العدد 591 - الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 27 صفر 1425هـ

إعادة التأسيس

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تدفع العدوانية الإسرائيلية الجديدة المقاومة الفلسطينية إلى إعادة قراءة واقعها والنظر مجددا في حسابات سياسية طارئة على الوضعين الإقليمي والدولي؟

تبدو الأمور سائرة في هذا الاتجاه بعد اغتيال قائد حماس في قطاع غزة عبدالعزيز الرنتيسي. فالاغتيال يأتي في سياق حملات متتالية يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون مستفيدا من الحرب الأميركية على العرب والمسلمين من أفغانستان إلى فلسطين.

سلسلة الاغتيالات هذه ليست جديدة، الا أنها الآن تأتي في إطار هجوم كبير تقوده تل ابيب ضد الشعب الفلسطيني وقياداته في لحظة يشهد فيها العالم تغيرات استراتيجية على مستوى سلوك الدولة الأولى. فالولايات المتحدة الآن تقودها كتلة شريرة تتألف من عناصر ايديولوجية ذات طبيعة خاصة لا تكترث كثيرا للمواثيق والمعاهدات الدولية ولا تراعي توازن المصالح وتلك الاعتبارات المتعارف عليها في مجلس الأمن. وهذه الطبيعة الخاصة للقيادة الأميركية الحالية تفرض على القيادة الفلسطينية في كل ألوانها وأشكالها إعادة النظر في تلك الاستراتيجية السياسية التي أوصلت المسألة إلى شفير كارثة جديدة.

إعادة النظر هذه لا تعني العودة إلى «المربع صفر» وانما محاولة قراءة المستجدات وتوليد قوة جديدة تأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة الدولية التي تمر بها المنطقة العربية والمتغيرات الإقليمية التي أحدثتها أميركا وتهدد بالمزيد منها.

إعادة النظر هذه تعني في الدرجة الأولى إعادة التأسيس على التجربة السابقة وتقييم سلبياتها وإيجابياتها واستخلاص دروس منها لتقويم السلوك الجديد للقيادة الفلسطينية. فالوضع الحالي أوصل السلطة الفلسطينية إلى طريق مسدود ولم يعد بالإمكان التقدم إلى الأمام من دون كسر الجدران الدولية والإقليمية. كذلك من الصعب على القيادة الحالية العودة إلى الوراء وصولا إلى «المربع صفر». ولكن البقاء على ما هي عليه من دون الانتباه إلى ما حصل وما سيحصل من حملات تصفية واغتيالات واجتياحات محدودة وضربات موجعة ومنهكة يعني الاستمرار في تلقي اللكمات وتقبل النتائج واستنزاف القدرات والامكانات من دون رد مماثل.

هذا الواقع يتطلب رؤية مختلفة ليست بالضرورة العودة إلى الحال الذي كانت عليه القيادة الفلسطينية الأولى في الخمسينات ومطلع الستينات، ولكن الضرورة تقتضي الحد من العلنية والتراجع عن النضال المكشوف والتخفيف من التصريحات النارية وتنظيم شبكة من العلاقات السرية وضبط الانفعالات والسيطرة على ردود الفعل الفالتة من الأطر السياسية التي لا تجيد توظيف العمل العسكري لخدمة أهداف محددة ومتواضعة. فالكلام الكبير من دون فعل ينهك الشارع الفلسطيني ويستنزفه على الأمد الطويل. بينما الكلام القليل والبسيط الذي يترافق مع أعمال متناسبة ومنسجمة مع موازين القوى يعطي مردوده السياسي بسرعة ويرسخ ثوابت لاخلاف عليها بين الأطياف والفصائل.

«القليل كثير» يقول المثل الإنجليزي. والعكس صحيح. ولأن الكلام الكبير يحتاج إلى قوى كبيرة تحمله أو تدافع عنه وهو غير متوافر الآن فإن تقليل المهمات وضبطها ضمن القدرات والامكانات يعطيان نتائج أفضل على الأمد الطويل.

القيادة الفلسطينية الآن في وضع صعب. وهذه ليست المرة الأولى ولكنها الأصعب هذه المرة نظرا إلى اختلاف الظروف الدولية وتبدل البيئات الإقليمية والمحلية. وبحسب التغيرات يجب أن تتغير الأساليب والأدوات والوسائل. فحين يكون العالم يمر في فترة لا تحترم فيها الدولة الأولى تعهداتها وقراراتها والتزاماتها، وحين يلغي الرئيس الأميركي الحالي ما قاله الرئيس السابق، وحين تتخلى واشنطن عن ضماناتها وبياناتها التي صاغتها إدارة بيل كلينتون في حديقة البيت الأبيض أمام أنظار العالم وبحضور وزراء الدول الكبرى وبشهادة اسحق رابين وشمعون بيريز... فكيف يمكن الاستمرار على النهج السابق؟

الوضع الكارثي هذا ليست القيادة الفلسطينية مسئولة عنه فهي تصرفت وفق معايير متعارف عليها دوليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. الكارثة التي وصلنا إليها هي نتاج تبدلات في المناخات الدولية وانقلاب الدولة الأولى في العالم على سياسات تقليدية وقعت عليها وتخلت عنها حين انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي.

واشنطن الآن تمر في فترة انقلابية ومضطربة لا تعرف من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء، وهي الآن مستعدة للإطاحة بكل ما تبقَّى لديها من صدقية للدفاع عن مصالح تظن أنها وحدها تملك حق التصرف بها وهي وحدها تتمتع بصلاحيات شرعية لقول ما تشاء والتصرف كما تريد.

هذا الوضع المتوتر الذي تقوده الولايات المتحدة وتستفيد منه «إسرائيل» إلى أقصى حد لم يكن ظاهرا حين وقعت اتفاقات أوسلو وتفاهمات القاهرة وبيانات واشنطن. فتلك الأيام كانت مختلفة وبالتالي فإن الظروف الجديدة تقتضي من القيادة الفلسطينية تعديل وضعها باستعادة بعض صور الماضي والعودة إلى شيء من السرية والتمسك مجددا ببرنامج يرد على الجرعات الزائدة التي تريدها تل ابيب من حصة الجانب الفلسطيني في الضفة والقطاع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 591 - الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 27 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً