العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ

وعد بوش لشارون وتصعيده القمع في العراق وعدم جدية العرب في الإصلاح

الشكوك تحيط بانعقاد قمة تونس في مايو

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

شككت مصادر دبلوماسية عربية بانعقاد القمة العربية في الموعد الذي تناقلته تقارير صحافية وهو الثامن من مايو/أيار المقبل، وقالت هذه المصادر إن التطورات الدراماتيكية الأخيرة على صعيدي القضيتين الفلسطينية والعراقية من تصعيد للعدوان الإسرائيلي المستند إلى دعم أميركي تمثل في وعد الرئيس بوش بشطب حق العودة للاجئين وإقرار الاستيطان اليهودي في الضفة، وتصاعد المقاومة العراقية الذي تسبب في زيادة تورط الولايات المتحدة التي تفتقد لاستراتيجية مخرج، إضافة إلى صعوبة قبول بعض الأطراف العربية بفكرة الإصلاح الشامل التي تدعو إليها تونس، كل تلك العوامل ستساهم في زيادة تأجيل انعقاد القمة العربية إلى أن يتم الاتفاق على إزالة سبب التأجيل، إذ تؤكد الحكومة التونسية التي تستضيف القمة السادسة عشرة، على أن زمان ومكان القمة هو مسألة شكلية وأن انعقادها يتطلب بالضرورة توافقا على المسائل الجوهرية. وليس هناك ما يوحي بتحريك البلدان العربية نحو رد فعل حازم تجاه تطورات الوضع الخطيرة.

وكانت تونس ذكرت في قرار تأجيل القمة الشهر الماضي أن موقفها كان ولايزال مبنيا على الدعوة للإصلاح الشامل الذي يشمل النهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز المجتمع المدني وتكريس مكانة المرأة كمواطنة كاملة الحقوق في الوطن العربي.

وأكدت مصادر دبلوماسية عربية أن تونس لم تكن تقف وحدها في قرار التأجيل، بل إن دولا عربية أخرى كانت تطالب بالتأجيل، إذ أعرب بعض كبار المسئولين العرب عشية انعقاد الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية عن رغبتهم بالتأجيل إلى موعد غير محدد لعدة أسباب حتى قبل حدوث الخلاف بشأن موضوع الإصلاح، منها الوضع الذي أوجدته «إسرائيل» باغتيالها الشيخ أحمد ياسين، إذ تسببت في تعقيد محاولات الدول العربية لإعادة إطلاق مبادرة السلام العربية التي اتخذتها قمة بيروت قبل عامين.

وقال مسئول عربي كبير إن الاغتيال قد غيّر المناخ بكامله، فالناس لايزالون في حال تحدي ويقسمون بالانتقام. وأضاف متسائلا: «كيف يمكن للرأي العام العربي أن يتعامل مع إعادة القمة العربية لإحياء مبادرة السلام الآن». وقال دبلوماسي عربي بواشنطن حديثا إن الأمر الآن قد ازداد سوءا بفعل وعد بوش الجديد واغتيال سلطات الاحتلال الإسرائيلي لقائد حماس في قطاع غزة عبدالعزيز الرنتيسي يوم السبت.

خلافات قدومي وشعث

وواجهت القمة العربية صعوبات عدة تتراوح بين التعامل مع الوضع في العراق في ظل الاحتلال الأميركي العسكري الذي لا يبدو في الأفق ما يشير إلى استعداد واشنطن إنهاءه، وما بين التعقيدات التي يطرحها شارون لمقايضة الانسحاب من غزة مقابل الاحتفاظ بسيطرة كاملة على أجزاء واسعة من الضفة تشمل الكتل الاستيطانية الست وطرقها الالتفافية وجدار الفصل، إضافة إلى قضية إصلاح الجامعة العربية ودعوات الإصلاح التي تعاملت معها الدول العربية بارتياب، فيما كانت هناك نية بعض وزراء الخارجية تقديم توصية بإدانة جماعية للهجمات ضد المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين (بما يعني ذلك من إدانة للعمليات الاستشهادية) إذ ذكرت مصادر مطلعة أن ورقة أردنية فلسطينية مشتركة قدمت بهذا الشأن، غير أن ياسر عرفات في أعقاب اتصال أجراه معه رئيس الوفد الفلسطيني فاروق القدومي نفى علمه بتلك الورقة، محملا نبيل شعث مسئوليتها طالبا سحبها، الأمر الذي فجر أزمة فلسطينية داخلية دفعت عرفات إلى إبلاغ القدومي بأنه لا يمانع من استقالة شعث. ومما صعب موضوع إدانة العمليات الاستشهادية وشطبها من التوصيات اغتيال الشيخ ياسين وعمليات الاغتيال الإسرائيلية المتواصلة لكوادر المقاومة والفلسطينيين العاديين في الضفة والقطاع.

وجاءت دعوات الإصلاح السياسي والديمقراطي العربية التي ناقشها وزراء الخارجية في القاهرة وتونس متزامنة مع دعوة أميركية تضمنتها مبادرة بوش للشرق الأوسط الكبير. ويقول خبراء ودبلوماسيون إن الفوضى التي أحدثها الاحتلال الأميركي في العراق تهدد خطة بوش لتشجيع إصلاحات ديمقراطية في المنطقة، إضافة إلى أنها أثارت انتقادات واسعة من دول عربية حليفة للولايات المتحدة.

