الناس في قلق للمستقبل المقبل، وبعض الشخصيات في هرولة بحثا عن منفذ للأزمة المقبلة... بعض الكتابات راحت تنفخ في النار من أجل خلق الأزمة، تجيّر الكتابة وافتعال الأخبار بطريقة خلط الأوراق من أجل أن يعود الماضي بكل مساوئه لأن الاصلاح - وباختصار شديد - مهما كانت نسبه فإنه غير صالح لمن لا يعتاشون الا على التناقضات وافتعال الأزمات. استطيع ان أجزم ان الاصلاح الذي تم - ولو بهذه النسبة الموجودة - قد أضر بكثير من مصالح الفاسدين وما أكثرهم، لأن الاصلاح أتى بالشفافية ولو بقدر، وجاء بصحافة حرة تدخل حتى إلى معطف الوزير عدا عن جيبه لتسأله من أين لك هذا؟ وما المعارك التي ديرت طيلة العامين عن الفساد والمفسدين الا دليل على ذلك. وهذا المناخ لا يمكن ان يتحقق في ظل مرحلة الطوارئ أو الاهتزازات السياسية. أقول: هذه الكتابات وهؤلاء المتنفذون كالفطر لا يعيشون الا على اطراف البقع والمواقع الآجنة، لا ينبتون في الضياء. ما الذي سيخسرونه لو احترقت روما ؟! سيضحكون لأنهم لا يعيشون الا على التناقضات ما بين السلطة والمجتمع. وليس غريبا ذلك فانظر إلى كيفية فبركة الأخبار والاصطياد في الماء العكر. هذه المرحلة التي نعيشها لم تكن لصالح أية مؤسسة حدثت فيها تجاوزات. وللمرة الأولى يتم في تاريخ البحرين بحث مثل هذه الملفات وبهذا الوضوح، ملف بنك الإسكان أوصل إلى النيابة وبدأت الفضائح تزكم الأنوف. لاشك في ان للصحافة دورا عندما راحت تلح على معرفة إلى أين سيستقر الملف، كذلك موقف وزير الإسكان وجرأته في طرح الملف، فالوزير فهمي الجودر كان شفافا في هذا الموضوع وواضحا وهذه نقطة تحسب له، وكذلك تحريك ملف الأوقاف. فلأول مرة يتم في دولة عربية تناول التجاوزات كالتي حدثت في التقاعد والتأمينات وكذلك الأوقاف، وما كان ذلك ليكون لولا وجود صحافة مازالت تقترب من الصحافة الحرة المتكاملة. وهذه اضاءة يجب عدم اغفالها... مكتسبات كثيرة لكنها تحتاج إلى لجان عمل قائمة على عقليات استراتيجية تدرك فنا من العمل السياسي ولها قدرة على قيادة الرقابة والمحاسبة والمساءلة لأن مرحلة العمل السلمي تحتاج الى خطاب وأدبيات تختلف كليا عن المراحل الأخرى من العمل النضالي، وكما يقول السياسيون: فترة بناء الدولة أصعب بكثير من فترة الثورة لأن مرحلة الثورة ليس لك الا رفع الشعار وهو مقدور عليه عند أضعف الناس، ولكن الخطورة تكمن في البناء. وهذا الإشكال مازال محل جدل لدى مفكرين كبار عندما يدرسون خطورة الوضع للاتحاد السوفياتي للمرحلتين: أيام الثورة البلشفية وأيام بناء الدولة وكذلك الأمر بالنسبة الى إيران أيام الثورة وأيام قيام الدولة وبناء المؤسسات. اذا لكل مرحلة ادبياتها. ما طرحته هو مقدمة للدخول في موضوع التوتر القائم ما بين الدولة والمعارضة، فكل أملنا في ان تتدخل الرموز العلمائية في الموضوع والشخصيات الوطنية المتزنة ومن كلا الطرفين لتقريب وجهات النظر وترطيب العلاقة بعيدا عن التشنجات. والحوار هو أفضل خيار لنا جميعا، ويجب ان لا يختزل الحدث في أشخاص من هذا الطرف أو ذلك الطرف فأية كارثة مقبلة لن تقع على الطرفين فقط بل ستقع على جزء من المجتمع، ودعوني أقولها بلا تحفظ: ان أية كارثة سياسية مقبلة - لا سمح الله - لن تقع لا على هذا المزايد من هذا الطرف أو ذاك، لا عليه ولا على ابنائه فغالبية المزايدين يعيشون حياة هانئة رغيدة وأبناؤهم في أفضل جامعات ومشروعاتهم الاقتصادية في أفضل وضع. أقول: إن الكارثة السياسية، لو قعت فستقع على الحلقة الأضعف هي برموزها، ولنا فيما حدث في التسعينات خير مثال فالذين دفعوا الفاتورة هم أقل نصيبا عند توزيع الغنائم أما المزايدون فلا يرفعون عقيرتهم الا حين هدوء العاصفة واذا هبت الرياح هرولوا للاختباء تحت اللحاف بينما يدخل هؤلاء الطيبون الى المحرقة ويتم التفرج عليهم فهذا ما لا يمكن قبوله. لهذا ندعو للحوار الجاد ولو اقتضى الامر تأجيل أي حدث في سبيل اعطاء مزيد من الوقت للوصول الى صيغ جديدة تكون محل رضا الطرفين فذلك خير فالمصلحة العامة فوق كل اعتبار حتى نخرج من اشكال جر العربة للحصان
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 586 - الثلثاء 13 أبريل 2004م الموافق 22 صفر 1425هـ