كيف يمكن أن تخرج الولايات المتحدة من ورطتها في العراق؟ فالادارة الأميركية يبدو أنها لم تتوصل الى قناعة بإعادة النظر في الملف العراقي وهي مصرة على التصرف وكأن الحال على أفضل ما يكون سوى مرور بعض الأيام القاسية كما قال وزير الخارجية كولن باول. عدم اعادة النظر بالملف والاصرار على سلوك «القاتل أم المقتول» كما يقول المثل، يعني أن الولايات المتحدة قررت الاستمرار في سياسة القتل المجاني والعشوائي ظنا منها ان هذا هو الاسلوب الأمثل لتأديب شعب قرر انتزاع السيادة.
إلا أن السؤال الآخر يقفز لمواجهة الأول. وهو الى متى تستطيع واشنطن الاستمرار في سلوك هذا النهج الهمجي والافراط في استخدام القوة العسكرية؟ اسبوع. اسبوعان. ثلاثة أسابيع. أو أكثر من شهر أو شهرين. وأخيرا متى ستعاود فتح الملف وإعادة قراءة أوراقه بطريقة نقدية تعيد النظر في المشروع برمته.
هنا ستبدأ ورطة حقيقية وهي تنطلق من المأزق السياسي الذي وصلت اليه سياستها التي بدأت خاطئة وستنتهي كما تقول مختلف المؤشرات الى نتيجة خاطئة.
الملف السياسي تضخم وسيواصل تضخمه اذا استمرت الادارة في عنادها. ومناطحة الصخر تعني في النهاية واحدة من نتيجتين: إما ان الصخر سيتفتت وإما ان رأس اميركا سيتحطم. وبين الصخر والرأس هناك فرصة الآن للولايات المتحدة بالخروج من الورطة قبل أن يكبر الملف وتتضخم أوراقه.
احتمالات كثيرة مطروحة قبل الخروج من المأزق. مثلا ماذا ستفعل بمذكرة التوقيف التي أصدرتها بحق السيدمقتدى الصدر، وماذا ستفعل بشأن الاستقالات التي بدأت في صفوف مجلس الحكم الانتقالي والوزراء، وماذا ستفعل بحملات التأديب ضد المدنيين والمجازر التي ارتكبتها ضد الأحياء والبلدات والمدن، كيف ستنسحب ومن أين الى أين، ومن هي القوى التي تثق بها وتريد أن تسلمها مقاليد السلطة بعد أن دخلت في أزمة ثقة مع جماعاتها السياسية؟ يضاف الى هذه الأسئلة غيرها من أسئلة من نوع آخر. ماذا ستقول ادارة بوش للناخب الأميركي، للعالم، لمجلس الأمن، للدول العربية، لمشروع «الشرق الأوسط الكبير»، ولكل ما طرحته من أفكار طموحة لها صلة بالتطوير والتحديث والتنمية والديمقراطية وبرامج التربية والتعليم... وغيرها من تصريحات انهالت على المنطقة بالاطنان وانتهت الى تخريب البصرة والفلوجة وتطويق النجف والكوفة وكربلاء واقتحام الكاظمية والأعظمية ومدينة الصدر واعادة فتح سجن أبوغريب لاستقبال المعارضين للاحتلال؟
الولايات المتحدة في ورطة، والسؤال: كيف يمكن تصور خروجها من هذا المأزق السياسي الذي تتضخم أوراقه يوما بعد يوم ومن فشل صغير الى فشل كبير. مثلا هل تترك الولايات المتحدة العراق لأهله يتدبرون أمرهم على طريقتهم الخاصة؟ هل تنسحب مؤقتا تاركة الفراغ الأمني عن قصد حتى تتعارك القوى المحلية وتتصادم لتجد ذريعة جديدة للعودة بعد الانتهاء من حمى الانتخابات التي ارتفعت درجة حرارتها؟
الولايات المتحدة فعلا في ورطة. والسؤال: كيف يفكر الآن جورج بوش، وبماذا يفكر، وهل قلبه مشغول على جيشه في بلاد الرافدين، أم ان عقله تركز نظريا على مستقبله في البيت الأبيض؟
الأجوبة لا يملكها بوش. فالقرارات النهائية ليست في يده، كذلك مفاتيح الأزمة، ووسائل المرور والخروج. بوش صاحب القرار الأخير (النهائي) ولكنه لا يملك أدوات القرار ومعداته وأوراقه. فهو لا يصنع القرار ولكنه هو المكلف بإعلانه. والسؤال: متى يعلن بوش القرار وكيف سيخرجه أمام الناخب والعالم، وماذا سيقول لهم، وما هي المبررات التي سيقدمها له صنّاع القرار حتى تغطي «أم الفضائح» في دولة قررت الانتحار على رغم النصائح التي قيلت لها قبل ارتكاب جريمة الحرب؟
لا شك في أن من يصنع السياسة في أميركا هم المستفيدون منها، وأكبر المستفيدين مجموعة التصنيع العسكري التي استغلت 11 سبتمبر/ايلول للضغط على الادارة ورفع موازنة الدفاع من 265 مليارا الى 401 مليار دولار في السنة. فهذه المجموعة لعبت لعبتها وانتهزت فرصة الجنون السياسي لتختبر سلسلة أسلحة حديثة في الميدان ودفعت الكونغرس للمصادقة على موازنة الحرب على افغانستان (40 مليارا) وموازنة الحرب على العراق (80 مليارا). بعد مجموعة التصنيع الحربي تأتي سلسلة مجموعات أسهمت في تمويل حملة بوش - تشيني الانتخابية أبرزها تلك الشركات والمؤسسات التي تركز توظيفاتها على حقلي النفط والغاز وغيرهما. وبعد سلسلة المجموعات هذه تأتي «اسرائيل» وهي الطرف المستفيد من تداعيات هجمات سبتمبر وتحديدا في منطقتي «الشرق الأوسط» وفلسطين.
سلسلة المجموعات هذه المتمثلة في أطراف ثلاثة تملك القرار وتصنع السياسة في الكونغرس والبيت الأبيض. والسؤال: هل اكتفت المجموعات الثلاث من حروب بوش أم أنها تريد المزيد منها؟ الاجابة غير واضحة حتى الآن، لكن الواضح ان ادارة بوش دخلت فعلا في ورطة ولم تكتشف السبيل الأفضل للخروج منها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 583 - السبت 10 أبريل 2004م الموافق 19 صفر 1425هـ