العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ

فلسطين... والعودة إلى البدايات (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هذه التحولات السياسية (الدولية والإقليمية) أدخلت ديناميكية جديدة على العمل الفلسطيني المسلح وعززت نزعة الانقسام بين أهالي 1948 وأهالي ,,1967. إلا أن منطق الواقعية السياسية انتصر على الشعارات الأولى فاتجهت قيادة منظمة التحرير إلى المراهنة على العامل الدولي (الأميركي) لتحقيق الأهداف المرحلية. وهكذا كان.

لعبت الولايات المتحدة دورا في إنتاج سياسة فلسطينية جديدة، تتوجت في اتفاقات أوسلو وتفاهمات القاهرة وبيانات حديقة البيت الأبيض مستفيدة من سلسلة تغيرات في المنطقة مثل توقيع مصر اتفاقات كامب ديفيد واستعادة سيناء كاملة غير ناقصة، وحرب الخليج الثانية ومفاوضات مدريد ومشاركة سورية فيها، وأخيرا موافقة «إسرائيل» على قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعودة ياسر عرفات وكل قادة وقواعد فصائل منظمة التحرير إلى أراضي 1967.

دفعت القيادة التاريخية ثمنا غاليا مقابل هذه الضمانات الأميركية، فهي تخلت عن الكفاح المسلح، واعتذرت أمام العالم عن أساليبها السابقة، وهي تخلت عن مطالبتها بفلسطين كلها مقابل إعطاء ما تبقى منها وهي تلك التي احتلت في حرب يونيو/ حزيران.

إلى ذلك وقعت القيادة التاريخية الكثير من التنازلات ووافقت على الكثير من الشروط، وسكتت على الكثير من النقاط الحساسة، وقبلت بتأجيل الكثير من المسائل الخطيرة إلى مرحلة لاحقة. كان الهدف هو العودة الرمزية وتأسيس هياكل سلطة تعتمد على الخارج (ضمانات أميركية) في تقديم المساعدات وتطوير الأجهزة وإيجاد فرص عمل وغيرها من وعود بالدعم المالي والاقتصادي والدفاعي.

راهنت القيادة التاريخية كثيرا على الخارج (الولايات المتحدة) لاعتبارات عدة أبرزها ضعف الموقف العربي وعدم قدرته على المساعدة، انقسام الدول العربية على موضوع العراق في العامين 1990 - 1991 وتأثيره على التضامن العربي لدعم القضية المركزية، انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، احتكار الولايات المتحدة لمفاتيح اللعبة السياسية في دائرة «الشرق الأوسط».

كل هذه العوامل وغيرها أسهمت في إقناع القيادة التاريخية أنه لا بديل عن المفاوضات ولا بديل عن الولايات المتحدة في مساعدة الشعب الفلسطيني لنيل الحد الأدنى من حقوقه، وبالتالي لا توجد جهة غير واشنطن قادرة على إعطاء ضمانات لحماية السلطة الفلسطينية من شرور «إسرائيل» وأطماعها وتحايلها على القرارات الدولية.

أقفلت الإدارة الأميركية كل الطرقات الدولية والإقليمية والمحلية أمام القيادة الفلسطينية، وتركت لها طريق واشنطن مفتوحا فاتجهت موضوعيا وذاتيا نحوه. وبدأت التنازلات منذ ذاك الوقت على أمل أن تحقق الولايات المتحدة وعودها وتضغط على «إسرائيل» للوفاء بما التزمت به خطيا أمام العالم والرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون.

تنازلت القيادة التاريخية عن كل برنامجها السابق تقريبا، تخلت عن أكثر من 60 في المئة من فلسطين وقبلت بما تبقى منها، وافقت على عدم تأسيس جيش دفاع واكتفت بالأجهزة الأمنية والشرطة، لاحقت المعارضة الفلسطينية وزجت بقيادات حماس والجهاد في السجون. الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي مثلا اعتقلته أربع مرات وفي الأخيرة حلقت لحيته وكاد الأمر أن يتحول إلى فتنة أهلية لولا تدخل العقلاء واحتواء الإهانة.

كل هذا فعلته القيادة التاريخية مقابل وعود إسرائيلية بضمانات أميركية. كان رهان القيادة التاريخية على دينامكية الاتفاقات الموقعة، فهي كانت تظن أنها ستنتج آليات نفسية (بناء الثقة) مع القيادة الإسرائيلية فتبدأ بالانفتاح والقبول بالأمر الواقع والدخول سوية في تسوية تاريخية (سلام الشجعان كما كان يسميه عرفات). إلا أن الحسابات الفلسطينية لم تتطابق مع الانقلابات المزاجية التي حولت الاتفاقات الموقعة إلى مجرد أوراق للعب في النوادي الليلية.

راهنت القيادة الفلسطينية على جاذبية السلام ودوره في زرع الهدوء والازدهار والتقدم، وبالغت في اعتمادها على «الراعي» الأميركي. إلا أن الأمور سارت عكس رياح السلام. فمن جهة «إسرائيل» قامت الاتجاهات العنصرية المتطرفة باغتيال اسحق رابين وبعد الاغتيال بدأت عقارب الساعة تعد الدقائق عكسيا، فدخل شارون باحة المسجد الأقصى، ثم اندلعت الانتفاضة الثانية فجاء شارون إلى رئاسة الوزراء معلنا رفضه لكل تلك الاتفاقات التي وقعت في أوسلو والقاهرة وحديقة البيت الأبيض

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً