كثر الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو مشروع يلفه الغموض بشكل باتت فيه الأوراق مختلطة. فلست أعرف من أين جاءت التسمية: «الشرق الأوسط»، ومن صاحبها، غير أنه تحول إلى مصطلح هلامي فضفاض؛ كل يفسره بحسب مصالحه الخاصة ونظرته الاستعمارية والايديولوجية، وتم تداوله لدينا من دون تمحيص كاف.
كتب عادل مالك انطلاقا من القول الإنجليزي المأثور «ان الشيطان يكمن دائما في التفاصيل»! كتب قائلا: «ان ما يخص العنوان المسمى «الشرق الأوسط الكبير» فإنه يجب «علينا أن نكون على علم يقيني بالتغييرات التي يختفي خلفها هذا العنوان العريض، والتي تكمن أهميتها بالخطوط العريضة تماما كما هي أهمية التفاصيل وبعض الجزئيات». وعلينا ألا ننقض على المشروع لكونه مشابها تماما لما تم طرحه فيما مضى من الزمن من قِبل جورج بوش الأب مطلع حقبة التسعينات، ما أسماه حينها بـ «النظام العالمي الجديد»، ولم يكن باستطاعة طرف فكري أو ثقافي أو سياسي تحديد ماهية ذلك النظام. وهكذا يبدو مشروع «الشرق الأوسط الكبير» يلفه الغموض ويمتزج فيه الواقع بالمبالغة والتضخيم».
وأضاف قائلا إنه ما نظرنا : «من علٍ ولو بشكل بانورامي يتضح أننا أمام موسم زلازل طبيعية وسياسية في آن...» وفي العادة توصف الزلازل بـ «أنها ثورات داخل جوف الطبيعة فإن النوع الآخر من الزلازل ثورات من صنع البشر فوق سطح الأرض». وعلينا عدم «الخوف» مما مضى، بل، علينا «الخوف» «مما هو آت ». وياساتر استر.
أما الأقلام التي شهرت في وجه «المبادرة» الاميركية تجاه «الشرق الأوسط» في صحيفة «الوسط» البحرينية فهي كثيرة وذات صيت فكري وخبرة في مجالها، نذكر منها مثالا لا حصرا: آية الله محمد حسين فضل الله، إلياس حنّا، وليد نويهض، صلاح الدين حافظ، صلاح الدين الجورشي، محمد الرميحي، وغيرهم كثيرون. فقد دعا السيد فضل الله إلى قيام تحالف إسلامي مسيحي «ضاغط» «لكف يد الولايات المتحدة الأميركية عن العبث بمصير البشرية»، وعلى أن يعمل هذا التحالف أيضا على «منع انتشار الإرهاب وامتداده» لسد الطرق في وجه الولايات المتحدة التي تسعى إلى عولمة الإرهاب وتعميم تجاربه الدامية على امتداد العالم».
كما كتب صلاح الدين الحافظ ان «ما تريده واشنطن لا تحبه العواصم العربية، وما يعلنه الرئيس جورج بوش يقلق الرؤساء العرب، وما تخططه السياسة الأميركية لمشروع الشرق الأوسط الكبير لا يجد قبولا في العالم العربي، سواء على مستوى النظم الحاكمة أو على مستوى الرأي العام». وأكد أن الفهم الأميركي وخصوصا «صناع السياسة الاميركية» ناقص وغير متعمق بشأن «فهم سيكولوجية الشعوب القديمة مثلنا»، وأن مجرد أن يطرحوا كلمة «الديمقراطية أو فرص الاصلاح الديمقراطي، أو تغيير العقول ومحاربة الفساد والاستبداد المحلي، سيلقى الدعم الشعبي وسيقابل بمظاهرات التأييد ومسيرات الحب والاعجاب بـ «المخلّص» النازل من سماء واشنطون ليزيل القهر ويقضي على الفقر فيجبن أو ينحني الرؤساء والزعماء طاعة ورعبا». وشدّد على أنه يجب على الشعوب أن تستثمر هذا الضغط الخارجي من أجل الإصلاح والديمقراطية وإفهام القائمين على شأن السياسة العربية بأهمية الديمقراطية وتحسين أوضاع شعوبها والمساواة بين أفرادها». وختم مقاله بقول للإمام علي (ع): «دواؤك فيكَ وما تشعر****وداؤكَ منك وما تُبصر». ورأى الكاتب وليد نويهض أن المشروع «ليس حسنة تبرع بها بوش لإنعاش اقتصادات ما يسميه «الشرق الأوسط الكبير»، بل هو حاجة داخلية أملت عليه التراجع بعد أن دلت المؤشرات على وجود تناقص في شعبيته وسلسلة ارتفاعات في معدلات البطالة والفقر والقرف من هواجسه الأمنية».
وأبدى عبدالهادي بوطالب آراء كثيرة وذكر في شأن المشروع أنه «يشمل منطقة عالمية واسعة أطلق عليها المخطط اسم «منطقة الشرق الأوسط الكبير»، وقالت المصادر الأميركية انها المنطقة الممتدة من الرباط إلى جاكرتا، أي انها تضم العالم العربي من المحيط إلى الخليج، والعالم الإسلامي بجميع مكوناته وفصائله. وقد تكون من بين دول هذه المنطقة دولة الأكراد العراقيين المحتملة. وقد تكون من بين دول هذه المنطقة دويلات أخرى يخطط لصنعها، فالحديث عن وحدة العراق لم يعد من اهتمامات البيت الأبيض، لكن ستكون بكل تأكيد ضمن دول هذه المنطقة «إسرائيل» التي يرشحها الخبراء الأميركيون بالبيت الأبيض لتكون القاطرة التي تجر وراءها عربات دول الشرق الأوسط الكبير». وبطبيعة الحال يفرض ذلك على العالم العربي الإسلامي التسريع بالتطبيع الشامل مع «إسرائيل» حتى يمكنها ان تضمن للقطار أن يمضي قدما على سكته دائما في اتجاه الولايات المتحدة».
وكتب مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، قائلا: «ان الديمقراطية، عندما تفرض بطريقة متسرعة وغير صبورة، قد تؤدي الى نتائج غير مرغوب فيها». وان «مشروع تحويل الشرق الأوسط أكثر تعقيدا من مشروع ترميم أوروبا ما بعد الحرب. والترميم الاجتماعي أسهل بحد ذاته من التحول الاجتماعي. وتجب معالجة التقاليد الإسلامية والمعتقدات الدينية والعادات الثقافية معالجة يسودها الاحترام الصبور. عندها فقط سيكون آن الأوان لإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط».
وفي لندن قالت متحدثة بلسان الخارجية البريطانية: «نريد أن نبني على أسس مقترحات الأمم المتحدة. سيتعين أن يأتي أي تغيير من المنطقة نفسها. إننا لا نريد أن نطرح مبادرة بريطانية أو نفرض أشياء».
وحث السينتور تشك هيفل في كلمة له في «الندوة الأمنية للبعثة الأميركية لدى حلف شمال الأطلسي للعام 2004 في بروكسل «منظمة الأطلسي» على المساهمة و«الانخراط» بمستوى رفيع في عملية إحلال الاستقرار في الشرق الأوسط. مضيفا أن «التهديد الذي يواجه الحلف اليوم ليس تهديدا من القوى العظمى، وإنما من الضعيفة». وأضاف ان «النضال الذي يساهمون فيه الآن (كفاح عالمي) لا يشابه مفاهيم مجابهات الحقب السابقة العسكرية أو تحالفاتها. إنه ليس نضالا تقليديا بين جيشين يقاتلان للفوز برقعة من الأرض. ولا تتم إعادة بناء الدول المنهارة المفلسة أو التي على وشك الإفلاس، أو الدول التي تمر بمرحلة انتقال، كالعراق وأفغانستان، بالقوة العسكرية وحدها. ينبغي إحراز تقدم في هذه الدول في مجالات حقوق الإنسان والحكم الرشيد والإصلاح الاقتصادي قبل أن يصبح بإمكاننا توقع الأمن والاستقرار الدائمين. وقد يعتنق الجيل القادم من العرب والمسلمين وعد الحرية، أو ينجرف نحو سياسات اليأس. وستستمر القوة العسكرية في لعب دور أساسي، ولكن ما سيقرر نجاح الناتو في المستقبل هو قدرة أعضائه على تعميق وتوسيع تعاونهم في حقول الاستخبارات وتطبيق القانون والاقتصاد والدبلوماسية، ومجال الإنسان». وحدد قائلا: ان «التركيز الاستراتيجي لجهود الناتو في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين هو على الشرق الأوسط الأكبر والعراق وأفغانستان ومنطقة البحر المتوسط والقضية الإسرائيلية - الفلسطينية. وقد وضعت القوى المحركة المتغيرة للتاريخ في هذا القرن الجديد حدا للنقاش عن خارج المنطقة». وذكر أن «الناتو أقر بالحقيقة الواقعة من خلال وجوده في أفغانستان». وان «طرح الرئيس بوش خطة للشرق الأوسط الأكبر يمكنها أن تكون تاريخية في هدفها»، وهي «تعكس ما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية». وعليه «يتعين إرفاق دعم أميركي للحرية في الشرق الأوسط الأكبر بما يضاهيه من برامج عمليات الشراكة مع شعوب وحكومات المنطقة للتشجيع على مزيد من السياسات الديمقراطية ومزيد من الاقتصادات المفتوحة». ولذلك فإن «حلف الناتو حاسم الأهمية لهذا النجاح». وأورد انه يجب «أن نؤكد النهج الذي نتبعه في سلوكنا وتصرفاتنا مع المجتمعات العربية والإسلامية، على بناء الجسور لا حفر الخنادق» ويجب ألا ننسى أن «تركيا عضو أساسي في حلف الأطلسي، وتشكل جسرا ثقافيا وجغرافيا إلى العالمين العربي والإسلامي». وإنه «ستتاح للحلف من خلال تحقيقه مزيدا من التقارب مع تركيا، فرصة أفضل للتشجيع على استمرار الإصلاحات السياسية والاقتصادية في تركيا». كما علينا أن نتذكر «ان ما يحدث في العراق لا يعدو كونه شجارا عائليا، وانه يجب مساعدة العراقيين على تشييد بلد موحد ومستقر ومزدهر». و«يجب أن نتقبل حقيقة أنه لن يكون هناك أمن أو استقرار في المنطقة حتى يتم حل القضية الإسرائيلية -الفلسطينية. فهي مُحاكة في نسيج المنطقة، بما في ذلك علاقاتنا مع جميع الدول العربية والإسلامية، ولا يمكن فصلها عن جهودنا في العراق وأفغانستان». وعلينا أن نكافح «ضد الإرهابيين والدول الراعية للإرهاب، ومساندة الإصلاحات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط». وأضاف «إن مستقبل حلف الأطلسي سيتقرر من خلال النتيجة في الشرق الأوسط الأكبر. وهذا عبء تاريخي يقع على عاتقنا جميعا في منطقة غنية بالثقافة والتاريخ، ولكنها حتى الآن متخاصمة مع الحداثة».
وشدد على تطبيق «خطة مارشال»: «وإن كان هناك أي لحظة أو مكان في التاريخ لتطبيق تلك الرؤية ثانية فإن تلك اللحظة هي الآن وذلك المكان هو منطقة الشرق الأوسط الكبرى. فالتحديات الشديدة تلوح على عدة جبهات، من العراق إلى النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، إلى الحرب على الإرهاب. ويتخلف الكثير من مجتمعات الشرق الأوسط أكثر وأكثر عن ركب الاقتصاد العالمي، وقد أبرز المفكرون العرب أنفسهم العجز المتعاظم في التحديث التعليمي والسياسي. وخلف كل تلك المشكلات أزمة فهم، يقوم خلالها الناس من جميع الأطراف بطرح أسئلة عن صحة افتراضاتهم الأساسية عن بعضهم بعضا. وأشار إلى «أن استطلاعات الرأي التي أُجريت أخيرا وأظهرت أن غالبية من الأوروبيين تعتقد أن إسرائيل تشكل الآن أعظم تهديد للسلام العالمي تثير مستوى كبيرا من القلق بمستوى عدم ارتكازها إلى أي أساس، كما تثير العودة التدريجية البطيئة إلى ظهور اللاسامية (أو معاداة اليهود) في الخطاب الس
العدد 585 - الإثنين 12 أبريل 2004م الموافق 21 صفر 1425هـ