العدد 590 - السبت 17 أبريل 2004م الموافق 26 صفر 1425هـ

«وعد بلفور» الجديد وآلام «المسيح» العراقي

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

بين أوجاع الولادة وأوجاع الموت عادة ما تُرسم الحياة. وعلى المسرح الرابط بين الوجعين لطالما نسجت قصص وحكايات تعبر عن معاناة الشعوب والامم. وفي القمة من هذه المعاناة كانت قصص الانبياء والرسل باعتبارها الرمز الذي تتلخص فيه حكايات شعوب بأكملها.

والفنان البارع هو من استطاع تصوير هذه المعاناة من خلال الجمع بين الواقع والخيال، بين النص والاسطورة، بين النبي والامة، بل بين الرسول وصاحب القضية والانسانية جمعاء.

صاحب فيلم «آلام المسيح» نجح بامتياز والى حد كبير في تلخيص الصورة المسرحية لتلك المعاناة.

ما يجري في فلسطين منذ ما يزيد على القرن من تعذيب «منظم» وحملات ابادة مكثفة للجنس البشري الفلسطيني ومساعي المسخ المنظمة والدؤوبة للهوية الوطنية والقومية والدينية للفلسطينيين، ما هي إلا نسخة طبق الأصل لآلام المسيح التي حاول الفنان الاميركي ابرازها في فليمه العظيم.

وكل من رأى هذا الفيلم المميز والمتميز من العرب والمسلمين سرعان ما تبادر إلى ذهنه الآلام الجمة والمعاناة المليئة بالاوجاع والدماء لملايين الافراد من الشعب الفلسطيني المقهور. بل انه رأى وبعين لا تقبل الخطأ في صورة المسيح المعروضة في الفيلم آلام عز الدين القسام وعبدالقادرالحسيني والحاج امين وابوجهاد خليل الوزير وابوعمار وفتحي الشقاقي ويحيى عياش واحمد ياسين والبرغوثي وكل الاسرى والمرتهنين من نساء واطفال، وشيوخ فلسطين من اقصاها إلى اقصاها.

وكل من رأى هذا الفيلم الأميركي رأى في وجه الحاكم الروماني الذي أمر بتعذيب المسيح، ملامح جورج بوش الابن وطوني بلير وشركائهما الذين يمارسون سادية تعذيب شعب بأكمله ارضاء لحفنة من الدجالين والمشعوذين الذين وصفهم السيدالمسيح عليه السلام بـ «عبّاد المال» مقرعا اياهم بالقول: «كان الهيكل بيتا للرب... لكنكم حولتموه إلى مغارة للصوص».

ويأتي اليوم قرار رئيس الولايات المتحدة الاميركية القاضي بوهب ما لا يملك من اجزاء من فلسطين لهذه الحفنة المتغولة بدعم واسناد ادارته من الصهاينة المتوحشين، وسلب جزء لا يتجزأ من حق اصحاب الحق الاصلي لتثبت شراكة حكام «روما» الجدد في هدر دم المسيح والمسيح الفلسطيني القديم والجديد.

انه وعد بلفور جديد بوهب ممن هو لا يملك لمن هو غير مستحق له. فأبناء الحق والارض الأصليون لم يوكلوه لا في المفاوضات ولا في غير المفاوضات. بل انهم يكافحون ليل نهار لاسترجاع حقوقهم شبرا شبرا، فمن اين استخرج لنفسه مثل هذا «الحق»؟!

لكن ثمة من يقول إن هذه البجاحة في التصرف وهذه العنجهية في السلوك وهذا التمادي في التطاول على حقوق العرب والمسلمين في فلسطين ما كان ليحصل من جانب حاكم «روما» الجديد لولا سكوت العرب والمسلمين وسماحهم له في «استباحة» العراق. الاستباحة التي وصلت اوجها في هذه الايام ونحن نرى سيل الدماء العراقية تراق من اقصى الشمال العراقي إلى اقصى جنوبه على يد جنده وعساكره ومع ذلك فالعرب والمسلمون هم المقصرون ولأنهم لم ينخرطوا في مشروع «الاستباحة» هذا حتى المرافق! بل هم يتفرجون! من بعيد ولسان حالهم يقول: «ما حيلة المضطر الا ركوبها»! لكن آلام «المسيح» العراقي السني كما الشيعي، لا سيما بعد ان وحدتهما الجروح وآلام المسيح، اخذت هذه الايام لون الجرح والدم الفلسطيني المراق على امتداد المئة عام الماضية، لاسيما بعد انتشار اخبار المرتزقة المجندين من كل حدب وصوب الذين يتقدمون صفوف القوات المحتلة للعراق.

ومع ذلك لايزال ثمة من يستغرب، بل ويستصعب مجرد الشكوى من هذه الآلام ناهيك عن مقاومتها!

في الفلوجة كما في البصرة كما في السماوة كما في الناصرية وبعقوبة والنجف وكربلاء يعرض كل يوم فيلم آلام المسيح حيا وعلى الهواء مباشرة والقادم اخطر!

العراق كله بل الاقطار العربية والاسلامية برمتها مرشحة لتلعب دور البطل في فيلم آلام المسيح.

فأصحاب مشروع الشرق اوسط الكبير وعلى رغم كل التأملات والتعقلات والتريثات التي يبديها البعض تجاه هذا المشروع بحجة عدم اطلاعنا عليه بعد انما يخططون لمزيد من آلام الموت وآلام «الولادة»! من جديد. نعم آلام موت بعض الكيانات والانظمة وآلام ولادة انظمة وكيانات جديدة! ولكن من هو صاحب الكلمة الأولى والاخيرة في هذه المشروعات التغييرية؟! لا أحد من اصحاب الدار يدري، ولا أحد منهم يُستشار أو يُسأل! بين وعد بلفور الجديد الذي يقدمه رئيس الولايات المتحدة لمجرم الحرب شارون وبين آلام ومعاناة العراقيين اليومية على يد قوات الاحتلال الاميركي وحلفائه، يبرز المشهد أو يتبلور المنظر الاكثر ايلاما وامعانا في التنكيل والتعذيب في جسد السيدالمسيح عليه السلام.

ثمة من يسأل هنا، إلى متى ينبغي ان يستمر هذا العرض المتواصل لآلام المسيح الفلسطيني والمسيح العراقي؟! وهنا قد يشكل علينا البعض بالقول إننا نأتي القصة من آخرها، وإذ اننا نناقشها من بعد واحد فقط، وهو البعد التراجيدي المأسوي والعاطفي ولا ننظر اليها من زاوية العقل التي تتطلب بعد النظر والتأمل والدراسة والتحقيق وضرورة اعادة النظر في منهج عصر بأكمله وممارسة سياسة قاتلة ساهمت بامتياز للوصول إلى ما وصلنا إليه من آلام ومعاناة! وهي قصة طويلة ليس مكان مناقشتها هذا المكان لكن ذلك لا يمنع تقديم مساعدة الحد الادنى «للمسيح» الفلسطيني والعراقي من خلال حمل «صليبه» نيابة عنه على الاقل وإلى لعب دور المتبرئ منه!

إيّا يكن الموقف فإنه لابد لهذا المسيح ان يظهر يوما من جديد ليخلص الناس من ظلم المرابين وصيارفة النقود النهابين.

رئيس منبر الحوار العربي الايراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 590 - السبت 17 أبريل 2004م الموافق 26 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً