العدد 583 - السبت 10 أبريل 2004م الموافق 19 صفر 1425هـ

واقعنا السياسي الراهن... وقفة للمراجعة!

عبدالنبي سلمان comments [at] alwasatnews.com

أعتقد أنه ليس باستطاعتنا أن نخفي مخاوفنا وقلقنا بالنسبة إلى وضعنا الداخلي في أوقات احتدام الصراع الاجتماعي التي كثيرا ما يمر بها وطننا الآمن الصغير بمساحته والكبير بقضاياه وطموحات شعبه وقيادته السياسية. صحيح أننا ربما نرتعب خوفا ووجلا جراء ما يطرأ على وضعنا الداخلي من تأزمات تجر وراءها تأزمات تتداعى مخلفة وراءها ردود فعل كثيرا ما تتوالى فصولها لتصيبنا بشيء من الغثيان وكثير من الدوار، ولكنها من دون شك كثيرا ما تعيدنا إلى واقعنا السياسي بكثير من العقلانية أو التشبث بتلابيب لغة العقل ومنطق الحضارة، وتلك سمة ربما لا نتفرد بها كشعب ولكننا نعتز بأنها إحدى خصال شعبنا الذي عودته المحن والهموم أن يتماسك كلما استدعت الضرورة ذلك، وكلما زاد قلقنا على مصير هذا الوطن الذي هو أعز ما نملك.

طبيعي جدا أن يكون ذلك الشعور وهو شعور كل من ينتمي إلى هذه الأرض وشعبها، وطبيعي أن يكون بيننا أولئك العقلاء الذين يمسكون بزمام اللخطة التاريخية لتبدأ الحياة ودورتها بشكل أكثر تفاؤلا وإصرارا على المضي في دهاليز الظلمة لكي نستطيع أن نمسك بنقطة الضوء في نهاية النفق. فالمتتبع لمسار حركتنا السياسية وعلى مدى عقود طويلة يستطيع أن يطمئن إلى أن العقل يبقى هو الخيار، وأن المنطق هو غاية الطموح الذي كثيرا ما نلقي مراسينا حول شطآنه لكي نستريح من عناء الطريق ووعورة الدرب وملوثات الهواء وتقيح الجروح لنبدأ مسيرة جديدة حافلة بالعطاء لخدمة شعبنا ونماء وطننا وازدهاره.

هنا فقط يأفل رعبنا وتنتهي مخاوفنا، ولكن ذلك في مجمله أيضا كثيرا ما تسبب في إعاقة مسيرتنا الحضارية التي نحلم بأنها ستكون وردية لنفاجأ بمرارة الدرب ووعورة الطريق وأحيانا كثيرة خذلان العزيمة والاصرار وذبول النوايا لنخسر بذلك الكثير من الوقت والكثير من العقل والكثير من الجهود التي تضيع عبثا من دون أن تستثمر في خدمة الوطن والناس.

في اعتقادي أننا باعتبارنا شعب مملكة البحرين بتنا في حاجة ماسة أكثر من ذي قبل لحراك سياسي واجتماعي تنتظم خطاه مع وقع خطى أبناء هذه الأرض بصورة أكثر انسجاما وأكثر فهما لكي نستطيع أن نعزف جميعا لحن الحياة والأمل لشعبنا الذي ينتظر منا الكثير وينتظر من قواه السياسية الفاعلة أدوارا أكثر فهما لحاجاته ومراميه في سبيل حياة كريمة تنحو للرفاه ولاقرار الحقوق بعيدا عن الجفوة والتباعد، وتلك لعمري مسؤلية تاريخية جسيمة ربما يكون بلوغها صعبا، ولكنه بكل المقاييس ليس مستحيلا طالما استطعنا ان نستحضر العقل والعزيمة والاخلاص بعيدا عن ارتجال المواقف والتمترس والانزواء في صوامع الشقاء الذي كثيرا ما وجدنا أنفسنا فيها وأحيانا كثيرة بإرادتنا. وهنا تكمن المشكلة، وليس من الطبيعي أن يستغرقنا الهم والعناء النفسي في زحمة إيجاد الحلول ورص الصفوف وإعادة الاعتبار لأنفسنا ولأبنائنا من بعدنا بل والأهم أن نتعالى فوق جراحاتنا وهمومنا لنصنع الأمل لنا وللناس جميعا بديلا للاحباط والتراجع. من هنا فالمسئولية التي نتحملها جميعا كمدافعين حقيقيين عن مصالح شعبنا ومستقبله هي من الكبر بحيث إنها لم تعد بعد تسمح لنا في زحمة إنشغالاتنا اليومية أن نضيع الدرب ونفقد البوصلة، بل علينا أن نبحث عن أقصر الطرق وأسلمها وأجداها منفعة من دون أن ندخل بإرادة منا أو بقصر نظر أحيانا في دهاليز مظلمة ربما أعادتنا إلى نقطة البداية من دون أن ندري إلا بعد فوات الأوان، وحينها نكون قد أضعنا الوقت والجهود وربما لا سمح الله الأنفس أحيانا!

فالمتتبع لمسار حركتنا التاريخي كقوى سياسية لها برامج وأجندة وطنية لا تشوبها شائبة يكاد أن يصاب بالدهشة أحيانا كثيرة ليطرح أسئلة محقة مفادها: لماذا علينا دائما ان نقدم قرابين وتضحيات؟! ولماذا علينا أن نسلك الدروب المقطوعة من دون أن نصل ثم نعاود الكرة على الدروب والخطى ذاتها؟ لماذا لا نستفيد من أخطائنا ونبني عليها مجدا نفاخر به لأجيالنا القادمة ونصنع عهدا وتاريخا مضيئا لهذا الوطن على رغم كل الاعاقات... فهل تنقصنا الفطنة يا ترى؟

أم أننا بتنا أسرى لسجال لا ينتهي من الدم والدموع والهم الطاغي، ثم أليس من حقنا كشعب أن نطرح الأسئلة على بعضنا عندما يطغى المد وتشتد الظلمة؟! فإذا كان هناك من نقص في طرائق إدارتنا للصراع المجتمعي فعلينا أن نعيد النظر في ذلك، واذا كان هناك من يعتاش على أن يلوث اجواء حراكنا الاجتماعي فعلينا أن نعرف كشعب وكأمة كيف يمكننا أن نقول له كفى، فنحن نطمح للبناء وللمضي في معية الضوء والنور ولا بأس إن واجهتنا الصعاب فذلك هو قدرنا، ولكننا يجب أن نمتلك البصيرة والرؤية، والحنكة والأمل والقدرة على أن ندير شئوننا بحزم وبمحبة بعيدا عن لغة التصادم والاحتقان، فذلك أجدى لشعبنا ومستقبل وطننا ولا نريد أن نعود القهقري دائما.

تلك إذا؛ هي مهماتنا وتلك هي رسالتنا وعلينا جميعا في اعتقادي أن نمارس وفاءنا لهذه الأرض وشعبها بروح من التسامح والعقل والعزيمة والاصرار، وأن نعتبر الصعاب هي محفزاتنا نحو مزيد من امتلاك القرار والامساك بلحظات لا نريدها أن تكون هاربة دائما وعلينا أن نعض على مكتسباتنا بالنواجد وأن نفهم واقعنا بصورة أكبر، ولا بأس إن واجهتنا العراقيل والازمات ولكن المهم أن نعتبر منها وأن نطور من أدائنا وقدرتنا على الفهم والتلاحم في سبيل بلوغ الاهداف وأن نترك للتاريخ فعلا مجيدا يسهم في بناء وطن طالما حلمنا به وسنظل نحلم به للجميع من دون فرز وتباعد، ومن دون ضيم وهضيمة، ومن دون تمييز أو الغاء أو تهميش ومن دون مساومة على مصالحنا كشعب... تلك إذا هي مهمات الزعامات والقيادات الوطنية والتاريخية والروحية في بلادنا، وتلك هي مسئوليات الجميع وأدوارهم المنتظرة سواء في المعارضة أو في الحكم من دون استثناء، كما ان علينا أن نعرف كيف نقود جماهيرنا بحزم ومسئولية نحو آفاق رحبة يختلط في نسيجها الوفاء والمحبة لهذه الأرض وأبنائها لا أن نقاد دائما من دون وعي منا إلى ما لا نرضى ونحب، إنها وقفة للمراجعة والتأمل تفرضها ظروفنا الراهنة وطبيعة عملنا السياسي لبناء المستقبل الواعد لشعبنا وأرضنا المعطاءة

العدد 583 - السبت 10 أبريل 2004م الموافق 19 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً