حتى معارضي حرب العراق داخل المعسكر الغربي تمنوا للأميركيين النجاح في حملتهم العسكرية وفرض الأمن في العراق بعد فشلهم بإقناع إدارة الرئيس جورج دبليو بوش التراجع عن خطة الغزو. في النهاية وبعد أن فشلت الولايات المتحدة وبريطانيا في الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي وإقناعه بأدلة ثبت بأنها كاذبة، فإن فشل مهمة الأميركيين في العراق سينشأ عنه دمار واسع في المنطقة يهدد مستقبل البلد والدول المجاورة له. بعد مضي عام على بدء الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة وبعد دخول قواتها بغداد من دون مقاومة تذكر، تغيرت الأمور وحصلت تطورات لم تكن في حسابات الاستراتيجيين المحافظين الذين وضعوا خطة غزو العراق. فقد تعين على القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تطلب عقد هدنة عسكرية مع مقاتلي المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة الذين يتصدون للقوات الأميركية بأسلحة متواضعة مقارنة مع الأسلحة التي يستخدمها المحتلون.
سلاح آخر اكتشفته المقاومة العراقية ترغب باستخدامه للضغط على واشنطن كي تسحب قواتها من العراق وهو احتجاز رهائن أجانب ينتمون إلى دول غربية وأوروبية شرقية. في الوقت نفسه مست حرب العراق لأول مرة، ألمانيا، التي عارضت حكومتها حرب العراق ورفضت المشاركة بها، بعد ورود أنباء من العراق تحدثت عن مقتل عضوين ينتميان إلى فرقة الكوماندوس الخاصة جي أي جي 9 التي حصلت على شهرة واسعة في نهاية السبعينات حين قامت بتحرير ركاب طائرة تابعة لخطوط لوفتهانزا في مطار مقديشو.
25 مرة تنقل الألمان بين مقر سفارتهم في العاصمة الأردنية ومقر سفارتهم في بغداد من دون أن يتعرض لهم أحد. وقد حملوا معهم أوراقا وبضائع وموظفين للعمل بالتناوب ولم يكن لديهم شبهة بأن موكبهم سيتعرض يوم الأربعاء الماضي لهجوم مباغت. وفي ذهن الألمان منذ وقت أن الموقف الذي اتخذه بلدهم تجاه الحرب يضمن لهم الحماية من هجمات المقاومة العراقية أما حضورهم إلى بغداد فهو لهدف المساعدة في عودة الأمور إلى طبيعتها والتحضير لقدوم وفود ألمانية. بالتأكيد كان من الغباء أن يفكر الألمان أن الطريق إلى بغداد آمنة وقد اتخذوا الإجراء الأمني اللازم وعهدوا إلى حارسين من فرقة الكوماندوس التي أسسها الجنرال أولريش فاغنر كي يتوليان حراسة الموكب حتى وصوله العاصمة العراقية. جلس الحارسان داخل السيارة الأخيرة في الموكب. ما حدث يوم الأربعاء الماضي على الطريق القريب من مدينة الفلوجة تتضارب الأنباء عنه. حتى وزارة الخارجية الألمانية لا تملك معلومات مفصلة وتلتزم برلين الصمت فيما وسائل الإعلام الألمانية تحاول التوصل إلى حقيقة ما حصل من مصادر أخرى. تارة تعتمد على شهادة صحافي بريطاني وتارة على شهادة أحد مراسلي محطة تلفزيون الجزيرة. وزعم مراسل صحيفة «صنداي تليغراف» البريطانية أن رجال المقاومة العراقية أرشدوه إلى مكان جثة أحد الألمانيين وأنه أعد لهما مقبرة قرب المكان الذي تعرض فيه الموكب لرشقات المقاومة العراقية التي استهدفت السيارة الأخيرة من الموكب.
