العدد 592 - الإثنين 19 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ

هل مازال الحديث مبكرا عن انتخابات الرئاسة الإيرانية؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثارت تصريحات العضو البارز في حزب كوادر البناء (إصلاحي معتدل) حسين مرعشي عن اعتقاده بوجوب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل مايو/أيار 2005 ردود فعل مختلفة أبرزها من تمثّلات الجناحين الرئيسيين (اليمين واليسار). وعلى رغم اعتبار عضو اللجنة المركزية لكوادر البناء علي هاشمي تصريحات مرعشي «تُمثل رأيا شخصيا» وأن الحزب «لم يطرح مثل هذا الموضوع» فإن أهمية تلك التصريحات تأتي بُعيد جلاء الملامح الرئيسية لتشكيلة المجلس النيابي السابع واللاعبين الأساسيين فيه، كما تأتي في ظل فوران من الجدل السياسي الواسع واللقاءات والزيارات المكوكية بين مختلف التيارات بشأن من سيخلف الرئيس خاتمي في مايو 2005، وهي انتخابات لها من الأهمية ما يُوازي ظروف المرحلة الداخلية والخارجية.

على المستوى الداخلي تنبع أهميتها من قياسها بالحوادث التي مرّت بها الجمهورية الإسلامية منذ تسلم محمد خاتمي رئاسة الجمهورية في 23 مايو 1997، وهي مرحلة مُفعمة بالحوادث والوقائع أهمها تبلور تيار «الثاني من خرداد» وصعوده شعبيا عقب انتخابات الرئاسة السابعة، ومن ثم بداية السقوط لأجندته وشعاراته إبّان فترة نيابة المجلس السادس بعد بروز انشقاق بين جبهة المشاركة (إصلاحي متطرف) وحزب كوادر البناء (إصلاحي معتدل) بشأن ترشّح الشيخ هاشمي رفسنجاني لانتخابات العام 2000 البرلمانية، ثم ازدادت رقعة الفتق بين الفرقاء قبيل انتخابات المجلس النيابي السابع الأخيرة وما أعقبها من تشتت في المواقف والتصريحات. يُضاف إلى كل ذلك أن مرحلة الحركة الإصلاحية (الجدلية) التي استمرت أكثر من سبع سنوات أفرزت مفاهيم ومواقف سياسية جديدة وتحالفات من نوع «اتحاد المشتركات» وليس التماهي التنظيمي والغائي، فلم تكن الأحزاب التي كانت تُؤيد الاقتصاد المُؤمم وتعارض سياسات تحرير الاقتصاد (اليسار الديني مثالا) تنتهج النهج نفسه بل أصبحت هي الراعية لشعارات الخصخصة، لذلك فإن الوصف الذي أطلقه المترشح المستقل في الانتخابات الأخيرة علي شكوهي هو أفضل توصيف لما يجري «إن القوى السياسية المكونة هي بمثابة أعضاء محفل سلطوي واحد تراصوا إلى جوار بعضهم بعضا تحت أية ظروف ويدعمون بعضهم بعضا في المنافسة مع الجماعات الأخرى».

كما أنه وفي هذه المرحلة ظهرت أزمة تعديل قانون الصحافة (أغسطس/ آب 2000) والمحادثات السرية مع الولايات المتحدة التي قام بها إصلاحيون متطرفون في سفارات واشنطن بأوروبا، وكذلك تقديم اللائحتين الخاصتين بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية والإشراف البرلماني على هيئة الإذاعة والتلفزيون والأجهزة والمؤسسات التابعة لإشراف الولي الفقيه كافة، وتدخل الأخير في أكثر من أزمة وحلحلتها. وأخيرا أزمة اهليّة المترشحين لانتخابات المجلس النيابي السابع في العشرين من فبراير/ شباط الماضي وما أعقبها من إفرازات وتطورات مهمّة على الساحة الإيرانية، أهمها عودة المحافظين بخطاب سياسي واقتصادي جديد، وكذلك بروز ظاهرة المستقلين الصاعدين بفضل ظروف الأحزاب السياسية الناشئة في القمة والمقصورة على العاصمة والمدن الكبرى فقط.

