حضرت عددا من المؤتمرات والندوات التخصصية التي تعالج الأوضاع العربية، وتوافرت لي حصيلة من أوراق ممتازة قدمت فيها، الى جانب ما أتيح لي من فرصة لمناقشة الاختصاصيين العرب والمهتمين بالشأن العام. ورفضت تونس استضافة المنتدى العربي الأول الذي انعقد في بيروت التي اتسع صدرها لما ضاقت به عواصم عربية أخرى.
بدعوة من مبادرة شراكة الشرق الأوسط، انعقد في بيروت بدعوة من أميدست - لبنان خلال الفترة من 30 مارس/ آذار حتى 1 ابريل/ نيسان المؤتمر الإقليمي لقادة هيئات المجتمع المدني لمناقشة قضايا الشفافية والمحاسبة والحكم الصالح العربي الجذري المطلوب. وللعلم فإن مؤسسة «أميدست» تقوم بتمويل عشرات المشروعات في لبنان وخصوصا الدراسات التي تتركز على الشفافية والمحاسبة والحكم الصالح سواء في الشركات أو مؤسسات المجتمع المدني أو البرلمان أو وزارات الدولة اللبنانية المختلفة.
وعلى امتداد ثلاثة أيام قدم مسئولون في المؤسسة والمؤسسات غير الحكومية والوزارات والأجهزة الرسمية عرضا بالمشروعات التي نفذوها والمشكلات التي واجهوها والنتائج التي تمخضت عنها. ويمكن القول إنه مع تنوّع المشروعات والدراسات والمؤسسات المعنية فإن النتائج في مجملها إيجابية من حيث جعل هذه المؤسسات، حكومية وغير حكومية، أكثر شفافية ومحاسبية وصالحة في إدارتها. إلى جانب ذلك تحدث أمام المشاركين شخصيات مرموقة مثل وزير المالية اللبناني فؤاد السنيورة ورئيس مجلس إدارة النهار جبران تويني، والسفير الأميركي في لبنان فنسنت باتل، ومديرة مؤسسة أميدست - لبنان بربارة بتلوني، ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في لبنان رؤوف يوسف.
أما المحور الثاني للمؤتمر فتناول الظواهر والقضايا المرتبطة بفكرة المؤتمر، وهي: حرية الوصول إلى المعلومات وجعلها في متناول الجمهور. وتشمل: استطلاعات الرأي العام بشأن قضايا الفساد وحرية الوصول إلى المعلومات الرسمية بمختلف أنواعها وكذلك في الشركات الكبرى، والقوانين والضغوط التي تحد من الحصول على المعلومات وتداولها ونشرها.
كما تناولت أوضاع الفئات المهمشة: «النساء والأطفال والمعوقين»، وأضيف إلى هذه الفئات العمالة الوافدة واللاجئين والتشريعات والممارسات والمفاهيم التي تكرس تهميشهم، وبرامج تمكين هذه الفئات وتغيير التشريعات والنظرة الخاطئة المترسخة وإحداث تغيير في الممارسات تجاههم.
وتم استعراض جهود مجموعات الضغط من قبل مؤسسات المجتمع المدني لرصد الخطط والمشروعات الرسمية ومدى إنجازها وكيفية ذلك ونوعيته، ووضع تقارير موازية للتقارير الرسمية سواء المنشورة أو المقدمة إلى مجلس النواب أو إلى هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها.
وتناولت تجارب منظمات أهلية في رصد ما يقدم من بضائع وخدمات من قبل الدولة والقطاع الخاص إلى الجمهور، وإعلام الجمهور بالبضائع الفاسدة أو الضارة بالصحة أو مغلوطة المعلومات أو المغالاة في أثمانها. كما يتضمن ذلك الأدوية وخصوصا الخطرة منها وذات التأثيرات الجانبية المضرة أو احتكار الدواء. كما تناولت المشروعات الصناعية والإعمارية والسكنية المضرة بالبيئة وليس رصدها فقط بل تعبئة الجمهور لمنع ما يمكن منها، وإغلاق أخرى أو الاحتجاج على ما يجري.
كما تناول هذا المحور مشروعات حرية النشر والجمعيات وحقوق المواطن في ضوء القوانين النافذة والإجراءات الرسمية المقيدة والضغوط المجتمعية، والتي هي أخطر أحيانا من الإجراءات الرسمية، ومشروعات التوعية المجتمعية بهذه الحقوق واقتراح تشريعات وتنظيمات بديلة.
وتناول هذا المحور مشروعات تعزيز الشفافية في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي يرتبط تمويلها بفرضية الشفافية، وورش التدريب والمناهج التعليمية بشأن أخلاقيات المهن واستعمال شهادة المنشأ ولوائح التأمين ومساءلة ومتابعة الصحافة وأخلاقياتها.
كما تناول هذا المحور عرض مشروعات ونشاطات التوعية باستخدام الألعاب المسلية ووسائل الإيضاح والمسرحيات والمخيمات الصيفية ونوادي الحوار والنشرات الطلابية والمحاضرات ودورات التدريب وحملات التوعية العامة بشأن الحكم الصالح في الشركات والجمعيات والأحزاب والبرلمان والوزارات الحكومية والدولة ككل.
عرض اللبنانيون تجاربهم في كل محور وجرى استعراض مكثف لتجارب بلدان عربية أو تجارب منظمات أو جمعيات عربية معينة، إذ جرى مثلا استعراض تجربة جمعية الشفافية البحرينية في مراقبة الانتخابات النيابية والبلدية وتجربة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها والتبليغ عنها لمن يهمهم الأمر ومتابعة ذلك حتى الوصول إلى نتيجة محددة.
لقد أثمرت ثلاثة أيام من المداولات وتبادل التجارب إثراء وعي المشاركين في المؤتمر، الذين وحّدهم الحرص على وطنهم ومواطنهم ومصيرهم المشترك، والأمل في عقد مثل هذا المؤتمر في مختلف البلدان العربية وليس في لبنان وحده.
كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 589 - الجمعة 16 أبريل 2004م الموافق 25 صفر 1425هـ