العدد 592 - الإثنين 19 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ

ملاحظات قبل التوقيع على ميثاق الشرف

«ليس كل ما يقوله كسرى جميل»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان فرويد يقول: «إذا أردت أن تحوّل إنسانا إلى حيوان في لحظة واحدة فعليك أن تصفعه على وجهه فجاة».

وفي الفترة الأخيرة تكرّر الحديث عن ميثاق الشرف الصحافي وبصورة يبدو منها صفة الاستعجال والإلحاح. سمعنا هذه النبرة من الجانب الرسمي ومن داخل البيت الصحافي. و«الشرف» ربما هي الكلمة الوحيدة التي يدّعيها الجميع، والكفيلة بإغضاب أي شخص تسلبها منه، مهما كانت خلفيته وأخلاقه. قد لا نختلف على أهمية وجود مثل هذا الميثاق حتى لو لم يكن مكتوبا، ولكن الخلاف سيبرز عند الدخول في التفاصيل: ما هو تعريف الشرف أولا لكي لا ندخل في حديث طرشان؟ وهل الشرف جزء من الأخلاق؟ وهل للشرف دخلٌ بالمهنة ام لا؟

أسئلة حرجة ومحرجة، تحتاج إلى وقفات. فنحن لا نريد أن نخدع أنفسنا، لأن الواقع الصحافي لا يسرّ، ونأمل أن تكون تجاربنا الجديدة أفضل من الماضية، ومهما كان هناك من نقاط مضيئة في التجارب الحالية إلا أنها تبقى دون الطموح الذي نتمناه لبلدٍ يتحدث الجميع فيه عن الإصلاح، دون أن توازيه ممارسات تدل على الرغبة الحقيقية في الإصلاح.

النقطة المحورية التي تهمنا هي أن تعطى الاولوية في الطرح الصحافي لمصلحة البلد أولا وأخيرا، وهذه نقطة محورية ربما هي لب الخلاف. وهي مصدر خلاف سابق ولاحق لن نجد لها حلا سهلا في ظل تجاذبات سياسية وتناقضات اجتماعية واقتصادية ومصالح متعارضة بين أطراف مختلفة، كل يدعي أن الحق إلى جانبه، وأنه على الحق المبين.

الصحافة اليوم مخيّرة بين طريقين: إما مواصلة لعب دور طالما مارسته طوال العقود السابقة حتى تفوّقت على نفسها فيه عدة مرات! وإما تغيير طريقة اللعب بما يتماشى مع عصر الانفتاح والفضائيات والفضاء الحر للمعلومات. وهي هنا أمام اشكالية أوجزها الكاتب الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل حين قال: «عليك أن تختار بين الوقوف عند رأس السلطة أو عند أقدامها»، والكلمة تختزل المشكلة وتوحي بالحل في كلمات بليغة. وسؤالنا: عند توقيع ميثاق الشرف المقترح، ماذا ستختار الصحافة فعلا؟ تقف مع الطرف الأقوى عضلات والأرفع صوتا في المجتمع، أم مع الأغلبية الصامتة وتدافع عن مصالح الناس وقوى المجتمع المدني والفئات الضعيفة والمحرومة؟ هل تتبنى الدفاع والترويج لكل ما يقوله الطرف الرسمي تطبيقا للمثل الفارسي «كل ما يقوله (خسرو) جميل»؟ أم نعترف لها بحقها في المصارحة والتقويم ونقل الخبر الصحيح حتى لو لم يعجب البعض؟ وأسئلة أخرى كثيرة تتوالد على هذا الطريق.

تجاوز عقدة «الماش»!

الملاحظ مما رشح لنا وجود إصرار على موضوع الصفحة الأولى وتغطياتها، وهو أمرٌ أشبه بالتدخل في لون القميص الذي تلبسه! وفات مقترحيه انهم يضربون أهم ما يميز الصحافة اليوم في البحرين: التنوع النسبي. فالقارئ اليوم يجد أمامه خيارات بعد أن كان يفطر ويتغذى ويتعشى على طعام واحد: «الماش»!. فمن شأن هذا الاقتراح إرجاع الساعة إلى الوراء، لأنه يتضمن القبول والتسليم بصيغ التعميم والأوامر والافتتاحيات الموحّدة التي عانت منها الصحافة طويلا ودفعت من رصيد سمعتها الكثير.

وبالحديث عن «عقدة الصفحة الأولى»، مهنيا هناك إشكالات على أمور ترتبط بالذوق والبديهة، فليس من السليم نشر صورة جثة قتيل عراقي تنهش لحمه الكلاب الضالة، مهما كان موقفنا من الحرب وبغضنا للاميركان. فللموتى حرمتهم التي تكفلها لهم صفتهم الانسانية البحتة، ولا ينبغي التعامل مع هذه الصور بروح خالية من النبض الإنساني السليم. ألا تستحق هذه الملاحظة أن تضاف إلى ميثاق الشرف؟

وعلى الصفحة الأولى أخلاقيا، ومهنيا أيضا، ليس من السليم نشر أسماء وصور أشخاص لم تثبت التهمة عليهم بعد، مهما كان ما اقترفوه من خطأ أو خطيئة، ويتسع الخرق عند استغلال القضايا استغلالا سياسيا، للضرب تحت الحزام، سواء لشخص أو جمعية سياسية غير مرضي عنها أو اتجاه نقابي أو تيار شعبي، بغض النظر عن الجانب الأخلاقي أو الآثار السلبية التي تتركها مثل هذه الممارسات الخاطئة على الأفراد أو الجماعات. وتاريخنا الصحافي مليء بمثل هذه الخروق التي لم توفر جهة وطنية أو دينية أو مدنية إلاّ وطالها رذاذها العطن الرائحة.

الأمانة تستدعي من الصحافة «تصحيح أوضاعها» الأخلاقية ونواقصها قبل الحديث عن توقيع ميثاق شرف في شكل هلامي لا يعرف منه رأس أو ذيل. فهناك أعراف ينبغي إرساؤها صحافيا، لكيلا تستمر الممارسات والأخطاء و«الخطايا» السابقة، ولكي لا تحسب المسألة على أنها سباق «مصلحي» من أجل الفوز بـ «سبق» الصفحة الاولى، بعيدا عن أية التزامات مهنية أو أخلاقية يعوزها طعم ورائحة الشرف

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 592 - الإثنين 19 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً