هل نجحت البحرين في تنظيم سباق الفورمولا 1 وبناء حلبة السباق بالمواصفات الدولية؟ هل استطعنا فعلا وضع البحرين على الخريطة العالمية لاستضافة المسابقات الدولية وانطلاقة بدايات السياحة الرياضية؟ هل تمكنا فعلا من الاستعداد بشكل جيد في النواحي اللوجستية والتنظيمية كلها لإظهار البحرين بالصورة التي تليق بتاريخنا وحاضرنا وبقدراتنا الإدارية والبشرية وسمعتنا الدولية، وتحقيق انطباع جيد لدى المجتمع الدولي؟ هل استطعنا تسجيل نقطة مضيئة لوطننا في المسرح الاقتصادي والرياضي الدوليين؟ هل تعاون الجميع لإنجاح هذا المشروع الدولي بالصورة المنشودة بما فيهم المعارضة والتحالف الرباعي؟ هل تفاعل التجار والعمال والطلبة وكل المواطنين مع هذا الحدث بالصورة اللائقة؟ هل نجحت البحرين في تنظيم هذا العرس الرياضي البحريني الدولي، واجتياز الاختبار بامتياز وكذلك المعارضة البحرينية؟
نعم، نحن جميعا متفائلون بمستقبل البحرين، ليس اقتصاديا وإعلاميا فحسب، وإنما حتى على المستوى السياسي، وفرحون بنجاحنا واشتراكنا جميعا في هذا النجاح الذي قاده سمو ولي العهد بكل جدارة واقتدار. ويبدو أن هذا الحدث كان بمثابة فرصة ذهبية للجميع، وفي مقدمتهم المعارضة والدولة، لإثبات حـُسن النوايا، ولإثبات أننا لسنا انتهازيين نتحيـّن الفرصة للضرب تحت الحزام، وأننا قادرون على حل مشكلاتنا بأنفسنا في بيتنا، والتعامل بأساليب حضارية وسلمية مع بعضنا بعضا، فليس من شيم العرب أن يظهروا خلافاتهم الداخلية والعائلية عندما ينزل عليهم ضيف في البيت.
وليس من شيم المسلمين انتهاز الفرصة والمباغتة، ولنا قدوة حسنة ومثال رفيع في رسول الله (ص) وفي آل البيت (ع)، حتى الغزوات والفتوحات التي قام بها الرسول (ص) وقياداته (رض) لم تكن مباغتة من دون إنذار، وكانت تحترم مناسبات الآخرين ومعتقداتهم.
وليس من شيم المعارضة البحرينية وآدابها أن تمارس الفوضى وتشويه السمعة عندما يحل علينا ضيوف من مختلف أصقاع الأرض، أو تمارس التشويش على اقتصاد البحرين وفرصها التنموية، فتاريخ المعارضة تاريخ مشرف ومحل تقدير الدولة وتقدير المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والحقوقية، ولا نقبل أن يتمرغ شرفها في التراب بسبب دعوات مجهولة تنسب لنفسها الوطنية والرعاية من الرموز الوطنية والدينية.
ولا نقبل أن يتشوّه سجل المعارضة وصورتها الرفيعة من قبل ثلة من الشباب المجهولين والمغرر بهم لتقوم بنشر الفزع والفوضى والتدمير وإسالة دماء الآخرين تحت الادعاء بتطهير المجتمع وتنظيفه. فالأمر بالمعروف له درجاته ومتطلباته الشرعية ولا يتم بواسطة المنكر والحرق وإثارة الرعب والدمار بين خلق الله. فديننا وأخلاقياتنا بريئة من هذه الوسائل التي تشوّه صورتنا، وتحرف تعاليم ديننا، وتتسبب في إقلاق المجتمع، وإرباك الحكم، وإقحامنا في نزاعات وصراعات أهلية.
ويبدو أن الفرصة سانحة الآن للمعارضة وللدولة لخلق المناخ المناسب للحوار، أو لإيجاد الظروف الموائمة لحال توافق وطني عريض يضم الجميع. وكالات الأنباء العالمية وشاشات التلفزة كررت نبأ توقف مشروعات المعارضة (التحالف الرباعي) خلال فترة سباقات الفورمولا 1، وأشادت بموقف المعارضة البحرينية ومستواها الحضاري وتقديرها لهذا الحدث الدولي وآثاره على تقوية الاقتصاد وإنعاش التجارة وتحريك سوق العمل وخلق فرص وظيفية للمئات من شباب البحرين، المعارضة أثبتت لنا وللمجتمع الدولي أنها تفهم الغث من السمين والصالح من الطالح في العمل السياسي.
المعارضة ورموزها صارت تفهم أكثر الآن أهمية إبراز النوايا الحسنة وأهمية الأساليب السلمية والحضارية في تأسيس قاعدة متينة للعمل السياسي، وضرورة بلورة صورة راقية عن خطابها وأدواتها، ولابُدية إيجاد المناخ الملائم للحوار وللتوافق الوطني. هكذا تتمكن المعارضة من تسجيل نقطة لصالحها وتدفع الدولة لرد السلام بأحسن منه. وهكذا تتمكن المعارضة من اجتذاب تعاطف المجتمع المدني وشيوخه ونسائه ومثقفيه ونخبه وتجاره للتعاطف أكثر معها. وهكذا تتمكن المعارضة من الاقتراب أكثر من الغالبية الصامتة وتيار الاعتدال والعقلانية وبذلك تواصل كتابة سجلها التاريخي المتحضر الرافض للعنف والفوضى والغوغائية.
وهكذا تتمكن المعارضة من الاقتراب من قلوب القيادة السياسية واكتساب ثقتها وزيادة رصيدها وسمعتها في المجتمع المحلي والدولي. وهكذا تستطيع المعارضة الترفع عن الاختلافات الجزئية ما بين بعضها بعضا والرقي إلى ساحة أكبر وغايات أبعد ووسائل أكثر قبولا وتحضرا. وهكذا تتمكن المعارضة من زيادة تلاحمها وتركيز جهودها وأدواتها نحو الخصم الحقيقي للوطن وهو: الفساد السياسي والمالي والإداري الذي لا يرتضي لهذا البلد خيرا، ولا للشعب اتحادا وقوة.
وهكذا تتضح لنا الرؤية جميعا ونتمكن من رسم طريق المستقبل وطريق السلام والتنمية والتقدم. وهكذا تتمكن المعارضة من تحقيق خطوات للأمام وزيادة رقعتها الجماهيرية والنخبوية وتحقيق المزيد من المكاسب والإنجازات لشعب البحرين ومملكته الدستورية. فشكرا للفورمولا 1، وأهلا بالمعارضة الواعية، ومرحبا بالرموز السياسية الناضجة، ومرحبا بالقيادات الرسمية المتفتحة، هذا عشمنا فيكم. فسيروا ونحن من ورائكم
العدد 588 - الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