لا تتحدد الممارسة الصحافية في مجرد التبليغ والاعلام والاخبار وانما هي قبل كل شيء مسئولية ورسالة نبيلة تحكمها قيم واخلاق ومبادىء. والمعضلة في وقتنا الجاري ان الممارسة الاعلامية والمؤسسة التي تصنع الاخبار وتشرف على صوغها وتبليغها إلى الجمهور اصبحت محط انظار الكثير من القوى السياسية والاقتصادية والتجارية التي تحاول ان تطوع وتستغل العملية الاعلامية لتحقيق رغباتها واهدافها ومصالحها عادة بطرق ملتوية، بعيدة عن الاخلاق ومبادىء المهنة.
وهكذا ومع التطور السريع للاتصال، أصبحت المؤسسات الصحافية تتشابك وتتقاطع مع مؤسسات صناعية وتجارية وسياسية وعسكرية وغيرها. إذ تتقاطع المصالح والاهداف والنوايا. مبادرة رؤساء الصحف الأربع في المملكة في اعتماد ميثاق شرف صحافي في اجتماعهم الأول الذي عقد قبل أيام بادرة جيدة على شرط أن تنطوي تحت مظلة البحث الحقيقي عن إيجاد حل لمعضلة الواقع الصحافي في البحرين.
إن مشروع ميثاق الشرف جاء ليعبر عن اهتمام هذه الصحف بمستوى ما تقدمه من الأخبار. هذا القطاع الذي يعبر عن موقف هذه الصحف من قضايا ومشكلات تحدث باستمرار وعلى مدار الساعة. إلا انه من الضروري ألا يهدف هذا الميثاق بأي حال من الاحوال إلى المساس بحرية الصحافة أو الرأي أو الفكر أو التعبير، وإنما يصرّ على أن تكون كل هذه الامور في إطار منظم يؤمن بالقيم والسلوكيات والأخلاقيات التي يقرها الدين الإسلامي والمواثيق العالمية التي تكفل للجميع حرية التعبير عن رأيه.
كما انه من الضروري التركيز على تماسك واستقرار المجتمع البحريني والعمل على التصدي لكل ما من شأنه أن يمس أو يخل بهذا التماسك، خصوصا من قبيل تلك الاخطار التي دائما ما تدق على ناقوس الطائفية وغيرها كهدف لخلق الفتنة والتفريق بين أبناء البلد الواحد.
من خلال التجربة السابقة تحتاج الصحافة البحرينية في الفترة القادمة إلى تأكيد أهمية حرية الحوار والمناقشة والدقة والموضوعية، وانه ليس مجموعة مواد ونصوص جاءت لتضع القيود على المهنة والقائمين عليها في تأدية مهماتهم.
كل ما نتمناه نحن كصحافيين من رؤساء تحرير الصحف المحلية أثناء وضعهم لميثاق شرف خاص بمهنة الصحافة، أن يركّز الميثاق على عدم الإساءة أو التشهير لأية طائفة أو فئة أو حتى فرد من أفراد المجتمع مهما كان توجهها، والمحافظة على الروابط القائمة وتنميتها بما يعزز الوفاق والتآلف وتفادي كل ما يفرّق أو يشتّت الصفوف. وهنا تبرز ضرورة الممارسة الاعلامية المسئولة والهادفة والتي تنتقد حين تنتقد من أجل البناء والتشييد والتطور نحو الاحسن. وهذا يعني انه لا يجوز استغلال بعض الخلافات الثنائية التي قد تنشأ من حين لآخر لزعزعة البيت البحريني الواحد، وتوظيف مثل هذه الخلافات التي قد تحدث لإبراز العضلات والاستعراضات الصحافية التي قد تهدم اكثر مما تبني.
كما ان من الواجب على من سيضع هذا الميثاق التأكيد على أهمية بناء الفرد وتوعيته وتهيئته للتعامل والتفاعل مع تطورات العصر. وهنا يجب التركيز على الاحترافية وعلى جودة الاداء والسرعة في معالجة المعلومات والاخبار وتوفيرها للجمهور والتركيز على الثقة والصدقية، وهما شرطان رئيسيان لنجاح كل عمل صحافي.
يجب ان يتوافر في اي ميثاق شرف ركائز لابد منها وهي: المسئولية، الاخلاق، الدقة والموضوعية، احترام ديانات ومشاعر الآخرين، وحق الجمهور في الحصول على الأخبار والمعرفة والمعلومات. والسؤال الذي يطرح هنا هل تتمتع كل صحيفة في المملكة بميثاق شرف خاص بها؟ هل تتمتع كذلك نقابة الصحافيين بالحق في الدفاع عن الصحافيين وعن المهنة؟
في الحقيقة ان السلطات في الوطن العربي وفي سائر دول العالم الثالث تنظر الى وسائل الاعلام كوسائل لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. ولهذا نتجت النظرة الضيقة للصحافة على انها اداة من ادوات السلطة تستعمل في آليات وعمليات الحكم والسيطرة.
ان التحديات الموجودة والاوضاع الراهنة للصحافة في العالم الثالث تحتم ضرورة مراجعة استراتيجياتها وفلسفتها تجاه الاعلام. ونقطة البداية هنا تتمثل في ضرورة النظر الى الصحافة والى الجهاز الاعلامي نظرة ايجابية تخدم المجتمع ككل وليس السلطة وحدها... وهذا لا يأتي بطبيعة الحال الا بتغيير وجهة نظرنا إزاء المواطن حيث ضرورة ان يكون النظر اليه كفاعل ومشارك ومساهم ومرسل، وليس مجرد منفذ وتابع ومستقبل فقط
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 584 - الأحد 11 أبريل 2004م الموافق 20 صفر 1425هـ