الولايات المتحدة تكاد تستأثر بمجموع الأرقام في الخروج على القانون الدولي وفي نسف البديهيات الأولى لحقوق الإنسان في العالم، ولا يدانيها في هذه الأرقام إلا «إسرائيل» التي تحولت إلى هراوة أميركية في المنطقة، وباتت تشكل التهديد الأول للسلام في العالم حتى بنظر الشعوب الأوروبية، ووفق استطلاع الرأي الذي أجرته المفوضية الأوروبية نفسها.
وقال فضل الله: لقد تحول القانون الدولي على يد أميركا و«إسرائيل»، وخصوصا في العقود الأخيرة إلى ما يشبه الألعوبة التي تنتهك فيها كل الأعراف والقوانين باسم الحضارة والمدنية، وباتت وسائل الاحتيال على هذا القانون روتينية، إلى المستوى الذي أعطت فيه الإدارات الأميركية لنفسها الحق في تغيير أي نظام في العالم، حتى وإن انطلق من العنوان الديمقراطي الذي ترفعه السياسة الأميركية كلافتة، بل إن العقلية الامبراطورية التي استحكمت بالإدارة الأميركية الحالية أعطت لنفسها الحق في أن تنسف منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية في العالم عموما وفي المنطقة العربية والإسلامية خصوصا باسم التغيير، فباتت أوروبا الرافضة للسياسة الأميركية هي «أوروبا القديمة»، وباتت دول العالم العربي والإسلامي بمثابة الكيانات المتوحشة التي لابد من تغييرها بالسوط تارة وبدعوات الإصلاح التي تحمل في طياتها أهدافا بعيدة المدى تستهدف ذاتية الإسلام الفكرية ومنظومته الثقافية والعقيدية في الوقت الذي توحي بأنها تسعى إلى تغيير الأنظمة التي ولدت بمعظمها من الرحم الأميركي.
وتابع: لقد عملت الإدارة الأميركية على تحويل الأمم المتحدة إلى رافعة لتمرير مشروعاتها في العالم وأبرزها مشروع السيطرة على العالم العربي والإسلامي بثرواته وقراراته، ووضعت الأمم المتحدة وأمينها العام أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما التصديق على هذه المشروعات لتأخذ الحرب عنوان الشرعية الدولية كما جرى في العراق، وإما أن يقال للمنظمة الدولية إن عليها أن تتبع أميركا إلى حيث حطت رحالها بكل آلياتها وطائراتها وبارجاتها لتضع لمسة إنسانية على مسلسل جرائمها المتوالية.
وأضاف فضل الله أن حق النقض (الفيتو) الذي لا تستخدمه الدول التي تتمتع به إلا نادرا، بات سلاحا أميركيا فعالا لحماية «إسرائيل» في عدوانها وانتهاكاتها المتواصلة لحقوق الإنسان، وتحول إلى سلاح تواجه به العالم، وهكذا استطاعت أميركا - الإدارة أن تزيف الأمم المتحدة وتنسف قراراتها بأبسط الرسائل وأتفه التبريرات كما فعل الرئيس الأميركي قبل أسبوع عندما أسقط القرار 419 الذي ينص على حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم، كما مهّد الطريق لإسقاط القرارات الأخرى كالقرارين 242 و338، فضلا عن تحدّيه السافر للعالم كله عبر تشريعه للاستيطان ودعوته الفلسطينيين إلى الخضوع لما يريده شارون تحت عنوان التكيف مع «الحقائق» التي أفرزتها الوقائع على الأرض.
وأكد فضل: إننا في الوقت الذي نسجل ارتياحنا لصدور مواقف أوروبية بارزة ترفض هذا التحول الخطير في تحطيم قواعد القانون الدولي من قبل أميركا، وخصوصا مواقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي أعلن رفض بلاده «التلاعب» وفقا للظروف أو الأشخاص بالاستقرار الدولي وبقواعد القانون الدولي... وإعلانه أن هذا الأمر «خطير ومؤسف» فإننا نسجل على دول الاتحاد الأوروبي أنها أبقت مواقفها الإيجابية التي اعترضت فيها على هذا الاجتياح الأميركي المتواصل للقانون الدولي في نطاق الشجب والاستنكار، ولم تعمل على تحريكها في الميدان السياسي العالمي فرجحت كفة مصالحها الخاصة مع أميركا على مصير شعوب بكاملها، وربما على مصير البشرية بكاملها.
وأردف قائلا: إننا نخشى من أن أميركا التي اعترضت على مجلس الأمن الذي أقرّ محاكمة أية شخصية أو أي جيش يرتكب جرائم الحرب فاستبعدت نفسها واستثنت «إسرائيل» من ذلك، ثم عملت على تهديد الدول المعترضة... ستعطي لنفسها ولـ «إسرائيل» المزيد من الحرية في العمل على الإطاحة بالبقية الباقية من قواعد القانون الدولي لتعمل على استبدال القانون الدولي بقانون السيطرة الأميركية، وليكون الحلف الأطلسي هو هراوة أميركا في العالم، تماما كما أن «إسرائيل» هي هراوتها في المنطقة.
وخلص فضل الله إلى القول: إن الحديث الإسرائيلي الأخير عن أن لجيشها الحق في ملاحقة قادة حماس في أي مكان في العالم، سيشرع الأبواب أكثر لانتهاك القانون الدولي في الساحات الدولية والإقليمية المفتوحة، وسيُشعر الفلسطينيين بأن لهم الحق في ملاحقة المسئولين الإسرائيليين في العالم، ليتحول العالم إلى ساحة حرب مفتوحة بعدما كان الفلسطينيون قد حصروا مسألة المواجهة في الساحة الفلسطينية، ولكن التغطية الأميركية المطلقة لجرائم «إسرائيل» ستؤدي إلى نشر الفوضى في العالم بطريقة جنونية نخشى أن تتطاير شظاياها بعيدا حتى عن ساحة الشرق الأوسط وبما يتجاوز أيضا الساحة الأوروبية وغيرها من الساحات.
وختم بالقول: إن هذا الاستهتار الأميركي بالقانون الدولي وشرعنة كل جرائم «إسرائيل» والسعي إلى شرعنة احتلالها للعراق كما هو احتلال «إسرائيل» لفلسطين يجعل العالم من دون مظلة قانونية بعد سقوط الكثير من القواعد الأخلاقية والإنسانية في الأعمال العسكرية والسياسية، وهذا ما يحمّل الدول الحريصة على ما تبقّى من منظومة القيم الإنسانية العامة الكثير من المسئولية للتحرك بسرعة لضبط حركة الثور الأميركي الهائج وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر لا يسقط بأي حالٍ حقوق الشعوب في الدفاع عن نفسها وتقرير مصيرها، كما هو الحال في العراق وفلسطين
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 595 - الخميس 22 أبريل 2004م الموافق 02 ربيع الاول 1425هـ