منذ مساء الأربعاء فقدت برلين كل أمل بأن يكون الحارسان على قيد الحياة إلى أن ورد شريط فيديو أرسلته السفارة الألمانية في بغداد تسنى عرضه على شاشة محطة التلفزة الرسمية ARD ظهرت فيه صور لجثتي الألمانيين إذ أحدهما يبلغ 25 عاما من العمر والآخر 38 عاما. أصبح الأولوية الحصول على الجثتين لنقلهما إلى ألمانيا وهما أول ألمانيين يذهبان ضحية حرب العراق. ويذكر أن فرقة الكوماندوس جي أس جي 9 تعير أفرادها الذين حصلوا على تدريبات عالية المستوى إلى وزارة الخارجية الألمانية كي يعملوا في حراسة البعثات الدبلوماسية الألمانية في الخارج. ويبلغ عدد الدبلوماسيين الألمان العاملين في بغداد حاليا ثلاثة دبلوماسيين إضافة إلى عدد صغير من الموظفين المحليين. ولأن الوضع الأمني لا يسمح بفتح القسم القنصلي فإن مهمة الدبلوماسيين الألمان الثلاثة تقتصر في الوقت الحالي على تزويد برلين بتحليلات عن الوضع السياسي والأمني داخل العراق وتقديم المساعدة إلى المواطنين الألمان في العراق الذين كتب عليهم البقاء لأسباب تتعلق بالعمل مثل الصحافيين أو لظروف عائلية ويتراوح عددهم نحو 60 شخصا. وجرت العادة أن يقوم أعضاء فرقة الكوماندوس جي أس جي 9 بحراسة البعثات الدبلوماسية الألمانية الموجودة في بلدان لا يسودها الاستقرار وليس من المعتاد أن يتولى حراسة جنود ألمان حراسة هذه البعثات. لكن شارك ثلاثة جنود ألمان في الخريف الماضي تجنبوا ارتداء بزاتهم العسكرية كي لا ينشأ شعور بأن عسكريين ألمان يعملون في العراق، في اجتماع داخل السفارة الألمانية في بغداد تناول عملية اضطرارية لإخلاء المواطنين الألمان من العراق في حال الاضطرار لذلك.
وتعتقد مصادر صحافية ألمانية أن الولايات المتحدة فتحت على نفسها أبواب جهنم. وقالت صحيفة «زود دويتشه» الصادرة بمدينة ميونيخ ان النجاح الذي حققته المقاومة العراقية حتى الآن لم يكن ممكنا لولا حيازتها على ترسانة كبيرة من السلاح وتساءلت عن مصدر كميات هذه الأسلحة فكتبت تقول في عددها الصادر يوم الاثنين: قبل أسابيع على غزو العراق حصلت مناقشات في الولايات المتحدة بشأن العدد اللازم من الجنود الأميركيين للحملة العسكرية على العراق. طالب البعض بمئات الآلاف من الجنود فيما وجد وزير الدفاع رامسفيلد ما بين 150 ألف جندي و200 ألف جندي كافيا للمهمة. وبينما كان بوش يعلن على متن حاملة الطائرات(أبراهام لنكولن) في الأول من مايو/ أيار قبل عام نهاية المعارك الرئيسية كانت كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي اختفت وأصبحت بحوزة مقاومة متعددة الأهداف في العراق: بعضها يحارب دفاعا عن سيادة العراق وآخر يحارب دفاعا عن صدام حسين وآخر يحارب من أجل قيام جمهورية إسلامية لكنهم جميعا يحاربون اليوم ضد وجود الاحتلال الأجنبي.
ويشير خبراء عسكريون إلى أن نصف عدد الجنود الأميركيين الذين سقطوا في العراق أصيبوا بقذائف مضادة للدبابات من إنتاج روسي RPG 7 والتي يسهل إطلاقها من قاذفة تعلق على الكتف. وقد تزودت جيوش تابعة لأربعين بلدا بهذا السلاح بعد نهاية الحرب الباردة بهذا السلاح الذي وصفه ضابط أميركي بأنه الأخطر من نوعه لسهولة استخدامه. ويلاحظ أن غالبية الدول التي اشترت هذا السلاح لا ترتبط بعلاقة متينة مع الولايات المتحدة. وأصبح سلاح الآر بي جي الأكثر تداولا في صفوف المقاومة العراقية. وفقا لبيانات خبراء عسكريين أميركيين هناك خمسة آلاف مدفع آر بي جي بحوزة المقاومة العراقية كما يحتمل أن تكون السيارة التي أقلت رجلي الأمن الألمانيين قد تعرضت لقذيفة من طراز المدفع المحمول على الكتف. وقالت صحيفة «زود دويتشه» ان الأميركيين ارتكبوا خطأ كبيرا حين قاموا بحل الجيش العراقي ولو حافظوا على بنيانه وزودوا جنوده وضباطه برواتب مجزية لأمكن لهم الاستعانة بهذا الجيش في فرض الأمن والاستقرار بدلا من حال الفوضى الحالية
العدد 587 - الأربعاء 14 أبريل 2004م الموافق 23 صفر 1425هـ