أما على المستوى الخارجي فإن العلاقات الخارجية لطهران تسير بوتيرة هادئة وبقدرة جيدة على تحجيم واحتواء المشكلات المتتالية، وخصوصا أن السياسة الإيرانية الخارجية لا تقوم على عامل متغير واحد بل هي حصيلة مجموعة من المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، باستثناء أزمة الملف النووي مع الوكالة الدولية والولايات المتحدة التي أعلنت أخيرا أنها ستفرض 13 عقوبة على إيران لمنعها من الحصول على تقنية نووية.

ملف انتخابات الرئاسة التاسعة

مع قرب انتهاء ولاية الشيخ هاشمي رفسنجاني مطلع العام 1997 وإجهاض دعوة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي عطاء الله مهاجراني إلى إجراء تعديل في الدستور ليتمكن الشيخ الرئيس من إعادة ترشّحه لدورة ثالثة بدأت طلائع لموجات سياسية وحزبية شابة في الظهور بقوة، فارضة نفسها بخطاب متناغم مع نزعة الشباب وحال الفُتوّة الضاربة في المجتمع الإيراني، كان معظمها وليد مراجعات غائرة في القشرة الصلبة لبعض الأحزاب الشائخة التي تبلورت في العقد الأول للثورة وما قبله، والبعض الآخر كان اجترارا لكيانات سياسية بدأت في الاصطفاف من جديد بعد ارهاصات سياسية متلاحقة، وكانت هذه الجماعات المتناثرة تسعى نحو بعضها بعضا للتكتل في جبهة واحدة عُرِفَت فيما بعد بـ «جبهة الثاني من خرداد». وبعد إخفاق هذه الجماعات في إقناع حسن حبيبي (مساعد رئيس الجمهورية في عهد رفسنجاني لمدة ثمانية أعوام) توجهت أنظارهم نحو رئيس الوزارة السابق في حكومة الخامنئي عندما كان رئيسا للجمهورية (أكتوبر/ تشرين الأول 1981 - يوليو/ تموز 1989)، مير حسين الموسوي، إلاّ أن انسحاب موسوي قبل شهر من موعد بدء الحملة الانتخابية أربك الساحة السياسية إلى الحد الذي عرّض الطلائع السياسية الجديدة الصاعدة إلى أول اختبار حقيقي في خياراتها وشخوصها ومدى قدرتها على التعاطي مع مفاجآت الساحة، إلاّ أن إعلان السيد محمد روح الله خاتمي عن نيته الترشح بدفوع من مُجمّع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز) وبتشجيع ومباركة من المرشد الأعلى رَتـَقَ الفتق الذي كاد أن يتسع، فتداعت جموع الطلائع السياسية الجديدة التي عرِفَت فيما بعد بجبهة الثاني من خرداد نحو تأييد خاتمي. وكانت مُحصلة الانتخابات فوزه على نظرائه من المترشحين، وهم رئيس البرلمان السابق علي أكبر ناطق نوري ووزير الاستخبارات ومحكمة رجال الدين السابق محمدي ري شهري ومساعد رئيس السلطة القضائية إبّان رئاسة آية الله يزدي السيدرضا زادة إي. وكانت نسبة الفوز مُذهلة إذ وصلت إلى (83,49 في المئة)، ما مهّد الطريق لهيمنة جبهة الثاني من خرداد على المجلس النيابي السادس في فبراير 2000.

وعلى رغم حداثة التشكّل الإصلاحي وصيرورته كجبهة حاضنة لأطياف الطلائع الجديدة من اليسار واليمين فإن الحوادث المتكررة والمُتماسة مع الخيارات الخاصة لمكوناته جعلت فرصة التحالفات الاستراتيجية أمرا مُحالا، بل تحوّلت في بعض المراحل إلى تحالفات موسمية وفي أحيان أخرى مماحكات تُنذر بمكروه. لذلك فالمتابع لحركة الساحة السياسية في الجمهورية الإسلامية يرى أن مواقف بعض التيارات الإصلاحية لم يكن بحدة المتطرفين من جبهة المشاركة نفسها، بل إن بعضهم آثر تحييد موقفه والسكوت، وخصوصا بعد أن ضمنوا تأييد مجلس صيانة الدستور أهلية منتسبيهم كما حصل لحزب كوادر البناء، وحتى مُجمّع علماء الدين المناضلين، وهو أقرب حلقة إصلاحية لنواة السلطة الدينية، خفّف حدة انتقاده للمجلس الرقابي في تلك الفترة بعد أن أعيد تأييد عدد من كوادره في الفرز الثاني، لذلك فإن الشكل الحالي للساحة السياسية الإيرانية هو كالآتي:

بعد غربلة الساحة الإيرانية من بعض العناصر صار من المتوقع أن تلتقي ثلاثة اتجاهات في حلف غير مُعلن وغير مُحدّد المسار. فبالإضافة إلى عقلاء الجناحين (اليمين واليسار) يبقى اتجاه ثالث بدأ يشق طريقه بهدوء نحو مواقع السلطة، وهو تيار المستقلين الذي يقوده عمليا بعض الشخصيات التي حافظت على علاقاتها الداخلية وجعلت بينها وبين الأحزاب العاملة مسافة ما تقيها شبهة التحزب. ومن أبرز هؤلاء الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام قائد قوات حرس الثورة السابق محسن رضائي وممثل الولي الفقيه في حوزة قم ومالك امتياز صحيفة «انتخاب» طه الهاشمي. والغريب أن الكثير من الأحزاب التي صرّحت بأنها لن تُعلن قوائم انتخابية خاصة بها في الانتخابات التشريعية الأخيرة لجأت إلى تقديم مرشحيها على هيئة مرشحين مستقلين لكسر أية حواجز نفسية أو فئوية لدى الناخب الإيراني الذي يبدو أنه ملّ من حال المشاحنات بين الأحزاب. وفي الأخبار المتداولة يُقال إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قد يقف ضمنيا وذوقيا مع التوجهات المستقلة البعيدة عن المغامرات السياسية.

وفي عملية استشراف أوليّة يُمكن الوقوف على أبرز الشخصيات (من التيار المحافظ من يمينه حتى يساره) المُرشحة للانتخابات الرئاسية المُقبلة وهم: وزير الخارجية السابق طيلة أربعة عشر عاما علي أكبر ولايتي وهو مطمح اليمين المعتدل، وأجزاء من المستقلين، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حسن روحاني الذي اكتسب شهرة غير عادية بفضل إدارته النوعية للملف النووي الإيراني، وغلام علي حداد عادل الحائز على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية السابعة وأحمد توكلي الذي دخل في أكثر من معركة منافسة لانتخابات رئاسية سابقة ولم يُحالفه الحظ، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون علي لاريجاني أحد القريبين من المرشد ومن دوائر سياسية نافذة، إلاّ أن حركة الترشيحات الداخلية للمجلس السابع الذي سيبدأ أعماله في مايو المقبل ستُحدد مصير توكلي وحدّاد بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية القادمة. فالأخيران يُواجهان ضغوطا متزايدة من جهتين محافظتين، الأولى تتمثل في جمعية المؤتلفة والرابطة الإسلامية للمهندسين وجمعية أنصار خط الإمام والقائد الداعين إلى تقديم محمد رضا باهنر لرئاسة المجلس السابع، والجهة الأخرى هي المتمثلة في روحانيت مبارز ورابطة مُدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، وبالذات من الشيخ محمد المؤمن الذي طلب من حداد سحب ترشحه من رئاسة المجلس لفسح الطريق أمام رئاسة رجل دين للدورة السابعة مثل أحمد أحمدي ومحمد رضا فاكر وموسى قرباني. وعند حسم هذا الجدل الواسع في الوسط المحافظ سيُحدد ذلك المدى الذي سيلعب فيه توكلي وحداد بالنسبة الى انتخابات 2005 الرئاسية.

كما أن الملاحظ في الساحة الإيرانية الحالية هو إحجام التيار الإصلاحي عن طرح بعض الأسماء التي يُمكن أن يدعمها وذلك خوفا منه على احتراقها في هذه المرحلة قبل أن يستفيد منها، وخصوصا أنه يعتبر هذه المرحلة جولة قد حُسِمَت لصالح غريمه المحافظ. وعلى رغم ذلك فإن المؤشرات تقول إن هذا التيار قد يلجأ إلى الإعلان عن خياراته الانتخابية قبل فترة قريبة من موعد ماراثون الانتخابات الرئاسية كما فعلها من قبل مع السيد خاتمي، إلاّ أن المفاجآت واعتمال الساحة الإيرانية مازالت مفتوحة للكثير من المستجدات غير المتوقعة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 592 - الإثنين 19 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً