العدد 585 - الإثنين 12 أبريل 2004م الموافق 21 صفر 1425هـ

عرمرميون من بقايا الجيل القديم

متى تخرج السلاحف من الشرنقة؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك أشخاص تعرفهم وتحبهم لأول مرة، لدماثة أخلاقهم وسماح طباعهم، وهناك أناس كالسلاحف، ينفّرك منهم طيشهم وسوء تصرفاتهم، ولأنهم فنانون فقط في خلق طوابير من الأعداء، فهم على كبر السن وطول التجربة يظلون صغارا، امتيازهم الوحيد ربما هو في تحويل من يناصرهم ويدافع عن قضاياهم إلى ضربهم بالعصي ورجمهم بالحجارة.

وما جرّ إلى الحديث عن السلاحف هو ما جرى قبل نحو عام من مفارقة غريبة جدا لم تحدث أيام «أمن الدولة» وانما حدثت في فترة الانفتاح! إذ كان لي شرف الجلوس بين مجموعة من العمال الكادحين القادمين من عدد من الوزارات والشركات لتشكيل اتحاد النقابات، وعقدوا أول اجتماع لهم في «مأتم انصار الحسين» بالبلاد القديم، إذ لم يجدوا في البحرين كلها ملجأ آخر سواه. وكانت إحدى الوزارات التي يعملون فيها تهدّدهم بالفصل إن هم عقدوا الاجتماع، وتم «تحشيد» بعض الصحف «المأمورة» ضدهم، والتي مازالت تتربص بهم وتحاول هدم كل ما بناه العمال طوال خمسين عاما من النضال الوطني المشرف. وكان الاجتماع ليلتها حاسما بالنسبة إلى العمال: «نكون أو لا نكون». من هناك كانت بداية التعرف على هذا البئر العميق. والآن وقد بدأ قطف الثمار نرى البعض يدعو بالويل والثبور!

وقبل يومين نشرت «الوسط» مقالا انتقد فيه صاحبه كاتبا آخر على مقاله «العرمرمي»، وجريا على عادتها في تهذيب المقالات «العرمرمية» التي لا ترى لها حدودا تقف عندها، تم «تهذيب» المقال الجامح، التزاما بضوابط مهنية وأخلاقية بحتة. في المساء لفتني أحد الزملاء إلى ان المقال منشور في موقع «الديمقراطي» الالكتروني مقدما بعبارة تقول: «المقال الذي نشرته «الوسط» قبل تشويهه وحذف أجزاء منه دون مراجعة الكاتب»! ونسي (الديمقراطي) أن هناك سياسة تحرير عامة تجري عليها الصحافة الملتزمة بقضايا الوطن، فهي ليست برادة لبيع «البارد» و«البارود». الصحافة اليومية هي غير النشرات الحزبية التي ينشر فيها كل ما يعنّ على الخاطر، ولا يطلّع عليها غير «الحزبيين» المغرقين في شرنقاتهم القديمة. هناك أمام «الرفاق» يمكنك أن تنشر كل عقائدك وتبوح بكل عقدك، أما في الصحافة الملتزمة فعليك أن تبتعد عن التجريح «الشخصي» والتعريض بمن لا يتفق معك في مزاجك واتجاهك.


المقالات «المقدسة»

الصحافة «الوطنية» اليومية تعمل وفوق رأسها سيف مسلط اسمه «قانون المطبوعات»، وتهديدات تأتي تارة باسم القانون، وتارة باسم التشهير وما يعنيه من جرجرة إلى المحاكم. وأصحاب «الديمقراطي» يعرفون جيدا ان «الوسط» مازالت تقاد إلى المحكمة بسبب نشرها خبرا «بائتا» قبل أكثر من عام، عن اعتقال ما سمي حينها بالخلية، نقلا عن وكالة أنباء وصحف أخرى في الخارج، أي انها لم تذع سرا ولم تكشف معلومة تضر بأمن البلد. المعتقلون انتهت قضيتهم وعادوا إلى أسرهم وأغلق ملفهم والحمد لله، ولكن «الوسط» مازالت تدفع ضريبة نشر تلك المعلومة الصحيحة للناس.

ونشرة «الديمقراطي» نفسها جُرجرت إلى المحكمة أيضا، واقتيد «رفيقهم» و«زميلنا» الكريم رضي الموسوي إلى قفص الاتهام نفسه، وبدعوى «التشهير» هذه المرة! هناك جانبٌ سياسيٌ واضحٌ في الموضوع إذا، إذ نطمح في عملنا إلى رفع سقف التعبير لينعم الوطن بمساحةٍ أكبر من حرية التنفس في أجواء نظيفة، ولكن هذا البعض «العرمرمي» لا يدرك جوهر القضية. فهو يتصور كل كلمة تخطها يده وحيا من السماء! والويل لمن تسوّل له نفسه أن يحذف كلمة واحدة من مقاله المقدس، وإلاّ فانه خائنٌ ومرتدٌ وعميل! عقيدة تربى عليها البعض حتى شابت لحاهم والذقون.

مع ذلك أؤكد أن هناك جانبا مهنيا بحتا في «التهذيب»، الذي أسماه الموقع تشويها، فضلا عن الجانب الأخلاقي، فكيف تكتب مقالا «عرمرميا» تتهم فيه كاتبا آخر بالعرمرمية؟ ثم ان هناك شيئا اسمه الاختصار، فالناس يملّون من الخطب الطويلة، ونحن لسنا في قاعةٍ مغلقةٍ لرفاقٍ حزبيين يتبارون فيها بحفظ النصوص القديمة، أو لتصفية الحسابات الشخصية أو «الحزبية»، طعنا بالسيف والسكين. والأدهى ان هذه العقلية تستلطف هذه الطريقة حتى مع من وقف معه وناصره في قضيته ولايزال، فإذا لم تنشر له كل ما أوحي له به، فانك خائن أو عميل.

إن الصحافة الوطنية وهي تلتزم بما يهمّ الناس وتقف مع أصحاب القضايا العادلة ما أمكنها ذلك، وتقف مع قضية النقابات والعمال الكادحين وتبارك لهم ما حققوه وتتمنى لهم المزيد، فإنها لن ترضى لنفسها ان يتخذها بعض النقابيين ساحة لتصفية الحسابات الشخصية أو تتحول إلى ميدان للمهاترات. والأسلوب العرمرمي ليس مجاله الصحافة التي تحترم نفسها وقارئها، وكفانا بطولة فارغة لا تقوم إلاّ على التشهير وطول اللسان

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 585 - الإثنين 12 أبريل 2004م الموافق 21 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً