العدد 587 - الأربعاء 14 أبريل 2004م الموافق 23 صفر 1425هـ

الفلوجة وبداية «موسم الهجرة» إلى واشنطن

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

تزامنا مع الحوادث التي عرفتها مختلف المناطق في بلاد الرافدين عموما وفي مدينة المساجد الفلوجة خصوصا انطلق موسم الهجرة العربي والشرق أوسطي إلى واشنطن للقاء الرئيس جورج بوش. وإن كان من المنطقي أن تعرف أسباب المباحثات الأميركية الإسرائيلية التي سيدشنها بوش مع ارييل شارون الذي لا نستطيع إلا أن نرفع القبعة له احتراما لثباته في الدفاع عن المصالح القومية لشعب «إسرائيل» - على رغم تركيبته غير القومية - وعدم تراجعه عن خططه المعلنة ابتداء من عدم قبوله الانسحاب إلى ما وراء حدود السادس من يونيو/ حزيران لما في ذلك من تهديد لدولة «إسرائيل»، مرورا باغتيال الزعامات الفلسطينية التي كان آخر من انضم لقائمتها الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وصولا إلى مضاعفة الجهود لإتمام الجدار الواقي الذي التهم أراضي تفوق ما التهمته المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية على رغم جعجعة العواصم العربية التي عجزت أنظمتها المتهالكة على الالتئام في قمة للنظر في الوضع العربي الراهن، في تجسيد واضح يؤكد أن العيب فيها بالأساس، وليس في الشعوب العربية.

أقول إن كان من المنطقي أن نعرف أسباب ومسببات القمة الأميركية الإسرائيلية لتشابه سياستهما وتحالفهما الاستراتيجي، فإنه من غير المفهوم أن نفهم أسباب موسم الهجرة العربي نحو واشنطن الذي بدأه قبل أيام الرئيس المصري حسني مبارك والذي سيتبع بزيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على أن تواصله باقي الزعامات العربية واحدة بعد الأخرى.

فهل بهذه المباحثات التي تسير في اتجاه واحد «العواصم العربية - واشنطن» سنعيد حقوق الشعب الفلسطيني ونوقف تمدد الجدار الشاروني الذي يتوسع في أراضي الضفة كالورم الخبيث، ونضع حدا لجبروت آلة الحرب الإسرائيلية في فلسطين، ونهذب من جبروت آلة الحرب الأميركية في العراق؟ وهل بهذه المباحثات سنحول دون وعيد وتهديد واشنطن لسورية بأن تختار بين ما تخططه للمنطقة أو الانضمام قسرا لمستعمراتها الشرق أوسطية؟

الأكيد أن مثل هذه المباحثات لن تجلب شيئا لأمتنا إلا النكوص، فتلك القيادات التي شدت الرحيل إلى البيت الأبيض أو تستعد لذلك، أول ما ستعلن عنه للصحافة بعد عودتها هو الاتفاق على مخطط جديد لحل المشكلة الفلسطينية والحصول على تعهد «لفظي» من واشنطن برعاية انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، لنعود إلى نقطة البداية «وكأنك يا بو زيد ما غزيت»، فمسلسل السلام الذي بدأ بمؤتمر مدريد للسلام واتفاقات أوسلو التي أثمرت اتفاق 13 سبتمبر/ أيلول في حديقة البيت الأبيض المعروف اختصارا بـ «اتفاق غزة - أريحا أولا»، وما أعقب ذلك من اتفاق «واي ريفير»، و«واي بلانتيشن»، واتفاق شرم الشيخ واتفاق طابا، لكي نصل في تنازلاتنا غير المتناهية إلى اتفاق غزة - الذي سيتثني لاحقا بفعل ضغوط شعب إسرائيلي مستوطني غوش قطيف ونتساريم - الذي سيتم من دون توقيع من قبل أي جانب عربي على أساس أن «إسرائيل» هي ما سعت إليه حفاظا على مصالحها وحياة جنودها، وإن تتبعنا الموافقة الفورية للسلطة الوطنية الفلسطينية ومباركتها للخطوة الشارونية عبر إعلانها أنها ستشكل حكومة مشتركة بين فتح وحركتي حماس والجهاد الإسلامي لإدارة شئون القطاع، وإنها لثورة حتى النصر. بالموازاة مع «موسم الهجرة العربي إلى واشنطن»، فإن الحوادث الجسام التي تشهدها بلاد الرافدين ستفرض على قيادة الحرب الأميركية ورئيسها جورج بوش الدفع بعدد إضافي من جنوده لـ «بدء موسم آخر من الهجرة الأميركية نحو العراق» حتى يتسنى لأفواج أخرى من المارينز التوقيع على شواهد موتهم من قبل مقاتلي الفلوجة وبعقوبة والرمادي، وإن كان هذا الموت يختلف عن الموت الطبيعي لباقي عباد الله، إذ إنه يمر هناك من عدة مراحل قبل الوصول إلى تابوت يلم الجسد الغريب في العراق إن وجد هذا التابوت، إذ يبدأ بالموت ويمر بالحرق وصولا إلى السحل - وهذا ما كان قد توعد به محمد سعيد الصحاف في تصريحاته قبل سنة من الآن، كما لو أن الرجل كان في نظرته للحوادث بعيد المدى أكثر من صواريخ كروز وتوماهوك التي تلاشت الآن أهميتها وفعالياتها - وإذ كان البعض ممن لديهم بقية عزة ونخوة - من الشعوب العربية - قد خرجوا للتنديد بالصمت العربي الرسمي لما يحدث في الفلوجة، ودعوتهم للوقوف إلى جانب الشعب العراقي في وجه آلة القتل الأميركية - وأنا صراحة لا أعرف كيف يمكن لحكوماتنا العربية تلبية هذا الطلب - فلدينا تقدير آخر لما

يجري، إننا كعرب شعوبا وأنظمة، لا يمكننا بأي حال تقديم يد الدعم والمساعدة لأهلنا في بلاد الرافدين، اللهم إلا من بعض التظاهرات المتناثرة هنا وهناك، أو من دعواتنا وصلواتنا ليشد الله من أزر مجاهدي الفلوجة وباقي مدن ومناطق العراق ويرحم شهداءهم. بل العكس هو الحاصل إذ إن أهل الفلوجة هم من يحمون الآن الأمن القومي العربي بعد أن جعلوا القوات الأميركية تغرق في المستنقع العراقي، وهو ما يجعل واشنطن مستقبلا تفكر ألف مرة - وربما أكثر - في الدخول لأي بلد عربي، فمن السهل القيام بالغزو وإسقاط نظام الحكم، لكن من المستحيل البقاء فيه والتحول بعد الانتهاء من العمليات العسكرية إلى القيام برحلات سياحية في البلد المحتل.

إن الفلوجة بمقاومتها الباسلة تحمي دمشق وباقي البلدان العربية التي لا تنظر إليها واشنطن بعين الرضى وهي قليلة على العموم بعد إسقاط نظام صدام حسين وتقليم أظافر النظام الليبي. إن الفلوجة وكما قال الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني ستجعل من واشنطن تعيد من حساباتها تجاه باقي دول المنطقة، التي سارعت إلى إملاء أوامرها عليها مباشرة بعد احتلال بغداد... ربما كان السبب في ذلك نشوة النصر التي أطاحت بها بنادق المقاومين العراقيين

العدد 587 - الأربعاء 14 أبريل 2004م الموافق 23 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً