لا يمكن لأية حركة إصلاحات أن تستقيم من دون مؤسسات ديناميكية تتفاعل مع الواقع وتتحرك بعجلة أسرع من عجلة المؤسسات القديمة. غير أن ما نشاهده في عدد من المؤسسات الجديدة مثل: البرلمان، المجالس البلدية، المحكمة الدستورية... إلخ، هو البطء الشديد الذي يبعث على اليأس في أحيان كثيرة، فالبطء يقتل الهمم ويعطل الأمور إلى درجة السأم.
العملية التشريعية حاليا متواضعة السرعة جدا إلى الدرجة التي يدعو المرء اللّه ألا يبتليه بضرورة إصدار قانون، أو تعديل قانون، لأن مسيرة الاصدار أو التعديل تتطلب عدة سنوات وليس عدة أشهر. كما أن أيا من الجهات (مجلس النوّاب، مجلس الشورى، الحكومة) يستطيع تأخير الاصدار أو التعديل إلى ما لا نهاية، ولربما تُفتقد الحاجة إلى القانون وهو مازال في مراحله الأولى أو مراحله ما قبل الأولى.
المجالس البلدية المنتخبة «أنعم اللّه عليها» بوزارة الزراعة وشئون البلديات، بحيث يتمكن أعضاء المجلس البلدي من التوقف عن العمل أو توقيف كل الأعمال وتعطيل أي شيء يودون تعطيله حتى لو أثبتت كل البراهين أنه ليس من حقهم القيام بذلك، ولكن التبرير والتهمة جاهزة بأن الوزارة والجهاز التنفيذي هما السبب. وقد بدأ الناس يكتشفون أن «الرحمة» ربما في الوزارة والجهاز التنفيذي وليس في عدد من أعضاء المجالس البلدية المنتخبة. ففي بادئ الأمر، كان الكثير يطالب بنقل صلاحيات الجهاز التنفيذي وكثير من صلاحيات المحافظين إلى المجالس المنتخبة، أما الآن وبعد تجربة مريرة من تعطيل المصالح وعدم الاكتراث بالأمور المهمة للمواطنين، فإن الشعور بدأ ينعكس لغير صالح المجالس البلدية.
بعض أعضاء المجالس البلدية لا يعمل شيئا أبدا ولا يختلف عن المسئولين الذي نقول إنهم منشغلون بتجارتهم الخاصة. والفرق الوحيد هو أن العضو المنتخب يستطيع أن يصرّح متى شاء بما شاء، ويستطيع إلقاء اللوم على الجهاز التنفيذي أو على المحافظات ويستطيع الادعاء أنه يمثل المواطنين الذين انتخبوه، ولكن واقعه لا يختلف عن واقع المؤسسات القديمة التي لا تستطيع مواكبة متطلبات الاصلاح، إن لم يكن أسوأ من ذلك.
المحكمة الدستورية حجر أساس في أية عملية إصلاحية، ولكن كيف ومتى وما هي سرعة المحكمة التي ظلت معطلة حتى فترة وجيزة أخيرا؟ هذه مؤسسة مهمة لو تم تفعيلها لتحريك عدد من الملفات وحسم عدد من القضايا الجوهرية من خلالها.
البطء الشديد قد يتسبب في تعطيل برامج الاصلاح من كل جانب ... ماذا لو أردنا التأمين على العاطلين؟ كم سنة سيتطلب الأمر كي يصدر قانون؟ ماذا لو أردنا توقيع اتفاق تجارة حرة مع أميركا أو مع سنغافورة؟ كم المدة التي سيتطلبها الأمر؟ هل هي المدة نفسها التي مازال يستغرقها تعديل قانون الصحافة الذي يموت في طريق التعديل عدة مرات شهريا، وكلما نُفخت فيه الروح مات مرة أخرى.
وزارة الخارجية أعلنت عزمها على توقيع أهم عهدين لحقوق الإنسان (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)... كم عدد السنوات التي سيستغرقها البرلمان لتمرير هذين العهدين المهمين؟
إن الاصلاح بحاجة إلى مؤسسات يعتمد عليها، ويمكنها أن تمارس العمل الاصلاحي، أما أن نضيف إلى الترهل البيروقراطي الحالي ترهلا مؤسساتيا لا ينفع إلا في تأخير وتعطيل الأمور بسبب أو من دون سبب، فإننا لا نخدم أي إصلاح سواء كان سياسيا أم اقتصاديا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 584 - الأحد 11 أبريل 2004م الموافق 20 صفر 1425هـ