يبدو أن مفهوم «الإصلاح» الحقيقي الذي تبحث عنه شعوبنا العربية هو مسألة لاتزال غائبة عن عقول محركي الأنظمة العربية.
فكلمة «إصلاح» لا تعني للقادة العرب سوى كلمة تمر في التصريحات الصحافية وفي المحافل الدولية لإبعاد شبح الضغوط الخارجية وخصوصا مع تطور الوجود الأميركي في المنطقة من بعد احتلال العراق وسقوط نظام البعث الفاشي في التاسع من ابريل/ نيسان العام الماضي.
ومع هذا فإن الشعوب العربية سئمت مما يسمى بالوعود الإصلاحية والانفتاحية، فما تحقق مع بعضها مثلا إلا الفتات بدليل ان الشريحة الشبابية التي تمثل الثلثين على الأقل من سكان العالم العربي لاتزال غارقة في هموم شتى كالبطالة وتوفير لقمة العيش الى البحث عن العمل والسكن اللذين - من دونهما - أصبحا عائقا في طريق تكوين أسرة.
إن ذلك لا يقتصر اليوم على شعوبنا العربية في المغرب العربي بل حتى في المشرق والخليج وان كانت النسب تبدو متفاوتة إلا انها أصبحت مع مرور الوقت حقيقة معاشة.
فالهجرة الى الغرب أو الى الشرق أصبح مراد الشباب للتخلص من همومه الاقتصادية أولا ومن ثم النواحي الأخرى.
إذا فكل ما يدور على خريطة الأنظمة العربية هو للأسف مجرد شعارات لا أكثر، إضافة الى ان التغييرات التي طرأت لبعض دول الخليج حصلت بفعل ما فرضته سياسة الضغوط الخارجية لا طمعا في «الإصلاح» وتطبيقه على أرض الواقع.
والمراقب للساحة العربية يجد أن الضحية الأولى لمثل هذا التهاون واللامبالاة شريحة الشباب في عالمنا العربي بسبب سوء إدارة الأنظمة الى غياب استراتيجية واضحة لتسخير طاقات الشباب في الجوانب الصحيحة.
فمثلا، إقامة مشروعات تركز في ربحها على الجانب الأجنبي بحيث تحصر فرص العمل للعامل الأجنبي وأخرى مشروعات تركز على الربح لفئة ما... وهو ما لا يجني أية ثمار لتحسين الوضع الاقتصادي لأي شاب إضافة الى توفير الامتيازات الخاصة بالعيش الكريم لهؤلاء الأجانب الذين سرعان ما يتعلقون بالأجواء العربية وتحديدا الخليجية مستمتعين بكل مباهج الحياة مع حيواناتهم الأليفة من دون أرق الضرائب الذي يلاحقهم في دولهم.
حتى وإن كانت عملية استقطاب المشروعات الأجنبية تخلق فرص عمل جديدة إلا ان ذلك لا يكفي، فالحياة في غلاء مستمر وما كان مناسبا قبل عدة سنوات أصبح اليوم ليس كافيا لاوملائما لمتطلبات الحياة الحالية.
للأسف، «الإصلاح» تحول الى كلمة رنانة يطلقها القادة العرب بين وقت واخر لمجرد غسل أدمغة شعوبها وشغلهم بما تحققه معجزة «الإصلاح» الداخلي لا القادم من الخارج... وهو بحد ذاته كلام يردد مثل فقاعة الهواء فلا تقدم ملحوظ يحقق مآرب الشباب ولكنه في واقع الأمر تأخير ملحوظ وأنانية مفرطة تحتسب لأنظمة غير مبالية بمصير شعوبها التي لاتزال تنتظر «المعجزة»
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 588 - الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