وكان نشر الديمقراطية في الوطن العربي عنصرا رئيسيا في قضية حكومة بوش لشن الحرب على العراق واحتلاله، ويبدو أنها الدافع الأكثر أهمية في أعقاب الفشل في العثور على أسلحة دمار شامل أو ارتباط بين العراق والقاعدة، ولكن محللين يقولون الآن إن الأزمة في العراق أخذت تبرز كعقبة في وجه هذا الهدف بحد ذاته، وهي تزيد من تآكل الصدقية الأميركية المحدودة التي يحتاج إليها لتحريك الإصلاحات قدما.

وقد رفض الناطق باسم مكتب شئون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية، غريغ سوليفان الرأي القائل بأن الأزمة العراقية تقوض مبادرة الشرق الأوسط الكبير، وقال: «إنني لا أرى ذلك إطلاقا، بل على العكس فإن الإصلاح لايزال في مقدمة جدول الأعمال وأن الوضع في العراق يظهر أننا بحاجة إلى خطة إقليمية».

ضغوط أميركية متواصلة

وكان الرئيس بوش أعلن مبادرته في خطاب رئيسي ألقاه يوم السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلن فيه نهاية السياسة التقليدية التي تؤيد أنظمة حكم فردية ودكتاتورية من أجل الاستقرار، ولكن بعد تسرب المبادرة إلى الصحافة رد الزعماء العرب بغضب وسخروا من نية واشنطن الظاهرة في فرض الديمقراطية عن بعد من دون مشاورتهم. وتعتقد مصادر مطلعة أن رفض مقترحات الإصلاح من دول عربية ترى في الدعوة إلى مفاهيم الديمقراطية وحقوق المرأة مفاهيم مستوردة أو مفروضة من الغرب كان سببا لتأجيل القمة العربية. ويرى محللون أن المحاولات التي بذلت عشية انعقاد القمة العربية المؤجلة الشهر الماضي «لإفراغ الإصلاح من محتواه بالتمسك بمفاهيم تتناقض ومتطلبات العصر بدعوى الخصوصيات والتقاليد العربية والإسلامية» إنما تساهم في «إعاقة تقدم المجتمعات العربية وتدفعها إلى الوراء». ونفت مصادر مطلعة ما كان ذكر من أن اجتماعات وزراء الخارجية العرب في تونس كانت تسير بشكل جيد من دون مشكلات، فقد دعاهم وزير خارجية قطر إلى قبول المبادرة الأميركية «قبل أن تفرض عليكم بالقوة»، فيما قام الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشئون فلسطين سعيد كمال بتسريب ما جرى في الاجتماع، ما أثار ردود فعل سلبية. ومنذ ذلك الحين والحكومة الأميركية تواصل الضغط على الدول العربية للاجتماع وتقديم جدول أعمال خاص بها للإصلاح أمام قمة مجموعة الدول الثماني التي ستعقد في الفترة من 8 إلى 10 يونيو/ حزيران المقبل في سي أيلاند بولاية جورجيا الأميركية.

«الأوروبيون الشامتون لايصدقوننا»

ويقول مسئول أميركي إن من المنتظر أن يثير وزراء الخارجية العرب مجددا هذه المسألة في اجتماعاتهم المقبلة في القاهرة، غير أن محللين يعتقدون أن حكومة بوش تواجه مهمة صعبة بسبب العداء الهائل لها بين الشعوب العربية. ويعترف المستشار القانوني لسلطة الاحتلال الأميركي في العراق نوح فيلدمان «إن معظم العرب لا يعتقدون أننا جادون بشأن الديمقراطية في العراق، وهذه وجهة نظر يشاركهم فيها طبعا الكثير من الأوروبيين وعدد غير قليل من الأميركيين»!

وعلى رغم أن الأوروبيين يرحبون رسميا بالتورط الأميركي إلا أنهم قلقون من كونهم مرتبطين بشكل وثيق مع صورة واشنطن السلبية في المنطقة. ويرتبط الاتحاد الأوروبي منذ العام 1995 بحوار خاص مع الدول العربية في حوض البحر المتوسط فيما يسمى عملية برشلونة. ويعترف المسئولون الأوروبيون أنه على رغم زيادة المبادلات الاقتصادية والثقافية فإن أبعاد الإصلاح السياسي لمبادرة برشلونة قد تلكأت بصورة جدية وهم تواقون لإحيائها ولكن وفق الشروط الخاصة بهم. وقال دبلوماسي أوروبي كبير في واشنطن «إننا نريد أن نتابع عملية برشلونة والتأكد من أن المبادرة الأميركية لن تبتلعها».

وإلى أن يتم الاتفاق بين الدول العربية على تحديد موعد لانعقاد القمة فإن التونسيين الذين يصرون على استضافتها يردون على منتقديهم بأن نموذجهم (في الإصلاح السياسي والديمقراطي) ليس كاملا، وهم لا يقدمونه كنموذج للآخرين ليتبعوه، لكنهم يرون ضرورة أن يساهموا في اتفاق الدول العربية على مجموعة مفاهيم أساسية لا يمكن دخول العصر من دونها، ولا يمكنهم اجتناب الخوض فيها إذا ما أرادوا الخروج من دائرة الضغوط والإملاءات الأجنبية. غير أن مثل هذا الأمر سيبقى متروكا للزعماء العرب أن يقرروا ما إذا كان لديهم بالفعل مشروع قومي للإصلاح يتجاوز إملاءات الولايات المتحدة التي تدفع حاليا ليس فقط إلى إدماج الكيان الصهيوني في المنطقة كوكيل أصيل لها وإنما في دفع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليلعب دورا أكبر في المنطقة

العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً