الفترة الزمنية بين التعهدات التي منحها مساء الرابع عشر من الشهر الجاري الرئيس الأميركي جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، ووعد بلفور الذي منح من أرثر بلفورنحو 78 عاما. وحتى لا ندخل في تفاصيل رياضية وحسابية، يكفي أن نقوم بتفصيل بسيط يتضح منه أن كلاهما واحد، فالأول من بوش والثاني من بلفور، والمضمون هو «إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق»، لذلك كان من الأجدر أن تسمى تعهدات بوش بـ «وعد بوشفور» لاتفاقهما في المضمون لأن كلاهما منح ما لايملك لمن لا يستحق. وفي قراءة تاريخية سريعة للوعد القديم وبصورة أكثر دقة، فقد تضمن ذلك الوعد المشؤوم «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى».
وفي قراءة مماثلة لتعهدات بوش فقد تضمنت «لا لعودة اللاجئين ولا لحدود 1967 ونعم لتكريس الاستيطان»، لتصبح صكا رئاسيا أميركيا مشؤوما، ووعدا جديدا أعطى بموجبه الرئيس بوش ما لا يملك مرة أخرى لمن لا يستحق، لكن هذه المرة ليس بوجه انجليزي وانما بوجه أميركي، وكلاهما وجهان لعملة واحدة.
وما من شك ان تعهدات بوش لشارون جاءت محاولة منهما لحماية مستقبليهما السياسي، ضاربين بعرض الحائط المستقبل السياسي لــ «اسرائيل» وللفلسطينيين وللمنطقة بأسرها للخطر. والأخطر في الموضوع محاولة شطب الرقم الفلسطيني الصعب من جديد، للقضاء على أي شيء يتعلق بالقضية والشعب الفلسطيني، متذرعين بالتغيرات الديموغرافية في المستوطنات اليهودية على حساب الشعب والقضية والأرض الفلسطينية. وتشير المعطيات الى أن هذه التعهدات لن يكتب لها نجاح في المستقبل المنظور على الأقل، فالأول غارقٌ في الوحل العراقي الذي أوصله إلى أدنى شعبية في بلاده، ويهدد احتمالات فوزه في الانتخابات الأميركية مرة ثانية، والثاني هاربٌ وفارٌ ومرتشي مهدد بالمقاضاة في بلاده بشأن تهم تتعلق بالفساد وسوء استغلال السلطة.
لقد اعطى بوش لشارون كل ما طلبه وتمناه، ولم يعط لعملية السلام أي شيء، ما يكرس الاوضاع المتوترة بل المتفجرة على الساحة الفلسطينية، وفي منطقة الشرق الاوسط على وجه العموم. والخطير في الموضوع أن بوش وشارون يقرران مستقبل شعب في ظل صمت عربي غريب، والسؤال الملح: هل سيسمح العرب والفلسطينيون بتحقيقها ويكتفون بالتنديد والاستنكار كما هو الحال كل مرة أم سنرى جهادا فلسطينيا كبيرا وحلا للسلطة الفلسطينية ونخوة عربية كبيرة لم نشهدها من قبل لدحض ما هو معروف بأن كل ما تتمناه «اسرائيل» تدركه؟
الجواب واضح: ان العرب سيكتفون كما هو الحال كل مرة بالتنديد والاستنكار والقول إن التعهدات الأميركية أعطت لدولة لا حق لها لتقرير مسألة وقضية شعب من دون وجه حق باسقاطها قرارات الشرعية الدولية وسياسات سابقة وتثبيتها لحقائق الاحتلال المتناقضة مع المواثيق والقوانين الدولية، وأنا على قناعة أن العرب سيجدون انفسهم ودون إرادتهم شركاء في تنفيذ هذه التعهدات. وفلسطينيا علينا تهيئة بنيتنا السياسية على الأرض لمواجهتها مهما كلف ذلك من ثمن
العدد 593 - الثلثاء 20 أبريل 2004م الموافق 29 صفر 1425هـ