جزيرة المحرق تنفصل عن الجزيرة الأم ولكنها في قلب البحرين اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا. ولذلك فإن أية حركة وطنية لا تشارك فيها المحرق هي حركة منقوصة، وأية حركة تشارك فيها يصل مداها إلى كل الجوانب الحياتية. وذلك ما تشهد به تجارب العشرينات والثلاثينات والاربعينات والخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي.
المحرقيون بدا أنهم هدأوا «حركيا» خلال الفترات الماضية، ولكن ذلك ليس صحيحا، بدليل أن المحرق استعادت دورها في الحراك الاجتماعي - السياسي بالحجم والوزن المتوقع منها بعد الاصلاحات مباشرة.
ولعل أكبر دليل على حيوية المحرق هو مجالسها التي تنعقد مساء كل يوم للحوار والنقاش ومزيد من التعارف. في الاسبوع الماضي كنتُ ضيفا في مجلس المرباطي وكان الحضور يحتوي نوعية ممتازة بحيث يتمكن الجميع إغناء الحوار من كل جانب. هذا المجلس هو واحد من عدة مجالس حيوية تزداد في شهر رمضان وفي المناسبات وتواصل انعقادها على مدار السنة.
في شهر رمضان ازدادت المجالس الى الدرجة التي تم إصدار جداول ودليل وارشادات لأفضل الطرق لزيارة أكبر عدد من المجالس. وقد صاحبت رئيس مجلس المحرق البلدي الأخ محمد الوزان في إحدى ليالي رمضان لزيارة عدد من المجالس، كانت حافلة بالحضور والحوارات الفكرية والاجتماعية.
ميزة أخرى في المحرق وضواحيها هي تداخل أبناء الطائفتين الكريمتين فيما بينهما، بل إن لهجتهما متقاربة ولا يمكن التفريق بين واحدة وأخرى. فلو خرجت من مجلس سيادي ودخلت مجلس الحايكي، ثم دخلت النعيمي وبعد ذلك المسلم والمحمود والجودر والدوي والبوفلاح والبنعلي والسكران والشهابي والمناعي والصائغ وشويطر والمير والامين والبوعينين والشروقي والسادة والمعاودة... الخ، فانك ستجد ثقافة متقاربة وسعيا حثيثا نحو الترابط الاسري والمناطقي والوطني في آن واحد.
الحيوية المجتمعية في المحرق تقابلها حيوية مجتمعية من نوع آخر في مناطق البحرين المختلفة، وكل واحدة تكمل الأخرى، وكل واحدة تعطيك تفسيرا آخر عن خاصية أهل البحرين المعروف عنهم الطيبة وحب الخير للآخرين. فهذا هو شعب البحرين بأصالته التي جذبت ومازالت تجذب الناس من كل مكان.
في الشهر الماضي عادت إلى البحرين الباحثة الايطالية نيليدا فوكارا، التي تعتبر واحدة من أهم المحاضرين في الجامعات البريطانية عن الشرق الاوسط. عادت هذه المرة لإكمال كتابها المهم عن «المنامة»، وهي تقول إن هذه المدينة «لها خاصية تشبه المدن العظيمة في العالم»، ولكن فوكارا قررت ان تتوقف في بحثها عن المنامة الى ما قبل الاستقلال، لأن «منامة اليوم» ليست «منامة الأمس»، والفرق بين الاثنتين كبير جدا. أثناء حديثي معها ذكرنا المحرق وسألت نفسي ما إذا كانت المحرق ستبقى هي المحرق ولن تلحق بالمنامة التي لم تعد المنامة التي عرفها التاريخ وعرفها أجدادنا. زياراتي للمحرق تقول لي إن أهل المحرق لن يسمحوا بذلك ولن يتخلوا عن المحرق ولن يسمحوا للظرف الحاضر ان يزيح العراقة والماضي الجميل
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 591 - الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 27 صفر 1425هـ